حين ثارت سيدة فلسطينية مقدسية على سرقة تراث بلدها فأطلقت مشروعا ومسيرة نضال ما زالت مستمرة منذ 46 عاما، بطلاتها نساء تسلحن "بخيط وإبرة" في الدفاع عن تراث مسلوب ونشره في أرجاء العالم. بعد الهجوم الإسرائيلي على مطار بيروت عام 1968 انطلقت جمعية (إنعاش المخيم الفلسطيني) على يد السيدة هيكات الخوري ابنة الرئيس بشارة الخوري ومجموعة من اللبنانيات اللاتي صممن على كسر عزلة المخيمات الفلسطينية وتمكين اللاجئات ومساعدتهن عبر حياكة الصوف للإنفاق على عائلاتهن بعدما منع القانون اللبناني أزواجهن من دخول سوق العمل. لكن المحطة الفاصلة في مسيرة (إنعاش) كانت عام 1970 في مدينة نيويورك عندما لفت أنظار سيرين الحسيني سليلة العائلة المقدسية مجموعة من الأثواب التراثية الفلسطينية المطرزة في واجهة أحد المتاجر الكبرى. وقيل إنها عندما دخلت للسؤال عن مصدر هذه الأثواب كان الجواب أن زوجة أحد كبار الجنرالات الإسرائيليين هي صاحبتها وتعرضها على أنها مطرزات إسرائيلية. استشاطت السيدة الفلسطينية غضبا وطلبت من خالها موسى العلمي أن ينشر إعلانا في إحدى الصحف الأميركية الكبرى "يفضح فيه هذه السرقة"، لكنه أجابها بأن الأجدى أن تعمل لتقديم التراث الفلسطيني على حقيقته التاريخية. ومن هنا تولدت الفكرة. عادت سيرين إلى لبنان واقترحت على جمعية (إنعاش) تحويل مشغل حياكة الصوف إلى مشغل للتطريز لأنه جزء حقيقي من التراث الفلسطيني. اقتنعت مؤسسات الجمعية بهذا التوجه بعد أن طرزت شقيقتاها ملك وجمانة الحسيني وسائد كنماذج للعمل ثم شكلن مع هيكات الخوري لجنة فنية مهمتها البحث عن الأثواب القديمة وشرائها من اللاجئين في لبنان والأردن ومن الفلاحين في الجليل ثم نقل التصاميم منها إلى قطع من الكانفاه واختيار الخيطان والألوان مع التعليمات وتوزيعها على الفتيات وسيدات المخيمات. تقول ملك الحسيني وهي مرجع حي في فن التطريز الفلسطيني "التجربة نجحت أكيد. بدأنا عالبساطة. وظلت التجربة تكبر وتكبر رغم ظروف الحرب والهجرة وصارت (إنعاش) من أفضل مؤسسات التطريز اليدوي على الإطلاق".