وقعت مواجهة أمس بين حكومتي لبنان وسورية في جلسة علنية لمجلس الأمن، إذ اعتبر رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة الذي خاطب المجلس، أن"الاتفاق مع سورية على خط الحدود الذي يفصل مزارع شبعا من مرتفعات الجولان السورية سيكون خطوة مهمة نحو تحقيق الانسحاب الكامل للإسرائيليين من لبنان حتى الحدود المعترف بها دولياً طبقاً للقرار 425"، داعياً الحكومة السورية الى"الرد ايجاباً"على طلب لبنان ترسيم الحدود بين الدولتين، وطالباً من الأممالمتحدة أن تلعب دوراً في ترسيخ الاتفاق بين البلدين، وأن تؤكد ما هي"الخطوات المحددة المطلوبة من الأممالمتحدة من أجل الالتزام بالسيادة اللبنانية على منطقة مزارع شبعا". راجع ص 8 لكن مندوب سورية، القائم بالأعمال ميلاد عطية، رد على السنيورة قائلاً إن"منطقة مزارع شبعا واقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي ولا بد من انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة حتى يتمكن البلدان من ترسيمها، لأنه لا يمكن ترسيم الحدود في شبعا إلا بعد تحريرها من الاحتلال". وأضاف:"ان مسألتي إقامة العلاقات الديبلوماسية وترسيم الحدود بين البلدين الشقيقين مسألتان تقعان في صميم السلطان الداخلي لكل من سورية ولبنان ولا يجوز لمجلس الأمن التدخل فيهما". ووصف السنيورة التقرير الاخير للأمين العام الذي أعده مبعوثه لمراقبة تنفيذ القرار 1559 تيري رود لارسن بأنه"موضوعي ودقيق"، مشدداً على أهمية ما جاء فيه لجهة ترسيم الحدود وإقامة العلاقات الديبلوماسية. ورد مندوب سورية بقوله:"نستغرب محاولة بعض الأطراف اقحام مسألتي التبادل الديبلوماسي وتحديد الحدود بين البلدين الشقيقين في إطار القرار 1559"، مكرراً موقف دمشق بأن"سورية نفذت الأحكام المرتبطة بها في إطار قرار مجلس الأمن 1559 عندما سحبت كل قواتها ومعداتها وجهازها الأمني من لبنان في 26 نيسان ابريل 2005". وقال:"إننا لا نرى في سورية وجود مشكلة حدودية بين البلدين، كما يصورها البعض. ومع ذلك، فقد أعلنت سورية استعدادها لترسيم الحدود مع لبنان وهناك رسالة من السيد رئيس وزراء سورية الى نظيره اللبناني بهذا الشأن"، مستثنياً بكل وضوح منطقة مزارع شبعا من مسألة ترسيم الحدود. كما أن المندوب السوري رفض الدعوة الى التمثيل الديبلوماسي المتبادل مع لبنان، إذ قال:"إن ما بين سورية ولبنان منذ عام 1990 من اتفاقات ومؤسسات قائمة ومهمة يفوق بكثير مسألة تبادل السفارات". ولكن رئيس الوزراء اللبناني نقل الى مجلس الأمن عناصر الاجماع الذي توصل اليه الحوار الوطني والذي تضمن إقامة علاقة ديبلوماسية وترسيم الحدود"بما يشمل منطقة مزارع شبعا"، داعياً سورية الى"الرد ايجاباً"على هذه المطالب ك"مؤشر على أن الحكومة السورية بدأت تقبل الفكرة بأن إقامة علاقات جيدة بين سورية ولبنان مستقل ممكنة". وأبلغ السنيورة الى مجلس الأمن أن"تحرير الأرض اللبنانية التي ما زالت محتلة، مسألة وطنية ذات أولوية، بالنسبة الينا ويجب على إسرائيل الانسحاب منها، وعليها إعادة الأسرى اللبنانيين في سجونها، وتقديم خرائط بالألغام التي ما زالت في الجنوب، وأن تتوقف عن انتهاكاتها للسيادة اللبنانية". وقال:"إننا