أرجو أن يكون تخلي الحزب الديموقراطي عن داعية الحرب على العراق السناتور جوزف ليبرمان مؤشراً الى الانتخابات النصفية الأميركية بعد ثلاثة أشهر، غير انني وقد تابعت حملة الانتخابات التمهيدية التي انتهت بخسارته أمام نِدْ لامونت وما كتب عن النتيجة حتى الآن لست واثقاً من أن معركة محدودة في ولاية كونتكت تمثل استطلاعاً واضحاً لرأي الناخبين الأميركيين. لا أنكر انني سعدت بخسارة ليبرمان، فهو ليبرالي وسطي مثل خصمه لامونت، ومثلي لو كنت أميركياً، إلا أنه في كل عملية تصويت داخل مجلس الشيوخ، وعلى امتداد 18 سنة من وجوده فيه، وقف ضد العرب والمسلمين ومصالحهم، وانتهى بتأييد الحرب على العراق تأييداً كاملاً حتى بعد أن ثبت كذب الأسس التي قامت عليها، وسوء إدارتها، والتضحية بجنود أميركا من دون مبرر. لا أجد تفسيراً لوسطية ليبرمان في كل شيء وتطرفه في الحرب على العراق سوى إسرائيليته، فهو يؤيد التطرف الإسرائيلي ويجد له الأعذار، الى درجة انه كان بين المحرضين على الحرب، فقد وقّع مع تسعة أعضاء آخرين رسالة في كانون الأول ديسمبر 2001 تحضّ الرئيس بوش على مهاجمة العراق بعد أفغانستان. وهو ككل أنصار إسرائيل من الوقاحة أن يقلب الحقيقة على رأسها فعندما كان مرشحاً نائباً للرئيس مع آل غور في سنة 2000 اجتمع مع أركان الجالية العربية - الأميركية في واشنطن وأكد لهم انه صديق مع أن سجله في الكونغرس موجود ويقول العكس. ليبرمان خسر ترشيح الحزب في النهاية لأسباب عدة أهمها الحرب، أو قبلة أصبحت رمز تطرفه، فقد عانق جورج بوش ليبرمان بعد إلقائه خطابه السنوي عن حالة الاتحاد في جلسة مشتركة لمجلسي الكونغرس، وقبّله ثم قرصه في خده. واعتبر الديموقراطيون القبلة وكأنها قبلة يهوذا للمسيح قبل أن خانه وسلمه للعسكر الروماني، أما القرصة فرأوا انها من نوع ما يفعل عرّاب المافيا مع مافيوزو صغير من القتلة العاملين معه. واستعمل نِدْ لامونت القبلة في ملصقات وأزرار انتخابية ودعايات، ووضعها داخل رسم قلب وضع نفسه في رسم آخر مع شقراء ليست زوجته داخل قلب على سبيل المزاح. وجورج بوش نفسه فهم أهمية القبلة في الحملة ضد ليبرمان، فعندما أصر عليه المذيع المشهور لاري كنغ عشية الانتخابات التمهيدية ان يعلن تأييده ليبرمان رد قائلاً: أنت تصر على أن أعطيه قبلة سياسية، تؤدي الى موته. لا أعرف إذا كان جوزف ليبرمان مات سياسياً، فهو قرر بعد خذلان الديموقراطيين له أن يخوض الانتخابات كمرشح مستقل، ما أترجمه شخصياً على أنه يثبت ان السناتور يقدم نفسه على الحزب الذي صنعه، وانه يريد أن يعود الى مجلس الشيوخ ليخدم غرض أي حزب ضد العرب والمسلمين، طبعاً تحت عذر مكافحة الإرهاب أو غيره. ويكفي أن أذكِّر القارئ بأن ليبرمان بدأ حياته السياسية سنة 1970 معارضاً حرب فيتنام، وانتهى مؤيداً الحرب على العراق، وقتل أهله وتدمير بلدهم. قرأت كل ما وقعت عليه عن المنافسة بين ليبرمان ولامونت، وأحتفظ بمادة كثيرة للعودة إليها مع الانتخابات في تشرين الثاني نوفمبر، ولم أجد في كل ما قرأت إشارة واحدة الى تأييد ليبرمان الكامل إسرائيل حتى عندما تمارس الإرهاب ضد المدنيين. ويبدو أن تأييد إسرائيل"تحصيل حاصل"في السياسة الأميركية، فاخترت بعد ذلك أن أدرس الخسارة وأسبابها، وهل ترهص للانتخابات المقبلة. ليبرمان خسر لأنه أدار حملة سيئة، وطرد في نهايتها معظم مساعديه، وبما أنه كان أعلن قبل التصويت في الثامن من هذا الشهر أنه سيخوض الانتخابات كمرشح مستقل إذا خسر، فقد اعتبر ديموقراطيون كثيرون موقفه خروجاً على التضامن الحزبي، وصوتوا ضده لهذا السبب. وأظهر استطلاع للرأي العام ان نسبة كبيرة من الناخبين قالت إنها أيدت لامونت لا حباً فيه بل معارضة لمنافسه. وكان يفترض في ليبرمان، السياسي المحنّك وخبير الحملات الانتخابية بأنواعها، ألا يقلل من شأن خصمه، إلا أنه عندما أعلن لامونت، وهو مليونير بخبرة سياسية محدودة، ترشيحه، قرر ليبرمان انه لن يحصل على أصوات كافية داخل الحزب للتنافس معه على مقعد مجلس الشيوخ، وعندما حصل على ضعفي عدد الأصوات المطلوبة قال ان الثورة داخل الحزب لن تنعكس على الشارع، غير انه دفع ثمن استهانته بخصمه الذي فاز عليه بنسبة 52 في المئة في مقابل 48 في المئة. وأعجبني في لامونت رد سريع له في مناظرة تلفزيونية مع ليبرمان بدا فيها السناتور غاضباً ضيق الصدر، وحاول عبثاً أن يتنصل من ارتباطه ببوش وحربه، مذكراً منافسه بأنه خاض انتخابات ضد الرئيس. غير ان لامونت بقي يعود الى الموضوع، وأخيراً قال له ليبرمان: نِدْ. أنا لست جورج بوش. ورد لامونت: ونحن لسنا في فوكس نيوز، إشارة الى المحطة الغوغائية التي أيدت الحرب على العراق ولا تزال. ليبرمان خسر بعد أن قاده موقفه الدائم ضد العرب والمسلمين الى تأييد حرب يدفع الأميركيون الآن ثمنها مع شعب العراق والمنطقة كلها.