الحكاية الأولى من العراق. موظف في مصلحة الكهرباء في بغداد، عاطل عن العمل منذ فترة، يشعر بالضيق في هذه الموجة من الحر الشديد، فينزل الى دجلة ليبترد. يسبح قليلاً ثم يقرر أن يغوص لحظة فتشاء الصدف ان يعثر على صندوق حديد في قعر النهر. الصندوق مزنر بسلسلة حديد، والسلسلة عليها قفل ضخم. بعد صراع مع التيار ينجح الرجل في سحب الصندوق الى الضفة. ضوء النهار يتلاشى، والأنوار تشتعل في نوافذ البيوت. مصابيح وقناديل ولوكسات وشموع. الرجل يحمل الصندوق الى بيته. طوال ثلاث ساعات يجرب ان يخلع القفل. الصندوق ثقيل. وفي هذه الساعات الثلاث يتخيل الرجل صوراً كثيرة. يتخيل عظاماً. يتخيل وثائق. يتخيل ذهباً. يتخيل دنانير. يتخيل كتباً. يتخيل تراباً. يتخيل أسلحة. يتخيل أواني مطبخ. ويتخيل خردة. يدفع الصندوق الى هذه الجهة وتلك. يحاول أن يسمع شيئاً يهتز فيه. لا يسمع شيئاً. ويتابع الطرطقة بالحديد على الحديد، بينما العرق يتصبب منه. عطشان وجوعان وتعبان لكنه لن يلمس خبزاً ولن يجلس لحظة قبل أن يخلع هذا القفل ويفتح هذا الصندوق. هذه مهمته. أن يفتح الصندوق. * الحكاية الثانية من "عبدالوهاب الانكليزي" بيروت. هذه حكاية يخبرها خيّاطٌ كان يعرف الرئيس اللبناني الأول بشارة الخوري. الخيّاط يقف أمام نافذة تطلّ على الجامعة اليسوعية ويقول انه تعلم شرب الشاي مع سكرٍ كثيرٍ خلال الحرب العالمية الثانية. يقول ان الجنود الهنود في الجيش البريطاني كانوا يتحلقون حول قوالب السكر الأميركاني عند وصولها الى الثكنة القريبة من ساحة الدباس، ويرقصون. يشربون الشاي حلواً كالقطر ويرقصون. ضجيج بيروت يدخل الآن عبر زجاج النافذة فيمتزج بهدير المكيف المكتوم. والبخار يتصاعد من كوبي الشاي على طاولة الخياطة. * الحكاية الثالثة من الصين. امرأة تنام في شانغهاي مبللة بالعرق وتستيقظ بعد ساعة بألمٍ في كتفيها. في الظلام تنظر الى المروحة العالية. المروحة تدور بصوتها المنتظم، والهواء يهبط من أعلى فاتراً. تنهض المرأة الى الثلاجة وتخرج تنكة من الشاي البارد. بينما تجرع جرعة أولى تتذكر المنام الذي أيقظها للتو. رأت في المنام انها تحمل هذا البراد الأبيض الكبير وتمشي حافية من شانغهاي الى بكين. * الحكاية الرابعة من لندن القرن التاسع عشر. ادوارد لير يشرب كوباً من حليب البقر الطازج، ويرسم رجلا بساقين طويلتين يمضي في سياحة عبر جزر الأرخبيل اليوناني: بخطوة واحدة يقطع المسافة من كريت الى أثينا. ادوارد لير ينهي الرسم ثم ينظر الى فراشة صفراء تلهو بين الأغصان فوق رأسه. عالياً عالياً تظهر السماء الزرقاء. * السماء الزرقاء ذاتها تمتد فوق رؤوس الأبطال السبعة لحكايتنا الخامسة. هذه الحكاية مسرحها قطعة من الصحراء. صحراء الجزيرة العربية، أو لعلها صحراء الحمادة الحمراء في شمال أفريقيا. الصحراء صحراء. الكثبان الصفراء تتكرر الى ما لا نهاية. في هذا المشهد نرى سبعة رجال تائهين بلا زاد وبلا ماء. يتقدمون في خط متعرج تحت أشعة الشمس الحارقة نحو واحة تظهر في البعيد البعيد. من هنا يرون نخلة، وتحت النخلة يتموج الماء... أو السراب. * الحكاية السادسة منام. رجل يغفو بعد طعام الغداء في نهار أحدٍ طويلٍ وحارٍ ومملٍ، يغفو دقيقتين فقط قاعداً أمام التلفزيون المطفأ فيرى في المنام أنه ميت. حين يفتح عينيه ويرى التلفزيون المطفأ والمشهد المألوف خارج نافذة الأحد الساكنة لا يعرف هل هو على قيد الحياة حقاً أم... * الحكاية السابعة عمود يجمع كل هذه الحكايات المتطابقة. موظف الكهرباء العراقي العاطل عن العمل منذ شهور يتصبب عرقاً وينجح أخيراً في خلع القفل. لكنه قبل أن يفتح الصندوق الحديد يتذكر حادثة من طفولته. في ذلك الزمن البعيد عثر على صندوق خشب في مقبرة. ذلك الصندوق الخشب كان مقفلاً أيضاً، وحين فتحه وجده فارغاً. هل يكون هذا الصندوق الحديد فارغاً أيضاًَ؟