الإصابة بالديدان من أكبر المشاكل الصحية في بلدان العالم الثالث عموماً والعالم العربي خصوصاً، ونظراً الى قلة الوعي الصحي، وتلوث الطعام بجحافل الذباب والحشرات. وأنواع الديدان التي تصيب الإنسان كثيرة، وبعضها خطر جداً للغاية. والمشكلة ان كثيرين من الأشخاص المصابين، يتعاملون مع الإصابة بالديدان بشيء من الاستهتار، إذ يذهبون الى الصيدلية ويطلبون"شربة"مضادة للديدان اعتقاداً منهم بأن هذه الشربة السحرية ستحل المعضلة، لكن الأمر ليس بهذه البساطة، إذ لا بد من معرفة هوية الدودة بالتشخيص المناسب، وبالتالي إعطاء الدواء الناجع الذي يسمح بالتخلص منها. وفي السطور التالية نلقي الأضواء على عدد من الإصابات الشائعة بالديدان. داء الاسكاريس هذا الداء سببه العدوى بالدودة المعروفة باسم"اسكاريس لمبريكوديس"، والإصابة بهذا الداء منتشرة جداً، اذ تشير التقديرات الى وجود اكثر من مليون شخص مصابين بهذا المرض، من بينهم عدد لا بأس به من الأطفال ما قبل سن الدراسة. يبلغ طول دودة الأسكاريس وسطياً حوالى عشرين سنتمتراً، وتضع يومياً حوالى أربعة ملايين بيضة. اما موطنها المفضل فهو الأمعاء. وينتقل داء الاسكاريس من طريق لمس اليد لتربة او منتجات ملوثة خضار، فواكه بالبراز البشري الحاوي على بيوض الاسكاريس. وبعد ابتلاع هذه البيوض تذهب الى الأمعاء حيث تفقس لتعطي يرقات تخترق جدار الأمعاء وتنساب في المجرى الدموي الى الرئتين، ومن ثم الى القصبات حيث تتسلق في داخلها لتبلغ البلعوم، وهنا يبتلعها الشخص لتهبط الى المريء فالمعدة ثم الى الأمعاء الدقيقة، حيث تنمو وتتطور لتعطي ديداناً جديدة قادرة على وضع بيوض اخرى تطرح في البراز، وهكذا دواليك ليتكرر ما وصفناه آنفاً. هل تعطي الإصابة بالاسكاريس عوارض معينة؟ قد تبقى الإصابة صامتة، لكنها قد تعطي عوارض مبهمة غير نوعية، من بينها: ألم في البطن، ومغص متكرر، وحس الانتفاخ. كما قد يحدث السعال عند عبور اليرقات جهاز الرئة. ومن الممكن الشكوى من الغثيان والتقيؤ والإسهال الدهني، وقد تنسد القناة الصفراوية بالديدان، فيصاب صاحبها بأبي صفار اليرقان، والأخطر من هذا كله انه يمكن للديدان ان تقود الى حدوث انسداد في الأمعاء. ويعتبر داء الاسكاريس من الاسباب الأولى لنقص التغذية في البلدان الفقيرة، نظراً الى ما تأخذه الديدان من واردات غذائية فتحرم الشخص المضيف لها من الإفادة منها. يشخّص داء الاسكاريس بفحص البراز مجهرياً للتعرف على وجود البيوض الخاصة بالدودة، وقد يلجأ الطبيب الى إجراء فحوص إضافية اذا لزم الأمر. اما في شأن العلاج، فهناك عقاقير كثيرة، أثبتت فاعليتها في القضاء على الديدان، والطبيب وحده هو الذي يقرر العلاج الأنسب، ومن الأفضل علاج كل أفراد العائلة، لأن الإصابة بالاسكاريس غالباً ما تكون منتشرة بينهم. داء الحرقص وهو مرض كثير الشيوع، خصوصاً لدى الأطفال، وينتج عن وجود دودة دبوسية في امعاء الإنسان اسمها الحرقص. وتنتشر الإصابة بهذا الداء في الأوساط الفقيرة، لفقدان الوعي الصحي، وسوء الأوضاع الصحية. تعيش الديدان الدبوسية في الأمعاء، ويبلغ طول الذكر منها حوالى نصف سنتم، اما طول الأنثى فيصل الى سنتم، وتتوضع الديدان البالغة في المصران الأعور، وفي هذه المنطقة يتم التزاوج بين ذكور الديدان وإناثها، وبعد ذلك تموت الذكور، أما الإناث فترحل عبر القولون كله، لتطرح مع البراز، او انها قد تظل متشبثة بالمصرة الشرجية لتضع بيوضها، التي تبقى ملتصقة في محيط فوهة التبرز، او تتهاوى على الملابس او شراشف النوم او على الأرض. وتتم العدوى بالحرقص ذاتياً، أي عندما يحك الإنسان قفاه بيده، ومن ثم يلامس فمه فتدخل البيوض الى الأنبوب الهضمي لتتابع رحلتها فتعطي الديدان البالغة. ايضاً يمكن ان تحدث العدوى من البيوض الموجودة على شراشف السرير، أو في غبار المنزل، أو في الخضار والفواكه الملوثة بفضلات البراز الحاوية على البيوض. اما عن المظاهر السريرية لداء الحرقص، فإن الحكة الشرجية