انعكس الارتباك الذي يلف المستوى السياسي في اسرائيل وتخبطه في ايجاد مخرج يحفظ له بعض ماء الوجه، في الساحتين الإعلامية والشعبية، ليخرج المتتبع لما يدور فيهما بانطباع بأن قلة الحيلة أو حتى الإحباط مما جاء به الشهر الأول من الحرب على لبنان غدا سيد الموقف في اسرائيل قاطبة، فالمزاج عاد الى التذبذب ويكاد لا أحد يملك الجواب عما يحمله الغد، لكن الجميع مقتنعون بأن اليوم التالي لانتهاء الحرب سيحمل معه زلزالاً سيهز أركان القيادتين السياسية والعسكرية على السواء. وحفلت صحف نهاية الاسبوع بتقارير متشائمة عن سير المعارك في جنوبلبنان وتحليلات متضاربة لما يدور في الساحة السياسية الداخلية وتفسيرات متناقضة للمشروع الدولي لوقف النار قامت في الأساس على الرأي الشخصي للكاتب والمعلق ونأت بمعظمها عن قراءة معمقة لما يحصل. وعلى نحو غير مسبوق خاضت مقالات كثيرة في كفاءات أقطاب الحكومة، ايهود اولمرت وعمير بيريتس وتسيبي ليفني، وجميعهم"مدنيون"يفتقرون الى خبرة عسكرية كافية، في ادارة شؤون الدولة العبرية في"حرب التحرير"الثانية كما يحلو لبعض المعلقين وصف الحرب الحالية. وكان لافتاً خروج صحيفة"هآرتس"المحسوبة على الأوساط الليبرالية واليسارية الصهيونية عن عادتها حين تصدر صفحتها الأولى مقالان فوق العنوان الرئيسي، احدهما للمعلق آري شفيط دعا فيه رئيس الحكومة ايهود اولمرت الى التنحي والانصراف الى بيته"لخنوعه بلا قيد أو شرط لحزب الله"ولهربه من الحرب"التي بادر الى شنها"، مضيفاً انه"من غير المعقول ان يبقى في منصبه من قاد شعبا بأكمله الى حرب واعداً بالانتصار فيها، لكنها جاءت بهزيمة مذلة". ومقابل هذا المقال كتب عوزي بنزيمان يقول انه يجب تشجيع اولمرت على قيادة الحكومة بحزم لتبني القرار الدولي الذي يجري العمل على صوغه، مضيفاً ان الحرب اندلعت الى حد ما بسبب قلة الخبرة لدى قيادة الدولة في الشؤون السياسية والعسكرية وفشلها في استقراء ما سيحصل. وقال انه اذا لا يمكن تصحيح ما فات"فمن المفضل تقليص الاضرار"ووقف تدهور آخر من خلال تفضيل المسار السياسي على العسكري. وزاد ان المطلوب من اومرت الآن إبداء قدر كبير من الشهامة"والقبول بالحل الوسط الجاري صوغه في الاتصالات الدولية والذي يقر بعدم قدرة اسرائيل على تحصيل أهدافها المعلنة من الحرب". ويتفق جميع المعلقين، بضمنهم المتشددون الذين يطالبون اولمرت بمواصلة الحرب وتوسيعها، على أن الأهداف"الطموحة"للحكومة لن تتحقق، لكنهم، وبدافع غريزة انتقام لهيبة الجيش وقدراته الردعية، ما زالوا يعولون على تحقيق نتيجة تعادل على الأقل"كي لا نرى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله يلقي خطاب نصر"، كما كتب أحدهم. وعاود معلقون"جلد الذات"واتهم بعضهم الحكومة وقيادة الجيش بالتغرير بالشعب من خلال إيهامه بأن تحقيق اهداف الحرب مسألة وقت قصير. وتوقع معلقون ان يكشف التحقيق المتوقع، بعد الحرب، عن أمور أخطر تتعلق بالفشل العسكري والعجز عن هزم حزب الله"الذي أوقعنا، بفعل عنجهية الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية ايضاً، في شرك وجرنا الى حرب حافلة بمفاجآت لم نتوقعها"على ما كتب يئيل ماركوس في"هآرتس". وفيما عكست نتائج استطلاع نشرتها صحيفة"هآرتس"أمس اللغط الدائر في وسائل الاعلام والانتقادات الواسعة لأركان الحكومة جاء استطلاع"يديعوت احرونوت"بنتائج عكسية تقريباً ما يدلل الى أن البلبلة تسود عموم الإسرائيليين. فحسب"يديعوت أحرونوت"يؤيد 71 في المئة من الإسرائيليين توسيع الحرب البرية حتى نهر الليطاني، بينما لا تتعدى نسبتهم بحسب"هآرتس"ال39 في المئة. وبينما قال 40 في المئة يديعوت أحرونوت إن اسرائيل انتصرت، و17 في المئة انها خسرت، جاءت النتائج في"هآرتس"غير ذلك، إذ قال 20 في المئة فقط إنها انتصرت و30 في المئة انها خسرت، ورأى 42-43 في المئة، في الاستطلاعين، أن الحرب لم تأت بمنتصر أو متعادل. ووصف 73 في المئة أداء أولمرت بالجيد، في استطلاع"يديعوت أحرونوت"، بينما انخفضت في"هآرتس"الى 40 في المئة. وقال 53 في المئة هآرتس انه لو كان على رأس الهرم السياسي في إسرائيل"قياديون ذوو خبرة عسكرية وامنية"لتمت إدارة الحرب على نحو أفضل. تبقى الاشارة الى ان الاستطلاعين أُجريا قبل الكشف عن الخلافات والنقاشات الحادة داخل الحكومة الإسرائيلية، كما بانت في جلسة الأربعاء الماضي وقبل النشر الإعلامي الموسع عن الخلاف بين أولمرت ووزيرة الخارجية ورفض الأول السماح لها بالمغادرة الى نيويورك للمشاركة في النقاش حول مشروع قرار لوقف النار"لئلا يثار الانطباع لدى الرأي العام الإسرائيلي بأن أولمرت هو من أطلق شرارة الحرب، فيما ليفني عملت على اخمادها". ولفت مراقبون الى أن ليفني، أكثر وزراء الحكومة شعبية عند الإسرائيليين، لن تمر مرور الكرام على محاولة أولمرت تحجيم دورها. وتوقعوا أن تتسع رقعة الخلاف بعد أن تضع الحرب أوزارها، مشيرين الى حقيقة ان حزب"كديما"الحاكم ليس تنظيماً حزبياً حقيقياً، إنما ظهر في ظروف غير عادية، وان اشتداد الصراع داخله قد يقوّض أركانه المهزوزة أصلا، ما يعني، بكلمات أبسط، احتمال سقوط الحكومة التي لم يمر على تشكيلها سوى مئة يوم.