نتطلع الى دور ناشط للأمم المتحدة لمساعدتنا في تحقيق هذه المطالب المحقة وترسيم منطقة مزارع شبعا، والتي تستمر إسرائيل في احتلالها، حتى بعد انسحابها من جنوبلبنان عام 2000 والامر مهم في هذا الإطار لأن له وطأة رئيسية على قدرتنا على تحريرها". وأشار السنيورة الى أن حكومة سورية أعلنت"شفوياً"ان منطقة مزارع شبعا جزء من الاراضي اللبنانية. واستشهد بما قاله الرئيس السوري بشار الأسد"بأن الأمر عائد الى الدولتين المتجاورتين المعنيتين لتعريف وضع الارض، حسب القانون الدولي، وفي ما يخص شبعا، ان المسؤولية هي حصراً مسؤولية سورية ولبنان". وقال السنيورة:"بناء على ذلك، وطبقاً للاجماع اللبناني حول هذه المسألة، طلبنا من الحكومة السورية التوجه نحو ترسيم الحدود في تلك المنطقة كي تتمكن الدولتان عندئذ من ايداع الاتفاق على الحدود لدى الأممالمتحدة والتي بدورها ستقوم بالاستنتاجات الملائمة، ونحن في انتظار الرد من سورية. وفي اي حال، اننا سنطلب من الأمين العام ان يؤكد ما هي الخطوات المحددة المطلوبة من الأممالمتحدة من أجل الاعتراف بالسيادة اللبنانية على منطقة مزارع شبعا". وفي سياق عرضه لعناصر الاجماع اللبناني واستمرار الحوار اللبناني، اشار السنيورة الى مسألة رئاسة الجمهورية قائلاً:"ان موقف الأكثرية في البرلمان هو ان التمديد للرئيس اميل لحود عام 2004 لفترة 3 سنوات اضافية جاء نتيجة التدخل والاكراه من سورية، والتي كان لها نفوذ عظيم على البرلمان اللبناني حينذاك". وقال ان الحوار الوطني سيتناول هذه المسألة في 28 الجاري. وعرض السنيورة العناصر المتعلقة ب"حزب الله"والسلاح الفلسطيني خارج المخيمات مشدداً:"المسؤولية الطبيعية لأي دولة ان تكون المصدر الوحيد لأمن جميع مواطنيها وسكانها وحقها باحتكار السلاح وممارسة سلطتها كاملة في جميع انحاء البلاد". وأبلغ السنيورة الى مجلس الأمن"دعمنا القوي لتمديد ولاية السيد سيرج براميرتس كما تتطلب الضرورة"، في اشارة الى رئيس اللجنة الدولية المستقلة للتحقيق في العمل الارهابي الذي أودى بحياة رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري. وانعقد مجلس الأمن في جلسة مغلقة ايضاً للاستماع الى احاطة من السنيورة حضرها الأمين العام كوفي انان، كما عقد انان اجتماعاً ثنائياً مع السنيورة قبل ان يعقد مؤتمراً صحافياً في الأممالمتحدة. وكان متوقعاً ان يجتمع السنيورة أمس مع رود لارسن ومجموعة السفراء العرب لدى الأممالمتحدة وجمعية متخرجي الجامعة الاميركية في بيروت. وكان السنيورة قال للصحافيين المرافقين له في الطائرة من واشنطن الى نيويورك رداً على سؤال عما إذا كان يتوقع ترجمة عملية سريعة لمحادثاته في واشنطن لا سيما حول تحرير مزارع شبعا:"ما على الديك إلا ان يصيح. أما طلوع النهار فعلى الله". وقرر التأكيد انه لقي تفهماً غير مسبوق لما طرحه من قضايا تهم لبنان. وقال انه ينتظر بعد الزيارة بعض التحرك الدولي والعربي في الاتجاه الذي يخدم مصلحة لبنان وانه لاحظ من السفراء العرب الذين التقاهم في واشنطن ان ايجابيات الزيارة بلغتهم قبل لقائه بهم. وأوضح انه يعول أهمية على الرأي العام العربي والرأي العام اللبناني في مساندة مطالبته