منذ أربع عشرة سنة، وما أن يتنفس الصباح حتى تستقل شيخة الحافلة المتجهة إلى مدينة جرش، لتلتحق بعملها حيث تجلس لساعات حاملة إبرة وخيطاً تطرز على قطعة قماش أشكالاً هندسية ذات نمط واحد تعيده مراراً وتكراراً. قضت شيخة نصف عمرها البالغ 29 سنة بين أدوات التطريز، الإبرة والقماش والخيطان، بمعدل عشر ساعات في اليوم، وهي لم تتزوج كما لم تكمل دراستها الأساسية, وإن كانت تؤكد:"لكنني أجيد القراءة والحساب". وعلى رغم أنه ليس لديها أجر ثابت ولا تأمين صحي، تبدو شيخة قانعة بما لديها. فعملها في الجمعية النسائية يؤمن لها متنفساً, ويشعرها بشيء من تحقيق الذات ولا سيما أنها اضطرت للإقامة مع زوجة أخيها الأكبر بعد وفاة والديها. وتقول:"أفضل قضاء الوقت بعيداً من تسلط زوجة أخي، على الأقل أحس بقيمتي هنا". والواقع أن شيخة نموذج عن مئات الشابات القاطنات في جيوب الفقر المنتشرة في المملكة خارج العاصمة عمان, ممن يعتقدن أن قطار الزواج فاتهن، وخرجن من المدارس مبكراً حتى أصبح هذا النوع من العمل بظروفه السيئة خيارهن الوحيد، وإلا فإنهن سيقبعن في المنازل منسيات. وتقول شيخة إن كل ما تتقاضاه لا يغطي نفقات المواصلات التي تحتاجها لوصولها إلى مقر الجمعية، وتضيف أن"دخلها الشهري لا يتجاوز أربعين دولاراً"، في حين أنها تنفق منها يومياً أكثر من دولار على المواصلات من قريتها قفقفا إلى جرش وبالعكس. وذلك يعني أن شيخة تتقاضى ثلاثة دولارات عن القطعة التي تنجزها, والتي تحتاج إلى أربعة أيام من العمل المتواصل. ولا توفر الجمعية التي دربت منذ تأسيسها عام 1971 أكثر من 3000 شابة بينهن شيخة، تأميناً صحياً للعاملات فيها على رغم الحاجة الملحة لهذا النوع من الضمانات, كما تقول شيخة التي تؤكد ان"نظرها ضعف في شكل واضح ولم يعد يساعدها على العمل لا سيما أن التطريز يحتاج إلى دقة". وتضيف:"أحتاج إلى فحص نظر ونظارة طبية، فضلاً عن أن التطريز أثر في عنقي وعمودي الفقري". لكنها كلما فكرت في زيارة الطبيب تغض النظر لعدم قدرتها على دفع التكاليف. وتتقاطع شكوى شيخة مع ما تتذمر منه رضوة التي تقطن في قرية بليلة والتي تقول:"المال الذي أحصل عليه لقاء عملي بالتطريز بالكاد يغطي أجور المواصلات". وتضيف:"العمل يفتقر إلى الحوافز, وأنا أعمل حوالى 16 ساعة يومياً مقابل لا شيء". لكن رضوة وشيخة كبقية العاملات، تصران على الاستمرار في العمل مع الجمعية لينعمن ببعض الحياة الاجتماعية خارج أسوار المنزل, على رغم أنهن محرومات مما يقدمه لهن قانون العمل الذي ينص صراحة على ألا تزيد عدد ساعات العامل على 8 ساعات يومياً من بينها ساعة استراحة. وتعتمد الجمعية في تمويلها على اشتراكات الأعضاء وعددهم 65 عضواً تبلغ خمسة دولارات سنوياً، وأجور روضة الأطفال والحضانة، ومبيعات المراكز الإنتاجية، فضلاً عن التبرعات. وتوفر للمتدربات فيها فرص عمل في مدينتي الحسن وسحاب الصناعيتين اللتين أقيمتا في أعقاب الانفتاح الاقتصادي في البلاد. وشيخة التي صارت خبيرة في التطريز تأسف لأن تطور إمكاناتها لم يترافق مع أي تطور مالي. ولتسويق المنتج، تعتمد الجمعية على الاشتراك في معارض محلية ودولية كما أنها تستغل مهرجان جرش الذي يعقد في تموز يوليو من كل عام ويحول المدينة الأثرية إلى واحدة من أكثر المدن حيوية وثقافة. والى جانبپالعروض الفولكلورية الراقصة التي تؤديها فرق محلية وعالمية، ورقصات البالية والأمسيات الموسيقية والمسرحيات وعروض الأوبرا وأمسيات غنائية، تعرض الحرف اليدوية ومنها ما تصنعه شيخة ورفيقاتها.