نتذكر دائماً في حزن ومرارة أن نصف العالم المعروف في صدر الإسلام وحتى العصر العباسي دان لهذه الأمة، لكن حال أمتنا اليوم متأخرة، مثقلة الكاهل، مترهلة، متخلفة عن دورها الإنساني والحضاري والعلمي، على رغم انها تملك علاجاً لكل علة، وحلاً لكل مشكلة، ولكن الأمة بدلاً من محاولة إصلاح حالها والخروج من هذه الهوة لا تجيد الا التغني بما فعله علماؤها الأوائل في ميدان العلوم، أمثال الفارابي وابن رشد وابن ماجه وابن فرناس وابن سينا وابن حيان وغيرهم كثير، أسسوا أصول العلوم والحضارة التي أخذ بها الغرب فكانت سبب نهضته وتقدمه وأهملناها نحن فكان نصيبنا التخلف والتبعية. ان الإحصاءات تؤكد أننا في المؤخرة من حيث الاهتمام بالتكنولوجيا التي هي مفتاح التقدم في هذا الزمن، وخير مؤشر على ذلك الجامعات، إذ أظهرت الدراسة التي أجريت على 500 جامعة ان أميركا هي الأولى من حيث التقدم التكنولوجي، ولها 170، ولالمانيا 43، وبريطانيا 42، واليابان 26، ولكل من كندا وايطاليا 23، وفرنسا 42 والصين 16 واستراليا 15 وهولندا 12 والسويد 10 واسبانيا 9، ولكل من كوريا الجنوبية وسويسرا 8، وتساوت إسرائيل مع بلجيكا، إذ لكل منهما 7 جامعات، أما نصيب العرب في ميدان البحث العلمي وأهم الجامعات في العالم فقد كان صفراً. لذلك لم يكن غريباً ان الأمة لم تقدم عالماً واحداً يشار إليه بالبنان، ويعمل على تقدمها ويخدم داخلها المنهار سوى أبو القنبلة النووية الباكستانية الدكتور عبد القدير خان، ولعل ما حاكه بعض العرب ضده معروف للجميع! ونتيجة للتخلف التقني وضعف الصرف عليه، وعدم الدعم الذي لا يراه أصحاب القرار، الى جانب انعدام المناخ المناسب لحرية البحث، نجد أن العشرات من العلماء العرب يعيشون ويعملون بين ظهراني الغرب ويقدمون اختراعاتهم واكتشافاتهم هناك، فنحن نجد ان الإنفاق على البحث والتطوير في ادنى القوائم العالمية، إذ يبلغ 0.4 في المئة من حجم الناتج القومي بينما يبلغ في أفريقيا 1 في المئة وفي الدول الصناعية واسرائيل التي تنفق على البحث العلمي عشرة أضعاف ما تنفقه 22 دولة عربية يبلغ متوسط إنفاقها نحو 3 في المئة. إسرائيل التي تنفق هذا المبلغ الكبير على البحث العلمي شنت ست حروب على العالم العربي، آخرها ولن تكون الأخيرة حربها المدمرة على لبنان الشقيق، قتلت البشر ودمرت الشجر والحجر مخلفة ارضاً محروقة، مستعملة التكنولوجيا الاميركية، صواريخ وقنابل ذكية وانشطارية وقنابل الفسفور... الخ، موجهة بالأقمار الصناعية معتقدة ومعها العم سام أنهما فوق كل القوانين، بسبب التفوق التكنولوجي. العرب هبوا لدعم لبنان وعقدوا مؤتمر وزراء الخارجية في بيروت بدعوة من السعودية، جاءت في وقتها وصدر القرار 1701 وسيعقدون مؤتمرهم الأحد المقبل لدعم لبنان، انهم مدعون للنظر في عقد مؤتمر علمي شعاره البحث العلمي التكنولوجي لمواجهة القوة. إن حال امتنا اليوم يذهل كل ذي عقل، صاحب لب، بقدر ما يدهشه تقدم الغرب الذي أدى إلى السير على القمر والوصول إلى المريخ والسير في الفضاء.. وان التقدم في الغرب إنما تحقق بالعلم وإرادة الرجال والتخطيط السليم. ولذلك فإن امتنا إذا أرادت الخروج من الهاوية والنهوض وتحقيق الرقي والتخلص من أسباب الضعف والمعاناة من الشلل والتخلص من التخبط، عليها ان تفهم وتستفيد من الدروس فإن