تمر الطفرة العقارية الحالية، التي تجتاج دولاً عدة في منطقة الخليج، في مرحلة جديدة دفعت بالكثير من المقاولين في المنطقة الى اعادة حساباتهم المالية مع ارتفاع كلفة الانجاز بسبب الضغوط السعرية التي باتوا يواجهونها جراء ارتفاع اسعار مواد البناء تحت تأثيرات محلية وخارجية. وتشير تقديرات عقارية متحفظة الى ان حجم المشاريع العقارية في مختلف انواعها، ومنها المرافق الحكومية، التي تنفذ في مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي بأكثر من 100 بليون دولار اكثر من نصفها تابع للقطاع الاهلي الذي وجد ضالته في البناء لاستثمار امواله المحلية او التي استعادها من الخارج. قالت مصادر تجارية "ان الارتفاع الكبير في اسعار مواد البناء اثر سلباً في الهوامش الربحية لشريحة واسعة من مقاولين حصلت على عقود بناء والتزمت بها باسعار محددة، وباتت مع اقتراب مواعيد الانجاز غير قادرة على التسليم ضمن النطاق السعري المحدد ما قد يؤدي الى تكبد بعض الشركات خسائر او انجاز العقود من دون ارباح تُذكر". وأشارت الى ان الزيادات المسجلة في اسعار مواد البناء امتصت جانباً كبيراً من الارباح المتوقع تحقيقها خصوصاً للعقود الطويلة الاجل التي تراوح فتراتها بين 24 و36 شهراً، وسجلت تلك الاسعار ارتفاعاً راوح بين 15 في المئة و30 في المئة خلال الفترة المذكورة، وهي نسب تزيد بمعدل الضعف على مستوى الهوامش الربحية لشركات المقاولات في منطقة الخليج. ولفتت المصادر الى ان اسعار مواد البناء المستوردة قفزت السنة الجارية بنسبة تزيد على عشرة في المئة في المتوسط بسبب ارتباط جانب كبير منها بالعملات الرئيسة في العالم التي ارتفعت بحدة امام الدولار في الشهور الماضية، مضافا اليها ارتفاع تكاليف الشحن البحري الى الخليج. وقال رضوان ساجان رئيس شركة "دانوب لمواد البناء" فيزكو، وهي احدى اكبر شركات مواد البناء في المنطقة الحرة في جبل علي في دبي، "ان شركات الشحن التي تنقل البضائع من شرق آسيا زادت اسعارها من 15 دولاراً الى 20 دولاراً لشحن المتر المكعب الواحد من الواح الخشب، ومن 100 دولار الى 150 دولاراً للحاوية الواحدة". طلب كبير في العراق واشار ساجان الى انه الى جانب قوة اليورو الذي ادت إلى ارتفاع اسعار مواد البناء الاوروبية، فان الطلب الكبير على مواد البناء في العراق والصين ساهم ايضا في زيادة اسعار مواد البناء في العالم بنسبة تراوح بين خمسة في المئة وعشرة في المئة في المتوسط في الشهور الستة الماضية. ولفت الى ان مؤشر السوق لبعض مواد البناء يُظهر ان سعر الخشب الابيض الذي بيع اخيراً بسعر يراوح بين 580 و600 درهم للمتر المكعب، أصبح الآن يُباع بسعر يراوح بين 625 و650 درهماً، في حين يُباع سعر المتر المكعب للخشب من نوع الميرانتي الاحمر بواقع 34 درهماً في مقابل 30 درهماً قبل شهور، ويُباع الخشب من نوع "ام دي اف" سماكة 18 ملم بسعر يراوح بين 45 و46 درهماً مقابل 42 و43 درهماً قبل شهور. وقال مصرفيون في الخليج ل"الحياة" ان الطفرة العقارية في دول مجلس التعاون الخليجي، التي بدأت ملامحها بالتشكل السنة الجارية، جاءت في اعقاب الانخفاض الكبير في اسعار الفائدة على العملات الخليجية بعد الخفوضات المتتالية في اسعار الفائدة على الدولار التي بلغت ادنى مستوياتها منذ اربعة عقود. وأشار هؤلاء الى انه مع ضعف القنوات الاستثمارية التقليدية في الودائع والاسهم ومع عودة جانب من رؤوس الاموال الخليجية من الخارج في اعقاب احداث ايلول سبتمبر قبل عامين، اتجهت شريحة كبيرة من المستثمرين الخليجيين بشكل تلقائي الى الاستثمار في القطاع العقاري الذي يعتبر احدى القنوات الاستثمارية التقليدية المفضلة لدى كثيرين في المنطقة، لا سيما ان العائد لهذا النوع من الاستثمار يدور حول ثمانية في المئة في المتوسط، ويتجاوز عشرة في المئة في بعض الدول مثل السعودية والامارات. وقال أحد المقاولين الاجانب في دبي انه في الوقت الذي تشهد فيه المنطقة طفرة عقارية، تقودها بالفعل امارة دبي التي طرحت حكومتها مشاريع عملاقة يناهز حجمها 18 بليون دولار، تختلف المشاريع الحالية التي ينفذها القطاع الخاص في المنطقة عن السابق لناحية ضخامتها ونوعيتها وهي تركز على بناء المجمعات السكنية والتجارية الراقية التي تضمن تسهيلات اكبر من قبل لمستخدميها. وأشار الى انه امام العوامل السابقة التي دفعت المستثمرين الى التوجه نحو العقار، فإن الطلب على مواد البناء المصنعة محلياً تصاعد بحدة ما دفع تجار هذه المواد الى زيادة اسعارهم مع ارتفاع الطلب المذكور، متوقعاً أن يستمر هذا الارتفاع لشهور عدة، لافتاً في الوقت ذاته الى ان اسعار المناقصات الجديدة تزيد الآن بنسبة خمسة في المئة في المتوسط على الأسعار التي كان يُعمل بها مطلع السنة. وأظهر تقرير صدر في الامارات ان شركات الاسمنت في المنطقة تعيش حالياً "قترة ذهبية" مع تزايد الطلب على منتجاتها، وأشار الى ان خمس شركات اماراتية حققت نمواً قياسياً حتى نهاية الربع الثالث من السنة بلغ 500 في المئة لتصل إلى 119 مليون درهم، إذ ارتفعت ارباح شركة "الشارقة للاسمنت" سبعة اضعاف الى 36.4 مليون درهم، فيما تحولت شركة "اسمنت الاتحاد" من خسارة بواقع 8 ملايين درهم في الشهور التسعة الأولى من العام الماضي إلى ربح بواقع 23 مليون درهم خلال الفترة نفسها من السنة الجارية. ولاحظ أن زيادة الطلب لا تقتصر عملياً على الأسواق المحلية، بل تمتد كذلك لتشمل أسواق التصدير في الدول الخليجية المجاورة التي تشهد كذلك انتعاشاً كبيراً في قطاع التشييد والبناء موضحاً ان هذا النمو المتراكم انعكس في الطلب على الاسمنت إيجاباً على مستويات الأسعار التي ارتفعت في الشهور الخمسة الماضية بنسبة 40 في المئة، ليصل سعر طن الاسمنت حالياً إلى 170 درهماً مقابل 120 درهماً في حزيران يونيو الماضي.