"لن أنسى ابداً ذلك الصندوق الصغير الذي كانت تحتفظ به جدتي قرب سريرها. كان مصدراً لسعادتي كلما أنّبني والدي على شقاوتي"، هكذا تبدأ أمل الحديث عن دور جدتها في حياتها. وتروي:"كنت شقية جداً وألوذ بجدتي الحبيبة كلما عاقبني والداي. وكانت ترضيني بأشياء جميلة تخفيها لي في صندوقها السحري الصغير الذي اعتادت وضعه قرب سريرها. وكانت تخيط اللعب القماش الصغيرة، وتحتفظ لي بقطع الحلوى التي تجمعها من المناسبات والزيارات وتفاجئني بها في حال كآبتي". وكانت الجدة حليفاً قوياً لأمل حتى بعدما كبرت وصارت مهندسة ديكور. والجدة في غالبية الأسر العراقية تكاد تكون الصديقة الوحيدة للصغار. وتروي رجاء، الطالبة في كلية الشريعة في جامعة بغداد، ذكريات أخرى عن جدتها التي اعتادت إنقاذها من عقاب الأهل وتقول: اعتاد والداي إجبارنا على النوم وقت الظهيرة، لكننا كنا ننسل خلسة الى المدينة لممارسة بعض الألعاب وكانوا يعاقبوننا عندما يكتشفون امرنا، لكن جدتي كانت ملاكنا الحارس وكانت غالباً ما تدافع عنا وتصطحبنا الى غرفتها لتروي لنا حكايات جميلة عن الكائنات الخرافية مثل"السعلوة"والأميرة التي تحولت الى حيوان مسحور بعدما شربت من ماء البحيرة السحرية". وتؤكد انها اليوم تستوحي بعض الحكايات والقصص التي تحكيها لأطفالها قبل النوم من قصص جدتها، وترى ان في هذه الحكايات عبراً كبيرة تحاول الجدة ايصالها الى الأولاد. أما هناء، وهي أستاذة جامعية، فتذكر أن جدتها لأمها كانت اكثر اهتماماً بها، وأن جدتها لأبيها كانت بعيدة عنها وأخواتها بعض الشيء، لأنها كانت تفضل أحفادها من بناتها على الأحفاد من أبنائها. وتصف أميرة جدتها بپ"مستودع النقود"وتقول انها تحتفظ بصندوق صغير تخفي فيه مدخراتها التي تحصل عليها من أولادها الكبار وتعطي بعضها للأحفاد في الأعياد ليشتروا بعض الحلوى. وتروي تفاصيل أخرى عن هذا الصندوق الصغير الذي لم يجد فيه الأولاد اكثر من 2000 دينار بعد وفاتها أي أكثر من دولار بقليل. لكنها تؤكد ان صعوبات الحياة الاقتصادية والمشكلات الأمنية انعكست على دور الجدة في العائلة، وتذكر ان جدتها لأبيها لم تزرهم منذ اكثر من عامين بسبب صعوبة الوصول الى بغداد. وتلاحظ أن هموم الحياة ألهت الكثير من الجدات عن ممارسة أدوارهن"التقليدية"، حتى ان بعضهن بات يفضل الانزواء، لإحساسهن بأن أدوارهن انتهت. وترى جنان 32 عاماً، وهي موظفة، أن الجدة لا تؤدّي الأدوار"الأسطورية"التي يشاهدها الأطفال على شاشات التلفاز. وتوضح ان جدتها لأبيها لا تملك الطيبة التي اعتادت ان تقرأ عنها في قصص الأطفال، وان الصور المخملية التي يرسمها لها البعض في الخيال قد تنعدم على ارض الواقع لدى الكثير من العائلات. وتروي ان جدتها اعتادت الشكوى من الأمراض والآلام كما اعتادت ان تلقي باللوم على أولادها وأحفادها وتتهمهم بعدم الاهتمام بها والانشغال عنها بشؤونهم الخاصة.