باستثناء بضعة أثواب، ترى والدتي أن جميع ما في غرفتي لا يستحق الاحتفاظ به، فهو في نظرها كومة من الورق وبعض الكتب التي لا أقرأها وكثير من القطع التي لا تفهم سبب وجودها في غرفتي. لكنني في الواقع لا أستطيع أن أرمي أشياء عاشت معي فترة طويلة أو ارتبطت بزملاء شاركوني سنوات من حياتي. نظرة واحدة إلى تلك الأوراق والأغراض كفيلة بإرجاع سنوات من الصداقة وصور زملاء غيبهم الموت أو السفر. قبل أيام قابلني صديق درست معه سنوات في الجامعة وسألني إذا كنت محتفظاً بكشوف أسماء الطلاب في مادة الأدب الإنكليزي قبل سنوات، أجبته بالتأكيد فأنا لا أستطيع أن أرمي أوراقاً كهذه. أسماء زملائي في مادة من المواد ليست الوحيدة في أدراج الذكريات، قصاصات كثيرة من دفتر"الهجاء"في المرحلة ما قبل الابتدائية لا أستطيع رميها. دفاتر مادة الإنشاء والتعبير في مراحل متعددة أعتبرها كنزاً لا يمكن التفريط فيه. أرجع إليها بين فينة وأخرى لأضحك قليلاً على رداءة الخط وبساطة التعبير الذي قد نفتقده حينما نتقدم في العمر، العشرات من كتب المناهج الدراسية تملأ أدراج غرفتي، ليس بهدف الرجوع للمادة العلمية التي تحويها، بقدر ما هو رجوع إلى"الخربشات"التي تملأ الهوامش. وليست الأوراق وحدها ما يملأ غرفتي. فلم أستطع إلى الآن رمي"كرتونة"الكاميرا التي اشتريتها قبل فترة وسرقت مني. وما زلت أبحث عن واحدة من طراز تلك الكاميرا ولونها على رغم أن الزمن تجاوزها بأربعة أجيال. لكن خيطاً يربطني بتلك"المسروقة"، لذا ما زلت من دون كاميرا حتى الآن. هل تتميز الأجهزة الالكترونية بحس إنساني؟ لست أدري. الذي أعرفه أنني أفهمها جيداً أكثر مما أفهم كثيراً من الناس. الموضوع نفسه ينطبق على حاسوبي المحمول، أحاول أن أبيعه منذ بضعة أشهر، لكنني لم أقو على ذلك. أغضب كثيراً بسبب الإحراج الذي تسببه بعض أعطاله، وأعزم على بيعه في أقرب فرصة، لكنني أضعف عندما أصل إلى السوق لأرجع به فرحاً وكأنني عدت بجهاز جديد! أما الليالي التي أقضيها من دون وسادتي فاستثنائية، لأنني اعتدت تلك الوسادة منذ سنوات طويلة، حتى أنني أتساءل ايهما اعتاد على الآخر رأسي أم الوسادة. وكل المحاولات لإحلال وسادة جديدة باءت بالفشل، بت مقتنعاً بمثل كنت أقرأه على علبة الكبريت" قديمك نديمك". حينما أنظر الى بعض الأشياء التي أحتفظ بها أو تلك التي اعتدت استخدامها منذ فترة طويلة ولا استطيع التخلي عنها على رغم أنها أحياناً تثير سخرية الآخرين، أعود إلى بيت شعر المتنبي الشهير:"خلقت ألوفاً لو رجعت إلى الصبا... لفارقت شيبي موجع الرأس باكيا".