تمر الطفرة العقارية الحالية، التي تجتاح دولاً عدة في منطقة الخليج، في مرحلة جديدة دفعت مقاولين كثراً في المنطقة إلى إعادة حساباتهم المالية مع ارتفاع كلفة الإنجاز بسبب ارتفاع أسعار مواد البناء تحت تأثيرات محلية وخارجية، أهمها ارتفاع أسعار المحروقات. وتشير تقديرات عقارية متحفظة إلى أن حجم المشاريع العقارية في مختلف أنواعها، ومنها المرافق الحكومية، التي تنفذ في مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي، تزيد على 250 بليون دولار، يتبع اكثر من نصفها للقطاع الخاص الذي وجد ضالته في البناء لاستثمار السيولة التي تراكمت في الأسواق المحلية نتيجة ارتفاع أسعار النفط، وتجنب ترحيل أموال إضافية إلى الخارج بفعل تداعيات هجمات 11 أيلول سبتمبر 2001 التي شملت تجميد ومصادرة أموال عربية وإسلامية، بدعوى تمويل"الإرهاب"وتبييض الأموال. وحذر الرئيس التنفيذي لشركة"تعمير"الإماراتية علي سعدون الخضيري من الارتفاع المتزايد لأسعار مواد البناء، مشيراً إلى أن المطورين لم يعد بإمكانهم بيع الوحدات السكنية قبل التنفيذ لأنهم لا يستطيعون التخمين بالتزام المقاولين مواعيد التسليم. وأفادت مصادر تجارية أن الارتفاع الكبير في أسعار مواد البناء في منطقة الخليج اثر سلباً في الهوامش الربحية لشريحة واسعة من مقاولين حصلوا على عقود بناء والتزموا بها بأسعار محددة، وباتت مع اقتراب مواعيد الإنجاز غير قادرة على التسليم ضمن النطاق السعري المحدد، ما قد يؤدي إلى تكبد بعض الشركات خسائر أو إنجاز عقود من دون أرباح تُذكر. ارتفاع أسعار مواد البناء وأشارت إلى أن الزيادات المسجلة في أسعار مواد البناء امتصت جانباً كبيراً من الأرباح المتوقع تحقيقها، خصوصاً للعقود الطويلة الأجل التي تراوح فتراتها بين 24 و36 شهراً، وسجلت تلك الأسعار ارتفاعاً يتراوح بين 15 و30 في المئة خلال السنتين الماضيتين، وهي نسب تزيد بمعدل الضعف على مستوى الهوامش الربحية لشركات المقاولات في منطقة الخليج. ولفتت المصادر إلى أن أسعار مواد البناء المستوردة قفزت السنة الجارية بنسبة تزيد على 10 في المئة في المتوسط بسبب ارتباط جانب كبير منها بالعملات الرئيسة في العالم، التي ارتفعت أمام الدولار في الشهور الماضية، مضافاً إليها ارتفاع تكاليف الشحن البحري إلى الخليج بفعل ارتفاع أسعار النفط. وقال مدير المبيعات في"مجموعة شرف"، إحدى اكبر شركات الإسمنت في المنطقة الحرة في جبل علي في دبي،"إن شركات الشحن التي تنقل البضائع من شرق آسيا وغيرها من الدول التي نستورد منها المواد الخام، زادت أسعارها من نحو 10 في المئة خلال الشهور القليلة الماضية، ما انعكس سلباً على هوامش الربح لشركات الإسمنت في منطقة الخليج". وأشار إلى أن هيئة منتجي الإسمنت في الإمارات"تفكر في رفع سعر طن الإسمنت ما بين 10 و15 في المئة في نهاية السنة، إذا لم تدعم الحكومة المواد الخام أو الديزل"، علماً أن شركات الإسمنت في الإمارات تتفاوض حالياً مع وزارة الاقتصاد للحصول على هذا النوع من الدعم. ويشار إلى أن سعر طن الإسمنت يبلغ حالياً 375 درهماً، مقارنة بپ120 درهماً في عام 2003. كما يظهر مؤشر السوق لبعض مواد البناء أن الخشب الأبيض الذي بيع أخيراً بسعر يراوح بين 580 و600 درهم للمتر المكعب، أصبح الآن يُباع بسعر يراوح بين 625 و650 درهماً، في حين يُباع سعر المتر المكعب للخشب من نوع مرانتي 34 درهماً في مقابل 30 درهماً قبل شهور، ويُباع الخشب من نوع"إم دي إف"سماكة 18 مليمتراً بسعر يراوح بين 45 و46 درهماً في مقابل 42 وپ43 درهماً قبل شهور. بعد 11 أيلول وقال مصرفيون في الخليج لپ"الحياة"إن مع الطفرة العقارية في دول مجلس التعاون الخليجي، التي بدأت ملامحها بالتشكل قبل سنتين، في ضوء شح القنوات الاستثمارية ومع عودة جانب من رؤوس الأموال الخليجية من الخارج في أعقاب هجمات 11 أيلول سبتمبر 2001، اتجهت شريحة كبيرة من المستثمرين الخليجيين في شكل تلقائي إلى الاستثمار في القطاع العقاري الذي يعتبر إحدى القنوات الاستثمارية التقليدية المفضلة لدى كثيرين في المنطقة، خصوصاً أن العائد لهذا النوع من الاستثمار يدور حول ثمانية في المئة في المتوسط، ويتجاوز 10 في المئة في بعض الدول مثل السعودية والإمارات. وقال بيير عيسى، أحد المقاولين الأجانب في دبي، إنه فيما تشهد المنطقة طفرة عقارية، تقودها بالفعل إمارة دبي التي طرحت حكومتها مشاريع عملاقة يناهز حجمها 100 بليون دولار، تختلف المشاريع الحالية التي ينفذها القطاع الخاص في المنطقة عن السابق لناحية ضخامتها ونوعيتها وهي تركز على بناء المجمعات السكنية والتجارية الراقية والمكاتب. وأظهر تقرير صدر في الإمارات أن شركات الإسمنت في منطقة الخليج تعيش حالياً"فترة ذهبية"مع تزايد الطلب على منتجاتها، ما جعلها تعمل بالحد الأقصى، ليصل إنتاج المملكة العربية السعودية إلى 70 مليون طن من الإسمنت سنوياً والإمارات إلى 23 مليوناً. لكن"الطلب المرتفع على الإسمنت زاد حاجة الشركات المنتجة إلى المواد الخام المستوردة". وأشار عيسى إلى أن دول الخليج تستورد نصف المواد الخام من الخارج.