نخيل حصان أزرق يحب الحركة والتجوال، فهو لا يهدأ في مكان واحد وكلما طال مكوثه داخل الاسطبل تراوده احلام الهيام في البراري والصحارى ويتحرّق شوقاً الى الخبب الحر والآفاق المفتوحة. وذات يوم، وبعد فترة طالت بلا حركة، قرر اصحابه مع رفاق لهم القيام برحلة طويلة الى قلب الصحراء. لكن لكثرة حماسته لم ينتظر نخيل ان يوضع السرج على ظهره كبقية الخيول المستعدة للنزهة، فما ان رأى باب الاسطبل مفتوحاً حتى انطلق بأقصى سرعته قافزاً فوق الأسيجة والحياض كأنما له اجنحة لا يراها احد. ولم يكن في الامكان اللحاق به، فتركوه آملين بأن تهدأ ثورته ويعود متعباً، جائعاً الى الاسطبل. اما نخيل فاستمر في ركضه على غير هدى، يصعد الكثبان بسرعة الريح التي كانت تلفح غرّته الفضية وتجعله يصدق اكثر فأكثر انه طير وليس حصاناً، وكان يهبط الوهاد"كجلمود صخر حطه السيل من عل"كما يقول الشاعر. آه، ما اجمل هذا اليوم، السماء زرقاء والشمس تتوهج مثل جوهرة عظيمة وأنا حر، حر وأمامي صحراء بلا حدود، قال نخيل في نفسه فرحاً. لكن فرحه بدأ يخبو حين اكتسى جسمه بالعرق الراغي وشعر بجفاف حارق في حلقه من شدة العطش. والعطش في الصحراء لا يحتمله سوى الجمل، المعروف ايضاً بأنه سفينة الصحراء، اما الحصان الذي يستنفد كل قوته في ساعات مجنونة من الركض تحت الشمس الحارقة فلا قدرة له على فقدان كمية كبيرة من السوائل. احتار نخيل في أمره. هل يعود ادراجه الى الاسطبل؟ وكيف يعود وهو لا يرى سوى آفاق من الرمل؟ كان نخيل يلهث ويتصبب عرقاً ويدب في انحائه وهن يكاد ان يشله حين رأى من بعيد شيئاً يلتمع في اشعة الشمس، إه، ماذا ارى؟ هل هذا سراب سبّبه عطشي أم حقيقة؟ وتقدم نخيل بحذر ورجاء كبيرين الى ان وصل الى بحيرة صافية وسط واحة ظليلة، وما زال غير مصدق حظه حتى انطلق ودخل في الماء البارد العذب وطفق يشرب ويستحم ويسبح ويغني، ثم شرب وشرب وشرب حتى خيّل اليه انه غب كل مياه البحيرة. وخرج نخيل من الماء منتعشاً، مطفأ الظمأ، مستعداً لمزيد من الركض، واذ كان ينتفض ويرش الرمل برذاذه اصابته نوبة ضحك عجيبة، ذلك انه شعر بشيء يدغدغه في خاصرتيه. قهقه نخيل من شدة الدغدغة وراح يرفس ويقفز ويتمرّغ ضاحكاً حتى جف جسمه وعاوده التعب والتعرق، فعاد الى البحيرة يتبرد والدغدغة مستمرة بلا هوادة. المؤسف في هذه القصة المضحكة ان نخيل لن يعرف ابداً انه ابتلع سمكة، وانها ستعيش في داخله وتدغدغه وتضحكه حتى البكاء، مجبرة اياه على العودة الى البحيرة عطشاناً، منهكاً، ليشرب كي تسبح هي في أمان. ولن يعرف ايضاً انه بات الحصان الضاحك الوحيد على وجه الارض، لأن احداً لم يأت لزيارته، ولا هو استطاع الابتعاد عن تلك البحيرة.