زيارة الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان إلى منطقة الشرق الأوسط الأسبوع المقبل ستكون محفوفة بالمخاطر وذات نتائج عكسية إذا كان في ذهنه مجرد فتح حديث هنا واستنباط رأي هناك، أو إذا كان لا يحمل في جعبته خطط"ألف"و"باء"لتحريك الدول نحو مواقف ضرورية. فهذه المرحلة الدقيقة تستدعي تجنب الانزلاق في مطبات"النوافذ"على حلول، فيما"الأبواب"مشرّعة الى المعالجة الجذرية لقضايا المنطقة. جميع اللاعبين يعرفون ماذا على كل لاعب أن يفعل لتجنب التصعيد ومن أجل الاستقرار. إلا أن اللااستقرار هو البضاعة الأثمن والمرغوب بها، حسبما تفيد المؤشرات. فهو يدّر أموال النفط على طهران، عرّاب محور إيران - سورية -"حزب الله"، وهو ربيب الفوضى التي لطالما وجدها المحور الأميركي - الإسرائيلي ضرورية للساحات العربية لغايات الاخضاع أو التقسيم أو الشرذمة. ويبدو العناد رفيقاً حميماً للااستقرار، إذ لا توجد لدى أي من الأطراف في المحورين أي رغبة بالاستدراك في لبنان، ولا بالتأقلم في العراق، ولا بايجاد حل صادق للقضية الفلسطينية على رغم كل ذلك الكلام عن الحاجة الى التقدم بأفكار جديدة الى طاولات المفاوضات. كوفي أنان ينوي زيارة لبنان وإسرائيل وفلسطين والسعودية وقطر ومصر وتركيا، والأرجح إيران وسورية. توقيت زيارته بحد ذاته ليس مشجعاً، لا سيما في محطتي طهرانودمشق. فحكومة الجمهورية الإسلامية الإيرانية سلّمت هذا الأسبوع الى الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وإلى المانيا رداً على رزمة الترغيب لها بحوافز ومكافآت مقابل تعليقها تخصيب اليورانيوم، فحواه أنها ترفض العرض وتريد الكلام. أما دمشق، فإنها ترفض قرارات مجلس الأمن التي تطالبها بترسيم الحدود مع لبنان، وترفض نشر القوات الدولية على الحدود اللبنانية - السورية لمنع تسريب الأسلحة الى الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية في لبنان. لذلك، إن توقيت زيارة الأمين العام الى طهران في خضم المواجهة بينها وبين الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، يبدو كأنه لمحاولة انقاذها من الضغوط عبر توفير قناة الحوار كباب خلفي، علماً أن الطرح الإيراني هو بدوره قائم على الكلام تحت عنوان"المفاوضات". كذلك، إن توقيت الزيارة إلى دمشق في أعقاب خطاب الأسد وتصريحاته تبدو وكأنها محاولة لانتشال النظام السوري من العزلتين الاقليمية والدولية بقرار لكوفي أنان بأن من الحكمة اجراء المحادثات والاستماع. إذا كان أنان يذهب الى القيادتين الإيرانية والسورية من دون مطالب محددة ومفصلة وحازمة منهما، فإن زيارته إلى هاتين العاصمتين ستؤدي الى نتائج وعواقب سيئة على المنطقة، وستلحق بسيرته المهنية الأذى العميق، وهو يستعد لمغادرة منصبه. فلا يجوز أن يتوجه الأمين العام للأمم المتحدة الى العاصمتين الإيرانية والسورية لمجرد الاستماع أو للتأكيد على القيادتين بأن نفوذهما في لبنان يجب أن يكون ايجابياً. كوفي أنان، حسب الناطق باسمه، يقوم بالزيارة بهدف التركيز على أهمية تنفيذ القرار 1701. هذا القرار نص على حظر الاسلحة بلغة الأمر، وفي ذهنه كل من إيران وسورية اللتين تمدّان"حزب الله"بالسلاح. كما طلب القرار من الأمين العام التقدم ب"اقتراحات"بحلول 12 الشهر المقبل"لتنفيذ الأحكام ذات الصلة من اتفاق الطائف والقرارين 1559 و1680، بما في ذلك نزع السلاح وترسيم الحدود الدولية للبنان، لا سيما في المناطق المتنازع عليها أو غير المؤكدة، بما في ذلك معالجة منطقة مزارع شبعا". سورية وإسرائيل متعنتتان في مسألة شبعا. دمشق أوضحت على أعلى المستويات أنها لن توافق على ترسيم الحدود بما يشمل مزارع