بحقوق لبنان. وقالت مصادر السنيورة الذي عقد اجتماعاً مطولاً مع رئيس مجلس الأمن القومي السعودي الأمير بندر بن سلطان في مقر اقامته في واشنطن قبل مغادرته الى نيويورك، انه لا يستبعد تكثيف الاتصالات العربية مع سورية في المرحلة المقبلة كي تتجاوب مع لبنان في شأن قضية مزارع شبعا وغيرها. ولمحت المصادر الى ان السنيورة لا يستبعد ان تؤثر تفاعلات الزيارة وما سيتبعها من اتصالات، ايجاباً على جلسة مؤتمر الحوار الوطني المقررة في 28 الشهر الجاري، لكن السنيورة بدا متكتماً حيال النتائج المتوقعة واكتفى بالتأكيد"اننا ذاهبون نحو وضع افضل ولن نتحدث عن النتائج قبل اتضاحها". وقال السنيورة في مؤتمره الصحافي إن أنان ذكر له أنه"سيعمد الى اجراء دراسة وافية"لايضاح المطلوب إذا كانت منطقة مزارع شبعا ستنتقل الى السيادة اللبنانية، علماً بأن موقف الأممالمتحدة هو أنها خاضعة للسيادة السورية باعتبارها أرضاً سورية. وتابع:"عندما يأتينا الجواب من الأمين العام سأنقله الى اللبنانيين والى المشاركين في الحوار الذين تمنوا عليّ البحث عن كل طريقة لتحديد الحدود مع سورية"، معتبراً أن ترسيم الحدود وإقامة العلاقات الديبلوماسية أمر يهم جميع العرب. وأكد السنيورة أن لبنان لا يريد للعلاقات اللبنانية - السورية أن تعود الى قناة الضباط. وقال:"لقد أوكلت العلاقات الى ضباط... وشهدنا ماذا كانت النتيجة". ووصف السفير الفرنسي جان مارك دي لاسابليير احاطة السنيورة الى مجلس الأمن بأنها"تبين بأن هناك رؤية حقيقية من أجل تحقيق السيادة والاستقلال الكاملين للبنان". وقال إن"هذا يوم تاريخي في مجلس الأمن". وزاد:"اننا نتوقع من سورية أن تجيب وأن تبرهن الالتزام الصادق باستقلال لبنان". وأشار الى أن المجلس سيستمع الى رود لارسن في 26 الشهر الجاري، وقال إن"على مجلس الأمن الاستمرار في دعم لبنان". وأوضح السنيورة أن"السوريين يقولون شفهياً بلبنانية المزارع، لكنهم يتلكأون في تقديم الوثائق والخرائط لايداعها مجلس الأمن". وأضاف ان لارسن"أبلغنا بعد أن اطلع على المستندات التي لدينا والخرائط من الأرشيف الفرنسي: لديكم قضية". وحين سُئل عن موقفه من ال"لا"السورية تجاه تحديد الحدود في شبعا وإقامة العلاقات الديبلوماسية، قال:"ما نعتقده هو الصواب حول العلاقة... ولن نستفز ونغير نظرتنا الى العلاقة مع سورية". وتكررت الأسئلة للسنيورة عن"حزب الله"وعلاقته مع إيران، فأجاب:"نحن علاقتنا بالحزب على أنه حزب لبناني وممثل في البرلمان ونحترم مشاركته في الحكومة التي هو جزء منها". وأشار الى أن لدى لبنان علاقات صداقة مع إيران وتبادلاً تجارياً معها. وعلمت"الحياة"ان السفراء والأعضاء في مجلس الأمن أكدوا خلال المداولات المغلقة التي اعقبت كلمتي السنيورة والمندوب السوري مساندتهم لما جاء في كلمة رئيس الحكومة، وأدلى كل منهم بمداخلة أيد فيها الحوار الوطني اللبناني. ودعا السفير الفرنسي سورية الى عدم الأخذ بحجة الاحتلال الإسرائيلي في تبرير رفضها تحديد الحدود في مزارع شبعا، كما أن الأعضاء الخمسة عشر في مجلس الأمن أكدوا دعمهم لمطلب لبنان التبادل الديبلوماسي. ولاحظ السفير الروسي أن تحديد الحدود مسألة تتعلق بالبلدين فقط.