هذه القوى "حماس"و"حزب الله" على دراية تامة بما يترتب على خطفها الجنود الاسرائيليين من الأراضي الاسرائيلية نفسها. وعلى هذا، فهي كانت تعد العدة عمداً لدمار بلديها، لبنان وفلسطين. وتقرير الواقعة قرينة على أن الردود الاسرائيلية، وهي"غير متكافئة"حقاً، لم تفاجئ ابداً"حماس"ولا"حزب الله". فالمفاجأة والترويع هما نصيبنا وحصتنا وليسا نصيبي المنظمتين. فهاتان المنظمتان أرادتا عمداً دمار بلديهما. ولا أرى خيراً من الكلام على"حرب المجانين"، شريطة أن يخص هذيان المنظمة الخمينية الموصوف بالتمييز الذي يستحقه. وهذا يدعو، على وجه الإلحاح، الى الفحص عن اختيارها هذا الوقت فرصتها الى تدمير لبنان وانفجار المنطقة كلها. وكان سبق أن عول الأوروبيون، على خلاف الأميركيين، على قابلية تحول المنظمة الارهابية الى حركة سياسية. وبدا في ضوء المشاركة في البرلمان والوزارة، أن التعويل لم يكن متهوراً. ولا شك في أن الجيش والحكومة اللبنانيين، وهذا لا يشرف أباحا اضطلاع قوة عسكرية أهلية بالسيطرة على منطقة متصلة يجمع التشيع بين أجزائها ويوحدها. ولكن جاك شيراك ورومانو برودي رئيس المفوضية الأوروبية في عام 2000 وما بعده بقليل كانا على يقين، على خلاف رأي الأميركيين، من جواز مفاوضة"حزب الله"، ومن نجاعة المفاوضة. وحمل الفرنسيين على هذا الرأي عدد كبير من الاتصالات الخفية. وهذا هو السبب في خيبة شيراك وامتعاضه، اليوم. وعلى الجهة الإيرانية من الشرق الأوسط، تقدم أحمدي نجاد الصفوف، وبايعته الجماهير التي مشت الى الأمس في ركاب بن لادن والزرقاوي وغيرهما، بطلاً، غداة إعلانه على الملأ إرادته تدمير إسرائيل. وهو يحظى اليوم بهالة القوة التي كللت هامة عبدالناصر في بلاد العرب قبل نصف القرن. فشرط البطولة في المدن العربية، على قول صحافية أردنية، هو مناصبة إسرائيل والولاياتالمتحدة العداء. والحق أن الرئيس الإيراني هو المشير، ومصدر السلاح، والآمر المباشر بالتنفيذ في بعض الأوقات. وحان أحد هذه الأوقات، وهو اجتماع مجلس الأمن. فلم يطق تداول المجلس فرض عقوبات عليه جراء طموحه الى امتلاك السلاح النووي. ولا ريب في أن أحمدي نجاد مناهض للولايات المتحدة فوق مناهضته إسرائيل. ولكن المؤتمرون بأمره يختارون، يناسبهم من استراتيجيته. وعلى هذا فالإسلام السياسي المتطرف يتجاوز النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني ويتخطاه. فهو ثمرة إخفاق الحركة القومية العربية التي رعاها السوفيات، والمساعدة التي حسبت الولاياتالمتحدة أن عليها الاضطلاع بها في الحرب الباردة. وفي الأثناء، تغذى الإسلام السياسي المتطرف من مناهضة الصهيونية، شأنه من قبل من مناهضة الاستعمار. ولعل الفحص عن الأسباب التاريخية لحوادث اليوم أقل إلحاحاً وجدوى من تقرير نتائجها وملاحظة هذه النتائج. فعلى رغم زيادة عدد الضحايا المدنيين في العراق وأفغانستان عن مثيله في لبنان وإسرائيل وفلسطين، فالبلدان الثلاثة هذه هي مسرح نزاع قد تجر اليها قوى من خارج المنطقة، على غرار البلقان بين الحربين العالميتين. وفي صدارة المسائل الملحة ألا تؤدي الحال الى تفاقم انهيار لبنان. وأنا لم أناصر استراتيجية الرد الإسرائيلي على"حماس". فمصلحة الفلسطينيين والإسرائيليين معاً تقضي بمفاوضة معتدلي"حماس"لقاء اعتراف سياسي يؤدي الى تحرير سجناء. ولكنني، على خلاف هذا، فهمت ردود إسرائيل الأولى على عدوان"حزب الله". فهي جزء من الدفاع عن النفس. ولكن، سريعاً، تهدد الردود هذه بالانقلاب الى استراتيجية سحق من غير تمييز واحتلال طويل. وعليه، فالضوء الأميركي الأخضر يفتقر الى المسؤولية. ولم يسبق أن كان الداعي الى حزم أوروبا في مجلس الأمن أشد إلحاحاً وضرورة. عن جان دانيال رئيس التحرير، "لونوفيل أوبسرفاتور" الفرنسية، 20 - 26/7/2006