شبعا. وإسرائيل أوضحت في أكثر من محفل ومع الوفد الدولي الذي زارها أخيراً، أنها لن تنسحب الآن من مزارع شبعا التي تحتلها، لأن مثل هذا الانسحاب سيشكل"مكافأة"ل"حزب الله"ول"الإرهاب". كوفي أنان يجب أن يكون حازماً مع السوريين ومع الإسرائيليين في هذا الأمر. يجب أن يذهب الى إسرائيل باستراتيجية اقناع للحكومة الإسرائيلية تشرح لها كيف أن"مكافأة""حزب الله"هي ببقاء مزارع شبعا معلقة بلا حل وقابلة للابتزاز السوري والإيراني وليس بالانسحاب منها ووضعها تحت وصاية دولية. وإذا واجه العناد المتوقع له أن يواجهه في محادثاته مع الإسرائيليين في هذا الأمر، يجب أن يبيّن أنان حزمه ويقول لرئيس الوزراء ايهود أولمرت ووزيرة خارجيته تسيبي ليفني إن"الاسرة الدولية"التي اكتشفا فوائدها في أعقاب مغامرتهما البائسة في لبنان لن تتمكن من القيام بالمهمة التي يتمنيانها. بكلام آخر، إن مزارع شبعا يجب أن تكون لإسرائيل"كأس السم"الذي عليها أن تتجرعه، بغض النظر عن تصورها إن كان تسليمها المزارع الى الأممالمتحدة"مكافأة"ل"حزب الله"أو ان كان في الواقع خطوة منطقية في استراتيجية عقلانية يجب عليها احتضانها. الأهم، أن إسرائيل، برفضها فكرة تسليم المزارع الى حماية دولية، تقع في الفخ الذي نصبته لها سورية و"حزب الله"، وتقوّض جذرياً الحكومة اللبنانية التي يرأسها فؤاد السنيورة والتي اوقِعت في مطب مزارع شبعا. فإذا أرادت إسرائيل للحكومة اللبنانية أن تتمكن من ممارسة السيادة في كل انحاء لبنان، وان تنشر الجيش وحده في الجنوب وعلى الحدود منعاً لتدفق الأسلحة الى"حزب الله"وغيره، ليس أمامها سوى سحب البساط من تحت أقدام"حزب الله"وسورية من خلال وضع مزارع شبعا تحت وصاية دولية الى حين ترسيم الحدود اللبنانية - السورية. كوفي أنان يجب أن يتكلم بلغة الحزم مع الحكومة الإسرائيلية في هذه المسألة، وأن يكون واضحاً معها بأن"الأسرة الدولية"ستفشل إذا رفضت إسرائيل التجاوب مع بعض أفكارها. وبالأهمية ذاتها، يجب أن يذهب أنان متأبطاً خطة"باء"في حال استمرار التعنت الإسرائيلي، وفي حال استمرار الاستعدادات لحرب تتوعد بها إسرائيل لبنان ككل كي تطال"حزب الله". عند زيارته لبنان، من المفيد للأمين العام أن يبيّن للحكومة وللبرلمان كيف أن التذاكي في تجنب التعاطي مع سلاح"حزب الله"قد أسفر عن تردد الدول المساهمة بالقوات الدولية، إذ أنها لا تثق ب"اخفاء"اسلحة"حزب الله"كأساس لنهوض سلطة الدولة. فالدول ليست في صدد التضحية بجنودها للعب دور خطير في"مسرحية"اخفاء سلاح الحزب، للتظاهر بأنه لم يعد موجوداً. ومن الضروري لكوفي أنان أن يبيّن في لبنان كيف أن مزارع شبعا التي وضعها هو في الأراضي السورية عندما رسم"الخط الأزرق"ليست بالضرورة لبنانية، على رغم مزاعم سورية، لأن الخرائط المتوافرة وضعتها تكراراً في الأراضي السورية. وعليه، فإن أنان مُطالب بأن يقدم أيضاً الى الحكومة اللبنانية عرض التراجع عن عقدة مزارع شبعا التي اعطيت أهمية أكثر مما تستحق، نتيجة تذرع"حزب الله"بها كمبرر لقيامه هو بالمقاومة من أجل تحريرها، وليس لتكليف الحكومة الشرعية اللبنانية وجيشها بمهمات التحرير لو كانت المزارع حقاً لبنانية. أما عندما يحط كوفي أنان في المحطة السورية، إذا قام حقاً بزيارة دمشق، فإن ما هو مطالب به واضح وجلي وضروري للغاية. على كوفي أنان ألا يعقد مع بشار الأسد جولة أفق شرق أوسطية تسمح للاسد بالبناء على ابقائه لبنان رهينة من أجل استعادته الجولان. على أنان أن يتأبط قرارات الأممالمتحدة التي تطالب سورية باجراءات وعلى رأسها 1701 و1559 و1680 وكلها تتعاطى في أجزاء منها مع الدور السوري في لبنان. كوفي أنان يجب أن يكون في منتهى