اعلنت الناشطة المثابرة جوليا ويكام في 15 آب اغسطس ان مجلس حزب العمال للشرق الأوسط سيوقف نشاطاته في نهاية شهر ايلول سبتمبر لأسباب مالية. هذا المجلس يضم عددا من النواب البريطانيين من حزب العمال الحاكم المناصرين لحق الشعب الفلسطيني في الاستقلال وتكوين دولة مستقلة كسائر شعوب الأرض وهو اكثر المجالس فاعلية بالنظر إلى ان هناك قسما كبيرا من حزب العمال والنقابات البريطانية يؤيد وبإخلاص قضية الشعب الفلسطيني ولا يقبل بالسياسة البريطانية وخاصة في ظل حكومة توني بلير الممالئة لإسرائيل والولايات المتحدة الأميركية. ويوجد في البرلمان البريطاني مجلسان آخران يتبعان حزب المحافظين وحزب الديموقراطيين الأحرار، وكل مجلس يعمل مستقلا عن الآخر. وتهدف المجالس الثلاثة إلى إبراز تمايزها إيجابيا عن سياسة احزابها تجاه القضايا العربية، وطرح اسئلة في البرلمان تسلط الضوء على القضايا العربية او تطلب من الحكومة إيضاحات عن مواقفها تجاه السياسة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينيةالمحتله كالجدار العنصري او استمرار الاستيطان او بيع اسلحة او ذخيرة بريطانية لإسرائيل استخدمت في قمع الانتفاضة. ولإسرائيل تنظيمات مماثلة لكن تحت اسم قوي ومعبر هو"اصدقاء إسرائيل"، وهنا يبدو ان اصدقاء العرب يخشون التعبير عن صداقتهم. مجالس اصدقاء إسرائيل اكثر نشاطا وفاعلية من تلك التي"ورطت"نفسها بقضايانا وصعب عليها بعد ذلك التراجع. لأسباب تاريخية ومالية وتنظيمية تعتبر مجالس اصدقاء إسرائيل اكثر فاعلية لأنها تستمد قوتها من قوة الجالية اليهودية المنظمة التي تدعمها بسخاء منقطع النظير، إضافة إلى انها تعمل بشكل منظم وتنسق نشاطاتها مع شبكة واسعة ومتنوعة من المنظمات اليهودية التي تساند إسرائيل ومع السفارة الإسرائيلية في لندن وتقيم علاقات قوية مع ابرز الشخصيات الحكومية وغير الحكومية وترتب لهم زيارات لإسرائيل. فقد دعت اسرائيل توني بلير لزيارتها عندما كان لا يزال عضوا في حكومة الظل سنة 1993 وهو موعد اصبح يؤرخ لبداية"غرام"بلير بالدولة العبرية. أثناء المؤتمر السنوي لحزب العمال يتمكن السفراء العرب بالتنسيق مع مجلس العمال للشرق الأوسط من لقاء رئيس وزراء بريطانيا الذي يرى في مؤتمر الحزب فرصة لتجديد التزامه وتأييده لقضايا لا يؤيدها حزبه مثل حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وان تسفر محادثات السلام مع الفلسطينيين عن قبول ما يسميه"إسرائيل آمنة"أي عدم عودتها إلى حدود عام 1967 الى جانب تأييد العدوان على العراق. ويتم اللقاء الهام مع السفراء العرب في اليوم الرئيسي للمؤتمر الذي يلقي فيه بلير بصفته زعيم الحزب وليس رئيس الحكومة خطابه الذي يعد واحدا من اهم خطبه السنوية ويختلف عن اي خطاب آخر لأنه يحاول استرضاء التيار الحزبي المؤيد للفلسطينيين بعبارات فضفاضة لا تتحول بالضرورة إلى سياسات حكومية. ويستمع بلير وهو مكره الى الخطب التي تدين سياسات إسرائيل وانتهاكاتها لحقوق الإنسان من قبل رفاقه في الحزب من دون أن تهتز له شعرة واحدة. وبغض النظر عن محبة بلير لإسرائيل فإن هذا العشاء مع السفراء العرب الذي يعتبر عشاء عمل واستمر من دون انقطاع منذ خمسة عشر عاما، وكان بمبادرة من سلفي في رئاسة بعثة الجامعة العربية في لندن غيث ارمنازي، وبمؤازرة من مجلس السفراء العرب هو المناسبة الوحيدة التي تتيح للسفراء العرب التحدث مع رئيس الوزراء لفترة قد تزيد على الساعة ومع زوجته شيري بلير التي عبرت اكثر من مرة عن إعجابها بما يقدم من طعام لبناني شهي وتشجعت مرة واحدة في مناسبة أخرى في إيجاد مبرر للانتفاضة الفلسطينية، وفي هذه المناسبة يقوم عميد السفراء العرب بعرض جوهر الصراع العربي - الإسرائيلي وأن العرب طلاب سلام لا حرب وان الخلاف الوحيد بين العرب والغرب هو حول التأييد الغربي لإسرائيل وان مصالح الغرب هي مع العرب، ولكن لا حياة لمن تنادي. والمجالس الثلاثة مستقلة عن احزابها وتقوم بنشاطات قد تختلف مع سياسة الحزب كقضية عودة اللاجئين الفلسطينيين التي نظمت المجالس الثلاثة رحلات عدة إلى