تمثل العارض الأهم، ويعود سببها الى تشبث الدودة في ثنيات الشرج، وتميل الحكة الى الحدوث ليلاً، وعند النساء قد تظهر الحكة المهبلية، او الألم اثناء التبول. ايضاً العوارض الهضمية قد تكون ماثلة، مثل الآلام المبهمة في الزاوية السفلية اليمنى للبطن، والإسهال الرخو. وقد تؤدي الإصابة بداء الحرقص الى بعض المضاعفات مثل الأكزيما الجلدية حول الشرج، أو التهاب الزائدة الدودية نتيجة دخول الديدان الى قلب الزائدة. ايضاً يمكن ان يعاني المصابون بالحرقص من بعض الاضطرابات العصبية، مثل القلق والأرق والتهيج وغيرها. ان تشخيص داء الحرقص يجري، إما برؤية الديدان بالعين المجردة، او برؤيتها بفحص البراز، أو بكشف البيوض بطريقة فحص غراهام، الذي يقوم على وضع ورق لاصق على فتحة الشرج، فإن وجدت البيوض التصقت به بالورق، ومن ثم ينزع الورق ويلصق على شريحة زجاجية يتم فحصها بالمجهر. وفي خصوص العلاج، فكما هي الحال مع داء الاسكاريس، هنا ايضاً توجد ادوية لمعالجتها، ولا يخفى على الطبيب اختيار الأنجع من بينها. أيضاً هنا، يستحسن ان يكون العلاج جماعياً لكل افراد العائلة، ومن المهم جدياً اثناء فترة المعالجة غسل الشراشف والثياب وغليها لمنع اصابة افراد العائلة بالعدوى مرة أخرى. ولعل الخطوة الأهم في داء الحرقص، هي الوقاية من طريق غسل الخضار والفواكه جيداً، والعناية الشخصية بالنظافة قبل الأكل وبعده، كما يجب الامتناع عن استعمال الأسمدة البشرية في تسميد الأراضي الزراعية. الديدان الخطافية إن العدوى بهذه الديدان منتشرة بكثرة، ويقال ان ربع سكان العالم مصابون بها، وفي كثير من مناطق العالم تكون هذه الديدان مسؤولة عن الإصابة بالوهن العام وتأخر نمو الأطفال. تقيس الدودة الخطافية البالغة حوالى سنتمتر واحد، وتصيب الإنسان من طريق ملامسة التربة والأشياء الملوثة بالبراز الحاوي على الدودة او بالأحرى على يرقاتها، اذ تدخل هذه الأخيرة الى الجسم عبر الجلد الواقع بين اصابع القدمين الحافيتين، ومن ثم تتابع سيرها عبر الأوردة الى تيار الدم لتحط رحالها في الرئتين، وعندما يسعل الشخص تصعد اليرقات الى الفم فيقوم المصاب ببلعها لتواصل رحلتها الى قلب الأمعاء حيث تقوم الديدان بتثبيت اسنانها على البطانة الداخلية للأمعاء، ومن هنا جاء الاسم الدودة الخطافية الكلابية لأنها مزودة بأسنان تشبه الكلاليب. وتسبب الديدان الملتصقة ببطانة الأمعاء نزيفاً دموياً مستمراً يؤدي مع الوقت الى حصول فقر الدم. ومن العوارض التي يشكو منها المصاب بالدودة الخطافية: - حكة جلدية حادة في مكان اختراق يرقات الدودة. - السعال الجاف وتقشع الدم وانخفاض الحرارة والتهاب القصبات، وتظهر هذه عند وصول اليرقات الى الرئتين وعبورها فيهما. - عوارض هضمية مبهمة مثل المغص والإسهال ونقص الشهية. وتثار عادة هذه العوارض بتناول الطعام. - فقر الدم. تشخّص الإصابة بالديدان الخطافية بالكشف عن وجود بيوضها عند فحص عينات البراز، وقد يحتوي هذا الأخير على دم خفي. اما المعالجة فتتم بمضادات الديدان الملائمة التي لا تخفى على الطبيب المعالج. الدودة الشريطية عرفت بهذا الاسم لأن شكلها يشبه الشريط، وهناك انواع عدة من هذه الدودة، مثل الشريطية البقرية، والشريطية الخنزيرية، والشريطية السمكية، والشريطية القزمة، والشريطية القواريضية، والشريطية الكلبية. وأطول هذه الديدان الشريطية البقرية التي قد يصل طولها الى 25 متراً، اما أخطرها فهي الشريطية الكلبية، التي تتحول يرقاتها في الجسم الى أكياس مائية تستوطن في أعضاء حيوية كالكبد والدماغ والعين مسببة مضاعفات بالغة الخطورة. إن الإصابة بالشريطيات قد تكون لا عرضية، أو قد تفصح عن وجودها بعوارض مبهمة طفيفة مثل الإسهال وأوجاع في البطن والغثيان، وقد يشاهد المصاب أجزاء من الديدان في البراز. وتكشف الإصابة بالشريطيات بواسطة التعرف على بيوضها، او مشاهدة أجزاء منها لدى فحص عينة من البراز. اما العلاج فيعتمد على وصف العقاقير الطاردة للديدان.