الحزم مع سورية في مسألة شبعا وفي مسألة ترسيم الحدود مع لبنان. عليه أن يطالبها بالكف عن المراوغة، وأن يطالبها بكل الوثائق والخرائط التي حجبتها حتى الآن والتي من شأنها أن تثبت مزاعم سورية بأن هذه الأراضي لبنانية حقاً. عليه أن يتحدى توعّد الرئيس السوري باغلاق الحدود مع لبنان إذا انتشرت القوات الدولية على الحدود. عليه أن يوضح له أن القرار 1701 يُلزم سورية بعدم السماح بعبور الأسلحة عبر حدودها مع لبنان. كوفي أنان يعرف تماماً أن إحدى الركائز الرئيسية في السياسة السورية هو منع قيام محكمة دولية أو محكمة ذات طابع دولي لمحاكمة المتورطين في الاغتيالات في لبنان، وعلى رأسها اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري. يعرف أن دمشق تريد اسقاط الحكومة اللبنانية برئاسة فؤاد السنيورة بأية صورة وبأي ثمن كان، لأن اسقاط الحكومة، في رأيها، هو اسقاط للمحكمة. وهي تنطلق في ذلك من احتياج المحكمة الى اجماع الحكومة اللبنانية عليها إذا بقيت محكمة ذات طابع دولي. ما يجب على كوفي أنان أن يُفهمه لدمشق هو أن لدى الأممالمتحدة خطة"باء"في حال اسقاط الحكومة اللبنانية. فالتحقيق في العمل الإرهابي الذي أودى بحياة الحريري يجمع الأدلة لتقديمها أمام المحكمة، ولديها أدلة تم حفظها وصيانتها. وإذا حدث وتم اسقاط الحكومة اللبنانية من أجل اسقاط المحكمة، لن يرضخ مجلس الأمن ولا الأمانة العامة لمثل هذه السياسات الخطيرة، وإنما لديهما خطط طارئة لاجراء المحاكمات قطعاً للطريق أمام الذين يفعلون كل ما في وسعهم للتملص من استحقاقات الجريمة. أول ما يفيد الأمين العام أن يفعله هو تجنب السقوط في دوامة الحكم على السياسة الاميركية نحو الشرق الأوسط، وكأن هذه السياسة نحو العراق هي السياسة نفسها نحو لبنان. وأول خطأ في الحسابات هو الافتراض أن هناك فعلاً"عداء"إيرانياً - إسرائيلياً بسبب القضية الفلسطينية، أو أن دعم طهران ل"حزب الله"هو حقاً من اجل لبنان، أو أن منطقة الشرق الأوسط مؤهلة للتحسن لو تبنت واشنطن وغيرها أسلوب الحوار والاعتراف بكل لاعب مؤثر مثل"حزب الله"في لبنان وبكل من تفرزه العملية الانتخابية مثل"حماس"في فلسطين. حقيقة الأمر أن السياسة الأميركية الفاشلة في حرب العراق ونحو فلسطين، لا تنفي أن السياسة الأميركية نحو لبنان ساعدته في التحرر من التسلط السوري عليه، وفي استعادته السيادة عبر حكومة مُنتخبة، وفي دعم السلطة بقرارات دولية شرعية، وفي حماية الديموقراطية اللبنانية من الانهيار. فلبنان الذي حاول"أشقاؤه"وجيرانه اسقاطه في دوامة الاغتيالات تلقى سنداً مهماً وجذرياً من الولاياتالمتحدة وفرنسا والأسرة الدولية ساعده في تفادي الهبوط الى الحضيض. أحمدي نجاد يتوّج نفسه زعيم إيران الثورية و"شاه"امبريالية فارسية هدفها اخضاع العالم الإسلامي للايديولوجية التي يعتنقها. فإذا غادرت القوات الأميركية العراق، يمكن لأحمدي نجاد رفع راية النصر لأن الساحة العربية ستصبح مباحة بسهولة أكثر في غياب الحماية الاميركية. وإذا بقيت القوات الأميركية في العراق، فإنها تكون العربون المسبق للانتقام إذا وجهت واشنطن ضربات عسكرية لإيران. هذه المعادلات المعقدة يجب ألا تغيب عن ذهن الأمين العام للأمم المتحدة عندما يقوم بزيارة طهران. فهي لن تتعاون في تنفيذ القرار 1701 الذي يذهب أنان من أجله إلى المنطقة، حسبما يقول. فإيران تجد في لبنان مجرد ملحق للاستخدام وللاستغلال في ملفات طموحاتها الاقليمية والدولية والنووية. وهي في غاية الارتياح نتيجة تدفق أموال النفط عليها نتيجة ضرب استقرار لبنان في سياسة مدروسة، ونتيجة لتصعيد متعمد في الملف النووي في استراتيجية شراء الوقت والمماطلة.