المنطقة لمعرفة موقفهم من حق العودة، وبعد التقصي واللقاءات العديدة في المخيمات وخارجها اصدرت كتابا هاما وانتجت فيلما وفي كليهما لم يقل فلسطيني واحد انه يريد بديلا عن وطنه فلسطين أو يقبل بالتوطين. مجلس العمال للشرق الأوسط الذي نحن بصدد تسليط الضوء على مصيره كان يرأسه لسنوات طويلة النائب الأسكتلندي إيرني روس الذي انسحب عام 2005 من الحياة السياسية بعد خمسة وعشرين عاما في البرلمان والعمل لصالح القضايا العربية مدينة داندي الأسكتلندية هي اول مدينة بريطانية يرفع فيها علم فلسطين عام 1982، تعاونه السيدة جوليا ويكام من مقاطعة ويلز التي اعلنت الخبر الحزين عن اغلاق المجلس ابوابه لصعوبات مالية. وسيتساءل البعض أين العرب وأين مجلس السفراء العرب؟ والجواب ان المجلس كهيئة رسمية غير مسموح له قانونا ان يساعد منظمة برلمانية بعد صدور قرار من البرلمان قبل سنوات عدة يحرم على الأحزاب ان تأخذ مالا من جهات اجنبية. لذلك فإن الأمل معقود على الجالية العربية قبل ان يحذو المجلسان الآخران حذو المجلس العمالي لنفس السبب. إن وجود هذه المجالس يحدث بعض التوازن في البرلمان البريطاني الذي يوجد فيه الكثير من النواب المؤيدين لإسرائيل وتتمثل فيه الجالية اليهودية تمثيلا غير طبيعي وغير متناسب مع عدد افرادها حيث يوجد في البرلمان الحالي عشرون نائبا يهوديا قد لا ينتخب بعضهم ليهوديته مثل جيرالد كوفمان الذي يعد من أشد المعارضين لسياسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة داخل البرلمان وخارجه والذي قطع على نفسه عهدا بأن لا يزور إسرائيل مجددا بعد ما شاهده من فظاعات ووحشية إسرائيلية أثناء الانتفاضة. هذا التمثيل الكثيف للجالية اليهودية 300 الف نسمة في بلد يزيد سكانه على الستين مليونا يعادل اكثر من ثلث نواب حزب الديموقراطيين الأحرار الذين يحصلون على ما بين 20 إلى 25 في المئة من الأصوات. الآن سنفقد المجالس الثلاثة واحدا تلو الآخر إلا إذا استشعرت الجالية العربية دورها، ليس فقط من باب واجب حشد التأييد للقضايا العربية وإنما لحماية وجودها ومصالحها، لأنه قد يصعب في المستقبل تكرار التجربة بإنشاء مجالس جديدة عندما يدرك الآخرون ان السبب هو الموارد برغم وجود جالية عربية كبيرة وغنية. تقديم الدعم لهذه المجالس لا غبار سياسيا حوله فهو مسموح به وتقديمه تعبير بسيط عن الوجود. إننا بحاجة إلى المجالس الثلاثة وان تكون قوية وفاعلة تعوض الضعف السياسي والإعلامي العربي في بريطانيا. من جديد الأزمة المالية التي اطاحت بمجلس حزب العمال وستطيح بشقيقيه قريبا جدا ستثير الغبطة في اوساط اللوبي الإسرائيلي البريطاني وتثير في نفس الوقت الشفقة والرثاء لعجزنا عن مساعدة انفسنا. إن جماعات المصالح لا تشتغل بالسياسة وحدها وانما تهتم بالتعليم والاندماج والمشاركة السياسية وتطالب بالمساواة وعدم التمييز والتمثيل النيابي المناسب والدفاع عن مصالح وقيم ومقدسات افرادها. فالجالية العربية لا تزال غير منظورة سياسيا وعلى هامش الحياة الحزبية والسياسية وليس لها حتى نائب واحد في البرلمان رغم ان عدد افرادها يزيد على النصف مليون شخص من اصول عربية. إن الجالية العربية هي الأكثر احتياجا من غيرها لمن يدافع عن قضاياها ويعبر عن تطلعاتها ويزيل سوء الفهم والتشويه لمعتقداتها وقيمها وقضاياها المحلية مادامت ترفض النهوض لممارسة دورها السياسي والاجتماعي الطبيعي كأي جالية أخرى. ولا شك ان للمجتمع البريطاني مصلحة في إنهاء انزوائها وعزوفها السياسي. ولربما يكون من المفيد هنا التذكير بأن مجلس تعزيز التفاهم العربي - البريطاني المعروف بإسم"كابو"عانى ويعاني من نفس المشكلة المالية والخوف الكبير أن يواجه نفس المصير."كابو"هو المنظمة الوحيدة في بريطانيا واوروبا الغربية التي توضح وتدحض وتدافع عن القضايا العربية ابتداء من المدرسة وحتى الإعلام ."كابو"بيت خبرة شاملة عن المنطقة وتعزيز وجوده ضرورة عربية وبريطانية فلا تدعوه يا عرب لندن يسقط من بين ايديكم وانتم قادرون. * كاتب يمني - رئيس سابق لبعثة جامعة الدول العربية في بريطانيا