استطاعت الكاتبة منى طايع خلال فترة قصيرة ان تكون في طليعة الكتّاب الدراميين في التلفزة اللبنانية. وليس من المبالغة القول انها بلغت ذروتها الابداعية في مسلسل"ابنة المعلم"الذي عرضته"المؤسسة اللبنانية للارسال"ال بي سي وستعرضه فضائياً في الأيام المقبلة. فهذا المسلسل الذي يذكر بالأعمال المأسوية المهمة كان من أبرز ما شاهد الجمهور اللبناني في الآونة الاخيرة. وقد كرّس مؤلفته منى طايع وجهاً جديداً وحديثاً في معترك الكتابة الدرامية. فهي تمكنت بوضوح من الخروج عن النمطية التي باتت تسم الدراما التلفزيونية وتثقل كاهلها معتمدة ثقافتها المسرحية وتجربتها في عالم التمثيل وخلفيتها الأكاديمية، وبدا مسلسلها"ابنة المعلم"أشبه بالثورة في حركة التأليف الدرامي في لبنان، فهي تخطت الكلشيهات والهنات التي تحفل بها المسلسلات عادة، جاعلة من الواقعية ذريعة درامية لبناء الشخصيات والمواقف والعلاقات. وبدت علاقتها بالواقع الذي ارتكزت اليه سليمة جداً وحقيقية على خلاف الكتاب الآخرين الذين يفشلون دوماً في نقل الواقع الى الشاشة الدرامية. المفاجأة الجديدة التي حملتها منى طايع الى جمهور"أل بي سي"تتمثل في مسلسلها الجديد"غنوجة بيا"، الذي يختلف تمام الاختلاف عن"ابنة المعلم"كونه مسلسلاً كوميدياً وكوميدياً بامتياز. تنتقل طايع من الجو المأسوي الذي يذكّر بالأعمال المأسوية المسرحية الى جو كوميدي، شديد اللطافة وخال من الادعاء والسذاجة. وقد اختلفت شخصية الفتاة المدللة والمرفّهة لتجمع من حولها شخصيات اخرى وترسخ انطلاقاً منها العلاقات والمفارقات والمواقف الكوميدية. ونجحت في ترسيخ البنية الداخلية للحلقات فلا تبدو الواحدة منها تكراراً للأخرى. اما الحوارات فكتبتها برهافة وپ"خفة"جميلة مركزة على طبائع الشخصيات. قد يسأل المشاهد كيف تستطيع كاتبة شابة ان تنتقل بسهولة من مناخ مأسوي الى مناخ كوميدي من غير ان تقع في ما يسمى"استلاباً"او"انفصاماً"؟ صحيح ان كبار الكتّاب الدراميين ولا سيما الكلاسيكيين وضعوا نصوصاً في اكثر من ميدان، مأسوياً كان أم كوميدياً، لكنهم حافظوا على سماتهم وأساليبهم وخصائصهم. ولعل هذا ما نجحت فيه منى طايع بوضوح. فجملتها واضحة وكذلك حواراتها ناهيك بالشخصيات والعلاقات وفن البناء الدرامي... ولم تبدُ في الجو الكوميدي غريبة عن الجو المأسوي، فالعمل عملها، أياً كانت طبيعته واللمسات لمساتها أياً كانت تفاصيلها. وما يجدر التنويه به هو عين المخرج ايلي حبيب ووعيه الجمالي والتقني ونجاحه في تحويل الحوار والسيناريو مادة بصرية، وجعل الشخصيات اشخاصاً من لحم ودم. وهنا لا بد من اعتذار ندين به لهذا المخرج المبدع عندما اختلط علينا اسمه باسم مخرج يدعى ايلي معلوف، وشتان بينهما. فالمخرج حبيب هو فعلاً من الاسماء المهمة التي نجحت في فرض نفسها ابداعياً في عالم الدراما التلفزيونية اللبنانية.