الدول المتقدمة في الغرب والشرق لم تحقق تقدمها إلا بالعلم والمعرفة. ان ديننا يشجع العلم، ويحث على الأخذ بأسباب التقدم وكل ما يؤدي إلى رفاهية الإنسان ورخائه وان محاولة إلصاق أسباب التخلف بهذا الدين هي افتراء وكذب، وليلحق المسلمون بركب التقدم فإنهم يحتاجون الى إرادة قوية، ورؤية واضحة صائبة، وتخطيط سليم، والأخذ بأسباب العلم والتكنولوجيا، والعمل الجاد، ونبذ الشعارات الفارغة وقطع دابر التشاؤم واليأس والخوف من الآخر بقوته واليقين بأن الأمة لن تتقدم إلا بالفكر والعمل الجاد والعرق والتخلص من الوضع الشائن بالجهد والإقدام المرتكز على الإيمان للدفاع عن المصالح العربية وتماسكها الداخلي والخارجي لمواجهة الزحف والضغوط الخارجية بكل إشكالها. ولا شك ان نبذ أسباب الفرقة والتشتت ومحاولة التكامل إذا حدث يجعل منهم قوة تواجه كل طامع ومتربص ومعتد، ولا يمكن أن نغفل العامل الأساس والعمود الأقوى الذي لا يمكن ان تتم نهضة الأمة وتقدمها الا به وهو التمسك بأهداب هذا الدين، والذي بالتمسك به بلغ أجدادنا ذرى المجد وسادوا العالم ولكننا للأسف تهاونا فيه، وأهملنا في حياتنا وتحاكمنا إلى قوانين البشر، ولم يبق من الإسلام في حياتنا الا اسمه فتخلفنا وضعفنا وهنّا. ان الإيمان لم يبق للأسف الا اسمه عند الكثيرين، والله لن يعز ولا ينصر الا من آمن به وكان حقاً علينا نصر المؤمنين والقرآن باقٍ حتى تقوم الساعة ولن يتغير، لكن المسلمين هم الذين تغيروا وتبدلوا وتفرقوا، ولم يستنفروا الطاقات الراكدة ويحاولوا بعثها واستنهاضها فان أرادوا ان يزيل الله ما بهم فليغيروا هذه الحال، وصدق الله القائل: إن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. والرسول صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء لم يمكن الله دعوته في الأرض من دون عمل شاق وجهاد، والأمة وقادتها اليوم يريدون البقاء وحفظ الذات ودوام الاستقلال و العزة من دون تضحية ولا مجاهدة بالنفس أو حتى بالمال.. ويكتفون بطلب النصر من الله، ويقول الأمير شكيب ارسلان في كتابه القيم"لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم"من أعظم أسباب تأخر المسلمين العلم الناقص، الذي هو أشد خطراً من الجهل البسيط. ومن أعظم عوامل تقهقر المسلمين الجبن والهلع بعد ان كانوا أشهر الأمم في الشجاعة واحتقار الموت، وقد انضم إلى الجبن والهلع اللذين أصابا المسلمين اليأس والقنوط من رحمة الله، فمنهم فئات قد وقر في نفوسها انه لا سبيل لمغالبة المحتلين الطامعين والغزاة والمتقدمين في العلوم والتكنولوجيا والبحث العلمي بوجه من الوجوه، وان كل مقاومة أو عمل جاد للتقدم والتطور عبث، وان كل مناهضة خرق في الرأي، ولم يزل هذا التهيب والخوف من الآخر للأسف يزداد ويتخمر في الصدور. هل آلمتكم بحديث ارسلان؟ هو فعلاً مؤلم حد الصراخ لسبب بسيط هو انه ضغط على الجرح، وان كل من به بقية حياة أو بقية حياء حري ان يوجعه هذا الحديث ويؤلمه، ولكن التوجع وحده لا يكفي، بل يجب البحث عن البلسم لهذا الجرح الأليم، والبلسم واضح وهو الذي كان به سلفنا الطيب الذي يؤكد ويشجع العلم والبحث العلمي والتقدم والتطوير كقانون في عالم اليوم ومن غيره نحن غثاء كغثاء السيل أو أذل. * مفكر سعودي - رئيس مركز الخليج العربي للدراسات واستشارات الطاقة.