رحل درور زيغرمان، سفير اسرائيل في لندن منذ 1998، وحل مكانه زفي شتوبر. وكان هناك، على نحو غير مألوف، خلاف حول اداء السفير السابق. والاهم من ذلك، ان الفترة التي امضاها في لندن تزامنت مع تعزيز مدهش لصلات بريطانيا مع اسرائيل. وتقع السفارة الاسرائيلية في 2 بالاس غاردنز في ضاحية كنسينغتون، وهي لا تبعد كثيراً عن السفارة العراقية السابقة. ولحقت اضرار بالمبنى اثر انفجار سيارة مفخخة قبل بضع سنوات ولم يُتهم أحد بعد بتدبير تلك العملية. وتضم السفارة سبعة عشر ديبلوماسياً، وهو عدد اقل مما يوجد في سفارات عربية عدة. ولا يعمل أي من هؤلاء الديبلوماسيين، على الاقل نظرياً، لمصلحة "موساد" الذي لا يُسمح له رسمياً بأن ينشط في بريطانيا. وتحسن السفارة الاسرائيلية بشكل خاص التعامل مع الاخبار وتوجيهها، أي تحديد التقارير المحابية لاسرائيل التي ستشق طريقها الى وسائل الاعلام البريطانية، وكيف يتم ذلك ومتى. كما انها تحسن التعرف على اعضاء البرلمان ثم التعاون معهم على نحو وثيق. عندما ورد اسمي، كأحد اعضاء البرلمان، في لائحة الشخصيات البريطانية التي جري تكريمها قبل بضع سنوات، كان السفير الاسرائيلي اول سفير يكتب الي مهنئاً. كان السفير زيغرمان شخصاً جلفاً. وقد ولد في 1948 وتلقى تعليمه في الجامعة العبرية في القدس، وحصل لاحقاً على شهادة الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة جورج واشنطن. وخدم في الكنيست بين عامي 1981 و 1984 كعضو في حزب ليكود، وكان عضواً في لجنتي الشؤون الخارجية والامن. ومعروف انه حليف سياسي قوي لوزير الخارجية السابق ديفيد ليفي، وعاد الى اسرائيل للمشاركة في الحملة الانتخابية لزعيم ليكود الجنرال ارييل شارون استعداداً للانتخابات في 6 شباط فبراير. وجاء في تقرير لصحيفة "جويش كرونيكل" ان "اسلوب السفير زيغرمان المتشدد وتردده في استمالة النشطاء اليهود ادى الى شكاوى خلف الستار من وجهاء في الجالية". لكن زيغرمان لم يبد أي تراجع. وقال ان "من السهل ان تكون سفيراً اسرائيلياً وتقصر مهماتك على الجالية اليهودية ... وللأسف، كان لدينا سفراء يشعرون بأن هذا ينبغي ان يكون في مقدم اولوياتهم. كان هناك بعض السفراء الذين صرفوا وقتاً مع الجالية اليهودية اكثر مما صرفوه مع الحكومة البريطانية". انها مشكلة معروفة تماماً بالنسبة الى كثرة من السفراء والمفوضين الساميين في لندن وسفراء بريطانيا في الخارج. فجاليتك يمكن ان تفرط في مطالبها، خصوصاً اذا كانت كبيرة، ويمكن لأمسياتك وعطلات نهاية الاسبوع ان تُحجز كلها مقدماً لتلبية دعوات الى حفلات زواج وحفلات استقبال وغيرها من المناسبات الاجتماعية. وكالعادة، لا بد من تحقيق توازن. واعتقد ان اسلوب السفير ريغرمان الذي تعوزه اللباقة فاقم المشكلة. واجه زيغرمان وقتاً صعباً عندما كان نتانياهو رئيساً للوزراء. وفي احدى المناسبات كان يرافق وزير الخارجية البريطاني روبن كوك وسفير بريطانيا لدى اسرائيل لحضور حفلة عشاء مع رئىس الوزراء. وجاء ذلك في اعقاب لقاء كوك مع مسؤولين فلسطينيين في هار حوما. "دق جرس الهاتف وكان المتحدث هو رئىس الوزراء. قال انه نظراً الى ما جرى في هار حوما، فانه قرر ان يلغي حفلة العشاء وانه ينبغي لي ان اُبلغ السيد كوك". لا جدال في ان موقف بريطانيا تجاه اسرائيل تغير بشكل كبير عندما اصبح إيهود باراك رئىساً للوزراء. وكان طوني بلير مؤيداً قوياً لاسرائيل - ينظر اليها بوصفها "ارض الميعاد" - منذ بدايات دخوله معترك الحياة السياسية، وكان يثق كلياً بنوايا باراك الحسنة بقدر ما يتعلق الامر بالعملية السلمية. وحسب زيغرمان، "لم يكن هناك أدنى شك" بأن بلير "تجاهل" احياناً السياسة التي تتبناها وزارة الخارجية البريطانية بشأن اسرائيل. "فالمسؤولون يدركون ان ليس في استطاعتهم ان يفعلوا كل ما يريدونه، بسبب موقف بلير". وابلغ زيغرمان صحيفة "جويش كرونيكل" بانه كلما اصدرت وزارة الخارجية البريطانية بياناً يتعلق باسرائيل، كانت السفارة في لندن تتلقى إشعاراً مسبقاً. يتساءل المرء، على سبيل المثال، ما اذا كانت السفارة المصرية تجد نفسها في وضع مؤاتٍ مماثل. واعتبر ان موقف بريطانيا هو الاكثر ايجابية بين بلدان الاتحاد الاوروبي تجاه اسرائيل، لكنه قال بأن المملكة المتحدة تملك مصالح كبيرة في الشرق الاوسط "خصوصاً مع البلدان العربية"! يكاد المرء يصعق لمدى غطرسة اسرائيل. اخذ السفير الجديد زفي شتوبر موقعه الآن. وقد شغل سابقاً منصب رئىس التخطيط الاستراتيجي في الجيش الاسرائيلي وكان احد مستشاري باراك للسياسة الخارجية. ولعب دوراً بارزاً في المحادثات مع الفلسطينيين والسوريين على السواء. وهو يقول بشكل معقول: "انوي تعزيز شراكتي مع الجالية. سيكون بابي مفتوحاً دائماً". يبدو محتماً انه في حال فوز الجنرال ارييل شارون في الانتخابات، كما يتوقع على نطاق واسع في اسرائيل، ستصاب الصلات الحميمة مع اسرائيل بفتور وسيواجه السفير شتوبر ظرفاً صعباً. اذ ستنهار الصلة بين حزب العمال البريطاني وكتلة "اسرائيل واحدة" وسيتعين بناء علاقة عمل جديدة. في غضون ذلك، يرى كثيرون في اسرائيل بان العام 2001 سيشهد ايضاً اجراء انتخابات للكنيست. ان الازمة السياسية والديبلوماسية في اسرائيل عميقة جداً. * سياسي بريطاني، مدير "مجلس تحسين التفاهم العربي - البريطاني" كابو.