أثبت الأديب محفوظ أن الواقعية في الأدب مستحيلة، لأن الواقع وبكل بساطة، وبالأخص واقع المجتمع المصري، هو واقع مليء بالعجائب والغرائب يتجاوز كل الروايات التي يمكن لخيال الإنسان ابتكارها. لقد كان محفوظ شاهداً ملتزماً، ومسافراً مقيماً، ومتفحصاً مثيراً للواقع، فاستطاع إلقاء نظرته المتزنة على مجتمع متشابك ومتعدد الوجوه، فكان نجيب محفوظ يعرف أن وراء كل ما هو ظاهري، هاوية، تسكنها الروح الإنسانية التي ينتمي إليها المواطن العادي البسيط، أي الناس، الذين يحيون ويموتون دون أن يعلم أحد أنهم وجدوا. فنجيب محفوظ مثله مثل بلزاك وزولا وتوليستوي، كان شاهداً على عصره، وعلى شعبه الذي عايشه يومياً في الشارع والمقهى، فلم يكن بحاجة إلى القيام برحلة حول العالم، حيث كان العالم يأتي إليه من خلال أفراحه وعذاباته وآماله، عالم حي بشخصياته من الشحاتين والأمراء. كان محفوظ وطوال حياته في خدمة الكلمة، كان لا يحب الصراعات، فدعم معاهدة السلام بين بلاده وإسرائيل عام 1979، فعاقبته البلدان العربية جزاء ذلك، وهم بهذا العقاب لم يفرقوا بين الكاتب والإنسان، فمنعت كتبه وحوصرت وهي عملية في رأيي عملية غبية، لأن المنع لم يمسس الأديب ولا طاقاته المبدعة، بل في المقابل، وبكل تأكيد، أدى إلى حرمان آلاف القراء من التمتع بكتبه. ستظل كتب محفوظ موجودة رغم السرقة ورغم تهديدات المتطرفين والرقابة المستمرة. وسيظل نتاجه الأدبي مصدر شرف ليس فقط للآداب العربية بل للآداب العالمية ككل، فلا يمكن فهم المجتمع المصري إذا لم نقرأ نجيب محفوظ.