دخلت ايران مرحلة جديدة من تعديل المواقف من الولاياتالمتحدة، ولو في شكل غير مباشر، وذلك عبر حديثها عن مفاوضات مع الدول الست اميركا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وروسيا والصين التي قدمت عرض الحوافز الغربي لإقناع طهران بوقف تخصيب اليورانيوم. جاء ذلك بعد الموقف المثير للجدل الذي أطلقه الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد خلال تدشينه مصنع الماء الثقيل في اراك السبت الماضي، عندما اكد الطابع السلمي للبرنامج النووي الإيراني الذي"لا يشكل تهديداً لأحد، حتى الكيان الإسرائيلي". وتزامن الحديث عن مفاوضات، مع انتقاد الناطق باسم الحكومة الإيرانية غلام حسين الهام التهديد الذي أطلقه المندوب الأميركي لدى الأممالمتحدة جون بولتون، بتشكيل تحالف مستقل لفرض عقوبات عليها، اذا لم يتخذ مجلس الأمن إجراءات لردع برنامج طهران النووي. واعتبر الهام تهديد بولتون"إهانة"لدور المجلس. في المقابل، قال سكرتير مجلس الأمن القومي الإيراني كبير المفاوضين في الملف النووي علي لاريجاني ان بلاده"تؤكد دوماً وعند الضرورة، استعدادها التام والكامل لإجراء مفاوضات بناءة وعادلة في شأن كل الأمور ذات الاهتمام المشترك، بينها الموضوع النووي، على مستوى وزراء خارجية الدول الست وفي أي زمان ومكان". وأضاف لاريجاني ان ايران أبدت استعدادها للتفاوض مع تلك الدول منذ اللحظة الأولى التي سلمت فيها الرد على رزمة الاقتراحات الغربية، الواردة في عرض الحوافز الى ممثلي الدول المعنية. وفي حال الموافقة على هذا الاقتراح الإيراني، ستكون هذه المرة الثانية التي تحصل مفاوضات مباشرة بين طهران وواشنطن، بعد اللقاء الشهير في العاصمة الجزائرية على هامش مؤتمر دول عدم الانحياز العام 1979 بين وزير الخارجية آنذاك ابراهيم يزدي ومستشار الأمن القومي الأميركي زبغنيو بريجنسكي، بهدف حل أزمة الرهائن في السفارة الاميركية في طهران . وجاء موقف لاريجاني في وقت بدأت الديبلوماسية الإيرانية تحركاً واسعاً نحو دول عربية وآسيوية، لشرح رد طهران على الاقتراحات الأوروبية ومستقبل الملف النووي. وبعدما التقى نائب وزير الخارجية الإيراني مهدي مصطفوي، وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل في جدة، وصل الى إسلام آباد مساعد وزير الخارجية الإيراني لشؤون آسيا واستراليا ودول عدم الانحياز مهدي صفري. في الوقت ذاته أ ف ب، أجرى جورج شولته المندوب الأميركي لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية محادثات في القاهرة، في إطار المساعي الاميركية لتنسيق المواقف في شأن الرد على برنامج ايران النووي الذي يتقدم في شكل متسارع. وقال شولته عقب لقائه وزير الخارجية المصري احمد أبو الغيط ان"العمل مع مصر مهم لنجاحنا، وبلدانا يتقاسمان المخاوف الجدية نفسها من التطلعات النووية لإيران". ويأتي التحرك الإيراني مع اقتراب نهاية مهلة حددها مجلس الأمن لإيران لوقف تخصيب اليورانيوم، في ظل تهديد بعقوبات اقتصادية وسياسية متدرجة ضدها في حال رفضها الاستجابة. وكان ذلك محور محادثات أجراها مساعد وزير الخارجية الإيراني محمد رضا باقري مع المسؤولين في سورية ومصر، لوضعهم في أجواء الرد الإيراني على الاقتراحات الأوروبية. في غضون ذلك، نشرت طهران امس، نص رسالة بعث بها نجاد الى المستشارة الألمانية انجيلا مركل في تموز يوليو الماضي، ورأى فيها ان"المحرقة"اليهودية استخدمت"ذريعة"لإحراج ألمانيا. ومما قاله نجاد:"لا اريد الخوض في قضية الهولوكوست"، بعدما أعلن مرات ان"محرقة اليهود خرافة"اختلقها الغربيون لتبرير قيام دولة إسرائيل. وكتب الرئيس الإيراني في رسالته:"ليس منطقياً ان يجد بعض الدول التي حققت انتصاراً في الحرب العالمية الثانية ذريعة لإبقاء شعب الألمان في حال إحراج دائم، ولإضعاف أي مبادرة او تحرك يقوم به ولمنع تطوره وتقدمه". وزاد:"بالإضافة الى الشعب الألماني، تعاني شعوب الشرق الأوسط والبشرية بكاملها استغلال ذكرى المحرقة". وكانت المستشارة الألمانية رفضت الرد على رسالة احمدي نجاد التي تسلمتها في 19 تموز، وأعلنت ان الانتقادات الموجهة لإسرائيل في هذه الرسالة"غير مقبولة على الإطلاق"، مشيرة الى ان احمدي نجاد"يشكك على الدوام"في قيام دولة إسرائيل. الى ذلك، أفادت تقارير في طهران امس، أن إيران تعتزم عقد"مؤتمر الهولوكوست"في كانون الأول ديسمبر المقبل، بعدما أعلنت تأجيله أكثر من مرة. ومن بين المواضيع التي سيناقشها المؤتمر أسباب معاداة السامية في أوروبا والعلاقة بين"الهولوكوست"والصهيونية، اضافة إلى دور الإعلام في الموضوع. وفي لفتة لا تخلو من مغزى، أعرب الناطق باسم الخارجية الإيرانية حميد رضا آصفي عن"أسف"بلاده و"حزنها"لسقوط ضحايا بتحطم طائرة اميركية في كنتاكي أول من امس، وقدم"تعازي الشعب الإيراني الى عائلات الضحايا".