المدن و الشعر المدن كالنساء والنساء كالمدن لكل واحدة منهن طعم ولون وشكل ومزاج ورائحة تماما كما لكل مدينةٍ أنوثتها الشخصية .. و نكهةِ عطرها الخاص وجنونها الصاخب .. و صراخها الهستيريّ .. و جسدها الفتّان الذي يستلقي على الأرض بإغراءٍ و دلال عارضاً سحره لكلّ من يريد أن يلقي نظرةً مختلسةً سريعة .. هناك المدن المتفقة مع مصالحها والمدن الخارجة عن ضوابط الجمال والمدن المتأججة فتنة و المنبطحة أغراء و المتمددة فتنة جسد بعضها آسرة للقلب وبعضها معاندة له هناك مدينة يشعرك دفئها بمضاجعة التاريخ وأخرى يسرك رؤيتها مقبلة كشطيرة يقسمها نهر نابض0 لصدرها سطوة الريح ولثغرها متضادة الجمر والثلج وهناك مدينة ما أن تستقر بها حتى تحس بحصارها الجاثم لدرجة الاختناق ... كامرأة كلما مددت خطوط التواصل بينك وبينها... ضيّقت خارطة المكان والزمان في دواخلك... - مدينة تلهمك العشق وإن تكلس فؤادك وتحجر - ومدينه تكتب الشعر وتجيد الغناء - ومدينة تطغيك سكينتها... حالما تغتسل بطهرها الايمانى لو لم تكن المدن نساء حقيقيات لما تعلّقت أنفاس البشر بكل هذا الركام الهائل من الحجر و الطين و الإسمنت ولما التصقت روائح أجسادهم و تملّقات أحداقهم و جثث موتاهم و بصمات أصواتهم في مجاهل المكان ولمّا كان لكل أنثى ولكل مدينة أسرارها الدفينة .. و أبوابها الخلفيّة .. و قبحها الذي تواريه وراء مرابط البؤس والعوز كان لبعضها وهج الشمس وخصوبة الأرض وصخب المساء تخيل مدينة مليحة كصنعاء لا يعشقها إلا الأسوار ولا يغازلها إلا الفقر والمرض إ يقو الشاعر اليمنى القدير عبد الله البرد ونى رحمه الله في قصيدة تعد من عيون الشعر ونوادره ماذا أحدث عن صنعاء يا أبتي مليحة عاشقاها: السل والجرب ماتت بصندوق "وضاح"بلا ثمن ولم يمت في حشاها العشق والطرب كانت تراقب صبح البعث فانبعثت في الحلم ثم ارتمت تغفو وترتقب لكنها رغم بخل الغيث مابرحت حبلى وفي بطنها "قحطان" أو"كرب" وفي أسى مقلتيها يغتلي ii يمن ثان كحلم الصبا... ينأى ويقترب حبيب تسأل عن حالي وكيف أنا؟ شبابة في شفاه الريح تنتحب كانت بلادك "رحلاً"، ظهر "ناجية" أما بلادي فلا ظهر ولا غيب وعن دمشق الأنثى التي لا تعرف الخجل ولا تخشى فقر الجمال يقول نزار قباني وما أجمل ما يقول هذى دمشق وهذا الكأسُ والراحُ إنّي أحبُّ... وبَعْضُ الحُبِّ ذَبَّاحُ أنا الدمَشْقِيُّ .. لَوْ شَرَّحْتُمُ جَسَدِي لَسَالَ مِنْهُ عَنَاقِيدٌ.. وَتُفَّاحُ وَلَوْ فَتَحْتُمْ شَرَايينِي بِمِدْيَتِكُمْ سَمِعْتُمُ فِي دَمِي أَصْوَاتَ مَنْ رَاحُوا زِرَاعَةُ القَلْبِ تَشْفِي بَعْضَ مَنْ عَشِقُوا وَمَا لِقَلْبِي إذا أحْبَبْتُ جَرَّاحُ مَآذِنُ الشَّامِ تَبْكِي إِذْ تُعَانِقُنِي وَ لِلمَآذِنِ .. كَالأشْجَارِ.. أَرْوَاحُ لليَاسَمِينِ حُقُوقٌ في مَنَازِلِنَا... وَقِطَّةُ البَيْتِ تَغْفُو حَيْثُ تَرْتَاحُ طَاحُونَةُ البُنِّ جزْءٌ مِنْ طُفُولَتِنا فَكَيْفَ أَنْسَى ؟ وَعِطْرُ الهَيْلِ فَوَّاحُ خَمْسُونَ عَامَاً .. وَأَجْزَائِي مُبَعْثَرَةٌ.. فَوْقَ المُحِيطِ .. وَمَا في الأُفْقِ مِصْبَاحُ تَقَاذَفَتْنِي بِحَارٌ لا ضِفَافَ لَهَا.. وَطَارَدَتْنِي شَيَاطِينٌ وَأَشْبَاحُ هُنا جُذُورِي.. هُنا قَلْبِي .. هُنا لُغَتِي فَكَيفَ أُوضِحُ؟ هَلْ فِي العِشْقِ إيضَاحُ؟ وعن المدينة الوحيدة التي تعيش دون أسرار ودون أسوار على الإطلاق .. بيروت .. المرأة اللعوب التي أتقنَتها الحياة فمارست الحياة بكلّ خليّة من خلايا جسدها الماتع .. بيروت امرأة للحب تعيش أنوثتها بكلّ جنون و عبثيّة و فوضى .. بالرغم من إحباطاتها الغرامية المتكررة وفشلها في الارتباط بعشيق واحد كعادة كل الحسناوات غير موقفات فى تجارب العشق والحب والغرام وهذا يعود لخداع املعروض او لغرور العارض يقول غازي القصيبى رحمه الله بيروت بيروت! ويحك! أين السحر والطيب؟ و أين حسن على الشطآن مسكوب؟ و أين رحلتنا و الوجد مركبنا؟ و البحر أفق من الأحلام منصوب؟ و أنت مترعة النهدين مترفة دنياك وعد بشوق الوصل مخصوب في مقلتيك من الأهواء أعنفها و في شفاهك إيماء و ترحيب و في يميني ورود جئت أزرعها على ضفائر فيها الليل مصلوب * * * بيروت! ماذا يقول الناس؟ هل ذبحت بيض الأماني.. و غال الطفلة الذيب؟ و هل توارى مليح كان يأسرني و هل قضى قبل يوم الوعد محبوب؟ و أين ما كان-يا بيروت-إذ رقصت لي الليالي.. و طارت بي الأعاجيب؟ و أين شعر جميل لست أذكره على الصنوبر و التفاح مكتوب؟ و أين أول حب ضمني.. و مضى وقده في حنايا القلب مشبوب؟ * * * بيروت! لا تصفي لي الجرح.. أعرفه فإنه في دمائي الحمر معصوب أنا الذي أسرته الروم.. ما لحقت به العراب.. و خانته الأعاريب حملت في كبدي الآلام فانفطرت و طوحت بي إلى اليأس التجاريب أ/ محمد على المساعد [email protected]