هل ان خطف الجندي الاسرائيلي غلعاد شاليت هو السبب الحقيقي لتدفيع الفلسطينيين"ثمناً لم يدفعوا مثله من قبل"كما هدد وزير الداخلية الاسرائيلي، أم ان اسرائيل تريد تعطيل أي تلاحم وطني فلسطيني لتقول للعالم ان"ليس هناك من نتفاوض معه؟". فقد شنت اسرائيل حملة جنونية في غزة مستخدمة طيرانها الحربي والبحرية والمشاة من أجل تحرير شاليت، في حين ان في سجونها عشرة آلاف فلسطيني من بينهم 300 طفل وامرأة. فهل ان هدف هذه الحملة الحربية الفعلي هو تحرير الجندي المخطوف، أم انها هدف لما هو أخطر وأبعد منه؟ فمنذ ان تمت الانتخابات الفلسطينية، وفازت حماس ديموقراطياً وتشكلت حكومة فلسطينية برئاسة اسماعيل هنية وهو من أنصار الشيخ احمد ياسين الذي اغتالته اسرائيل، قامت الدنيا ولم تقعد، لحرمان الفلسطينيين من المساعدات وتجويعهم بحجة ان حماس ارهابية وينبغي حجب أي تمويل عنها. فتحالف العالم الغربي بأكمله ليكسر حماس وكانت في الطليعة الولاياتالمتحدة الحليف الأساسي لاسرائيل. فكان القرار الأول عقاباً للشعب الفلسطيني على انتخابه حماس، وسعياً لتغليب الرأي العام الفلسطيني ضد حكومته وتحميلها مسؤولية البؤس المفروض عليه. إلا ان النتيجة كانت ان الرأي العام الفلسطيني تضامن مع الحكومة بسبب سياسات اسرائيل القمعية، والرافضة لوجود كيان فلسطيني على حدودها، اذ أنها لا تريد دولة فلسطينية تعيش الى جانبها. ورهانها الثاني الذي حاولت الارتكاز عليه، كان الاقتتال الداخلي الفلسطيني الذي بدأ قبل الانتخابات الفلسطينية وتفاقم بعدها وأدى الى سقوط قتلى بين الشرطة الفلسطينية والأمن الوقائي التابعين للسلطة الفلسطينية والقوات التابعة لحماس وكتائب عزالدين القسام. لكن حنكة محمود عباس السياسية ووعي اسماعيل هنية والمجتمع الفلسطيني لخطورة تعميم الحرب الأهلية التي قد تقضي على القضية الفلسطينية، افشل المحاولة الاسرائيلية. وأتيح المجال لحوار وطني عبر نداء أطلقته القيادة السياسية في السجون الإسرائيلية، وأدى الى اتفاق وطني فلسطيني شاركت فيه كل الفصائل وقيادة المجتمع الفلسطيني. فما هذه الصدفة أن تكون عملية"أمطار الصيف"الإسرائيلية بدأت بعد يوم على توقيع اتفاق الحوار الوطني؟ فالخطر الأول لإسرائيل ليس قذائف"القسام"ولا خطف الجنود، فهي رابع أقوى دولة على المستوى العسكري في العالم، وتملك قوة نووية لا أحد يناقشها بشأنها بحجة أنها قوة"عقلانية". فما تخشاه إسرائيل هو التلاحم الوطني الفلسطيني، الذي يجعل من الطرف الفلسطيني مفاوضا مشروعا ومقبولا لدى الرأي العام العالمي. والبرنامج السياسي الفلسطيني الذي اتفق عليه، لا يمكن لأحد انتقاده، لكن سياسة رئيس الحكومة الإسرائيلية ايهود أولمرت الاحادية، على غرار سياسات اسلافه، تخشى بروز شريك فلسطيني يمثل وحدة حال فلسطينية انطلاقاً من برنامج مبني على الشرعية. وإسرائيل اختارت كسر هذا الوضع وانتقلت من عملية تحرير الجندي شاليت الى محاولة القيام بانقلاب سياسي وعسكري ليس فقط على حكومة"حماس"من خلال اعتقال 64 مسؤولاً منتخباً، ولكن أيضاً على محمود عباس الذي سمح لهذا الحوار الوطني أن ينجح تحت مظلته. فإلى أي مدى تريد إسرائيل الذهاب في سياسة الرفض لكيان فلسطيني الى جانبها، هو السؤال؟ فمن يريد السلام والاعتراف بالآخر والتفاوض مع الشريك، ينبغي أن يتوقف عن التوسع والاستيطان والقمع والقصف والاعتقال واساءة المعاملة. وحتى الآن لم تبد أي إدارة إسرائيلية توجهاً حقيقياً للاعتراف بالشعب الفلسطيني وحقوقه في"دولة قابلة للعيش بسلام وأمن الى جانب إسرائيل".