تعاني اللغة العربية في الإعلام المرئي المغربي، تراجعاً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، بسبب التبني شبه الرسمي للهجة العامية المغربية، في البرامج الحوارية والتنشيطية، وبرامج الخدمات العمومية، الى جانب استعمال اللغة الفرنسية بشكل لافت في القناة الثانية، المنتمية الى ما يسمى القطب الإعلامي العمومي، وبالموازاة تبرز الفرنسية لغة أساسية في البرامج الاقتصادية. فبينما تبذل الدولة جهوداً مضاعفة لمحاربة آفة الأمية اللغوية، التي لا تزال تنتشر في أوساط نصف المجتمع المغربي، وعوض تبني استراتيجية تلفزيونية، أساسها لغة عربية وسيطة ومبسطة، ما من شأنه أن يحافظ على اللغة العربية، بناء وتعاملاً، لمواكبة هذا المشروع المجتمعي، للقضاء على أقدم الأميات، الأمية اللغوية، تبنت ادارة القطب الإعلامي العمومي، العامية المغربية، المعروفة باسم الدارجة، وسيلة لغوية للتواصل مع المواطنين. قنوات وبالدارجة وبرز هذا التوجه جلياً في قناة الرابعة، التابع للقطب الإعلامي العمومي، مع إطلاقها في شباط فبراير 2005، كقناة للمعرفة والتربية، حيث فرضت ادارتها العامية على الصحافيين والمنشطين، في مخاطبتهم للمشاهدين، وسيتعزز هذا الاختيار، في القناة الرياضية، لهذا القطب، والتي من المرتقب أن ترى النور في 16 سبتمبر أيلول، اذا سارت الأمور كما سبق الإعلان عنها، من طرف يونس العلمي، مدير الرياضية المغربية، أول قناة رياضية متخصصة في المغرب. القائمون على هذا الاختيار لا يملكون حججاً مقنعة للتخلي عن اللغة العربية، التي ظلت طوال سنوات، سيدة الموقف، عندما هيمنت في التلفزة المغربية، واحدة ووحيدة، تصول وتجول في كل البيوت المغربية، في زمن البث الهرتزي، والمستقبلات الهوائية. أما اليوم، فلا توطد الصلة بين العربية وعموم الجمهور المغربي، إلا بفضل القنوات الفضائية، والإخبارية منها على وجه التحديد. ما يبقي التلفزيون واحداً من الوسائط الجماهيرية التي ستمكن من علاج الجسد المجتمعي المغربي، من سرطان الأمية اللغوية، كما حصل في الجارة اسبانيا، حيث استوعبت سلطات مدريد، خلال الأيام الأولى للانتقال الديموقراطي، بعد وفاة الجنرال فرانكو، أن الإعلام الجماهيري، يجب أن يكون سلاحاً فاعلاً ضد كل الأميات. ففي القناة الرابعة، على سبيل المثال، برنامج لتعليم اللغة الأمازيغية، وآخر لتعلم اللغة الإنكليزية، بينما العربية، كلغة ينص الدستور على أنها لسان الوطن الرسمي، لا تجد لها موطئ قدم، في قناة يدافع عنها القائمون عليها، بكونها"منارة تلفزيونية لنشر المعرفة والتربية". أما"الرياضية"، والتي تراهن على مخاطبة جمهور عريض من الشباب، الذين يشكلون أوسع شريحة مجتمعية مغربية، فستعمد الى استخدام الدارجة للمخاطبة، خصوصاً خلال التعليق المباشر على مباريات كرة القدم. هجرة... لغوية واضح أن هذا سيرسخ منطق هجرة المشاهد أكثر وأكثر، صوب فضائيات عربية، تلبي حاجات بدت تبرز لغوية في الدرجة الأولى. فمباريات كأس العالم الأخيرة في المانيا، دورة 2006، والتي نقلتها شبكة"راديو وتلفزيون العرب"حصرياً في العالم العربي، كان الحديث عنها مقروناً بجمالية أسلوب المعلقين، وخصوصاً، المعلق التونسي الشوالي. ويتكرر السيناريو مع"الجزيرة"الرياضية، عبر تغطية الدوري الإسباني،"لاليغا"، على لسان من يصفه المغاربة،"المعلق الظاهرة"، يوسف سيف، لتكون اللغة رافعاً لقيمة القناة، وجاذباً لجمهور عريض، تتوحد فيه الأذواق بين من جلس الى صفوف الدرس، ومن حرمته الأقدار من التعلم، الا أنه اعتاد العربية حتى في الأعمال الدرامية الرمضانية. ولكن هل الأمور بريئة الى الحد الذي يتصوره البعض؟ أبداً اذ هناك من يعزو هذا النهج الى اللوبي الفرنكوفوني في المغرب، الذي يحرص على التضييق على اللغة العربية في الإعلام المرئي، لكسب سوق الإشهار، الذي يبث غالبه، بلغة موليير، وهو توجه منبعه رفض العربية، والتصدي لها عنوة، في ظل غياب أي ضبط قانوني للغات البث في القنوات التلفزيونية المغربية، أما تسيير هذه القنوات المغربية فهو يتم بالفرنسية، خصوصاً في المراسلات المكتوبة،"وكأن العربية لا تصلح لترقن على الحاسوب"، كما يعلق أحد الصحافيين. وكدليل على سياسة الكيل بمكيالين، نرى برمجة مواد وفقرات باللغة الفرنسية، أو انتاج برنامج حواري أو سياسي أو اجتماعي بلغة باريس، في تناس تام لكون الغالبية العظمى من المغاربة، لا تتحدث الفرنسية بطلاقة، على رغم فرضها في التعليم العمومي من المستوى الثالث أساسي، ليخاطب التلفزيون الممول من موازنة الدولة، ومن جيوب المواطنين، شريحة صغيرة جداً، في سلوك لا يخضع لأي ضابط مهني أو أخلاقي في عالم اسمه التلفزيون، أو كأن هذه الجوقة من محامي الفرنكوفونية، يتناسى أن هذا التلفزيون هو ملك لپ30 مليون مغربي، يلهجون بعربية، كل بحسب طاقته، ويحرصون كل مساء على متابعة نشرات إخبارية، على إحدى الفضائيات العربية، ربما هرباً من تلفزيونهم، الذي لم يعد يعترف بوجودهم على خريطة بلد اسمه المغرب.