إذا عاملنا جورج بوش بمبدأ"لا حرج عليه"، فهو لا يعرف ولا يستطيع أن يتعلم، فما هو عذر توني بلير الانتهازي الذكي بإجماع الآراء. أحمّل رئيس وزراء بريطانيا مسؤولية كاملة عن قتل الفلسطينيين واللبنانيين اليوم، والعراقيين قبلهم ومعهم، وأتهمه بالانحياز لإسرائيل، وبالعنصرية ضد العرب والمسلمين. وإذا كان ذهب الى واشنطن للاتفاق مع جورج بوش على حل فهو لم يفعل إلا بعد قتل حوالى ألف لبناني وتدمير بلدهم كما أرادت إسرائيل. كان بلير خدعني يوماً، واعتقدت انه سياسي نادر، شريف وإنساني، وعاش وعشت حتى رأيت منه العكس. ثمة إجماع بريطاني على انه"بودل"، أي كلب، جورج بوش، وهو أفقد بلاده التي كانت عظمى يوماً صوتها المستقل، حتى لم أعد أحسب لها حساباً، وإنما أرى ما تفعل أميركا وإسرائيل، وأتوقع أن يؤيدهما توني بلير. وكنت في استوديوات"بي بي سي"والمذيع يتحدث عن زيارته واشنطن فأذاع تسجيل حديث بوش معه في سانت بيترزبرغ. لست وحدي في موقفي هذا من رئيس وزراء استهلك رصيده كله، ولم يبق له سوى ان يستقيل، مع رجائي أن يحاكم يوماً، فأبرز الجمعيات الخيرية والإنسانية في بريطانيا دانت عدم دعوته الى وقف إطلاق نار فوري بين لبنان وإسرائيل على رغم قتل المدنيين كل يوم. وأترك القارئ أن يقارن بين رئيس وزراء انتهازي، وبين منظمة العفو الدولية وجمعية المساعدة المسيحية والمجلس الإسلامي لبريطانيا وأوكسفام وجمعية إنقاذ الطفولة وغيرها. أرجو أن أرى توني بلير يوماً وهو يدفع ثمن ما جنت يداه على بلادي العربية. وأكمل بملاحظات أخرى: * دان رئيس وزراء العراق نوري المالكي العدوان الإسرائيلي على لبنان، ووصل الى واشنطن فطُلِب منه أن يدين"حزب الله"ولم يفعل. السيد المالكي من"حزب الدعوة"، ويؤيده الزعيم الشاب مقتدى الصدر الذي كان أول من تعهد في العراق بدعم"حزب الله". وما نعرف من سنوات تشريد رئيس الوزراء عن بلاده انه قضى معظم وقته في إيران، وله فيها صداقات وأحلاف. بكلام آخر، نوري المالكي لا يستطيع أن يكون أقرب الى"حزب الله"، إلا إذا أصبح عضواً فاعلاً فيه، ثم تطلب منه إدارة بوش أن يدين"حزب الله". هل هو مجرد جهل؟ لا أدري. * السفير الأميركي في العراق زالماي خليل زاد والقائد العسكري جورج كيسي اعتذرا عن اغتصاب فتاة عراقية ثم قتلها مع أهلها، ولعلهما اعتذرا أيضاً عن قتل مدنيين في المحمودية في آذار مارس الماضي. وإيهود أولمرت اعتذر للأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان عن قتل الاسرائيليين أربعة من مراقبي الأممالمتحدة في جنوبلبنان بقنبلة موجهة، يعني أميركية الصنع كالطائرة التي أطلقتها. أقدر ان الاعتذار في العراق لم يُعد البنت الشهيدة الى الحياة، وأن اعتذار رئيس وزراء اسرائيل لم يرد الروح الى أربعة رجال من أربع دول. أعرف جنوبلبنان، وأعرف مواقع المراقبين الدوليين، فهي بعيدة عن القرى والبلدات وعليها إشارات واضحة، واتهم اسرائيل بقتل المراقبين عمداً لأنهم كانوا يسجلون ما ترتكب من جرائم. * مرة أخرى، الرئيس بوش لا حرج عليه، ولكن نائبه ديك تشيني ووزير دفاعه دونالد رامسفيلد مسؤولان مسؤولية توني بلير. أسوأ ما اقترفت إدارة بوش في ولايتيه كانت الحرب على العراق، ثم مشاركتها في الجريمة ضد الفلسطينيين واللبنانيين، وتشيني كان رئيس العصابة التي ضخمت معلومات الاستخبارات وزورت ولفقت حتى كانت حرب قتل فيها شباب أميركا وعشرات الألوف من شعبنا. وبدل أن يسكت تشيني، ويحاول إبعاد الأنظار عن الجريمة المستمرة فهو قرر أن يستغل فشل الإدارة في الشرق الأوسط في حملة الانتخابات الأميركية ليعود الجمهوريون ويواصلوا الحرب على الإرهاب. هو لا يقول ان الإدارة خسرت الحرب فالإرهاب زاد منذ بدأت حربها عليه، وأرقام وزارة الخارجية نفسها تؤكد ذلك. عندما لا يكون الموضوع وقاحة تشيني وتطرفه فهو غباء رامسفيلد الذي صرح أخيراً بما لم يفكر فيه أحد قبله فقد أكد ان تجارة المخدرات مزدهرة في أفغانستان وتمول نشاط طالبان. أقول له ان 90 في المئة من استهلاك الهيرويين في العالم مصدره أفغانستان، وإن في كابول وحدها 40 ألف مدمن، وكل هذا بفضل"التحرير"على الطريقة الأميركية، فقد كانت أفغانستان دائماً مركز انتاج للمخدرات من الفئة الأولى، إلا أن مركزها"تعزز"منذ 2001. * عندما يكون رب البيت بالدف ضارباً وحوله راقصون من حكومته بخلاخل، تكون السياسة من نوع السياسيين. الإدارة الأميركية تتهم إيران وسورية بالمسؤولية عن حرب"حزب الله"مع إسرائيل، وتريد منهما وقفه، ثم تشارك في مؤتمر عن الحرب، إلا أنها تشترط عدم حضور إيران وسورية، وتطلب من آخرين التوسط معهما. أغرب من ذلك ان الإدارة الأميركية تريد من إيران وسورية الموافقة على طلبها، وهي تقول انها لن تقدم شيئاً في المقابل، لأن المطلوب شيء يجب على سورية وإيران أن تقدماه. أنا أكبر مسالم في العالم، وإلى درجة انني لن أؤيد حرباً عربية ضد إسرائيل حتى لو كانت منتصرة، ومع ذلك لو كنت في موقع المسؤولية في طهران أو دمشق، لرفضت الطلب الأميركي، وأرجح أن العاصمتين سترفضانه حتى لو أرفق بمقابل، كما رفضت إيران حتى الآن"الحوافز"لوقف برنامجها النووي. بكلام آخر، مصيبتنا بالسياسة الأميركية وإسرائيل ستستمر وتكبر.