عبرت السعودية بقوة عن خيبة أملها حيال موقف واشنطن والمجتمع الدولي من العدوان الاسرائيلي على الشعب اللبناني. فالبيان الذي صدر أمس عن الديوان الملكي السعودي أشار الى ان الرياض اتخذت موقفاً شجاعاً في بداية الأزمة، فحملت"حزب الله"مسؤولية اشعال الحرب، و"لم تأبه بمزايدات المزايدين"، وتحملت خلال الايام الماضية انتقادات أولئك الذين اعتبروا البيان تبريراً للعدوان، مع ان البيان الاول كان محاولة سعودية للامساك بزمام المبادرة السياسية، ولمقايضة مضمون البيان بمقابل سياسي يتمثل بوقف فوري لاطلاق النار، لكن ذلك لم يحدث، فشعرت الرياض بأنها خذلت وقدمت ورقة من دون ثمن، ولهذا اعلنت أمس ان"الصبر لا يمكن أن يدوم الى الأبد وانه اذا استمرت الوحشية العسكرية الاسرائيلية في القتل والتدمير فإن احداً لا يمكنه أن يتوقع ما قد يحدث، وعندما يقع المحظور لا يجدي الندم". لم تكتف السعودية بالاعلان عن نفاد صبرها، وخيبة أملها من طبيعة التحرك السياسي الدولي المتعاون مع اسرائيل والداعم لعدوانها البربري والوحشي فحسب، بل ناشدت ضمير العالم بالنظر الى ما يجري من زاوية اخلاقية ترى الرياض انها مفقودة بشكل فظيع في تعاطي الدول الغربية مع ما يجري، ثم حذرت"الجميع من انه اذا سقط خيار السلام نتيجة للغطرسة الاسرائيلية فلن يبقى سوى خيار الحرب". والسعودية لا تقول هنا انها ستشن حرباً على اسرائيل، ولا هي تعلن الحرب نيابة عن الدول العربية، وانما تقول بوضوح ان ما تقوم به اسرائيل سيجرّ المنطقة الى حرب اقليمية لا تستثني احداً، وستكون اسرائيل اول المتضررين منها. بالاضافة الى ان الرياض ارادت بهذا البيان ان تقول لواشنطن والمجتمع الدولي ان موقفها اليوم مرهون بوقف الوحشية الاسرائيلية، وانها لم تعد معنية بالضغط على اطراف عربية او اغضابها من اجل حل الأزمة، فهي بادرت منذ اليوم الاول للعب هذا الدور، على رغم معرفتها بكلفته السياسية، لكنها لم تحصل على الثمن الذي يستحقه موقفها الذي اتخذته عشية اندلاع الحرب. لا شك في ان بيان الديوان الملكي السعودي عاود تشكيل موقف الرياض، وعلى نحو ربما يقود الى مرحلة جديدة في تعامل السعوديين مع ازمة الشرق الاوسط، فهو استبدل التشدد بالاعتدال، والممانعة بالموافقة، فضلاً عن ان تغيير السعودية لموقفها على هذا النحو الغاضب سيعيد بالتأكيد تشكيل الموقف العربي. فاذا كان البيان السعودي قد حذر بحذر، وغضب بقدر، وحاول ان ينقل خطورة الموقف بلغة ملكية رصينة وراقية، فإن الآخرين سينطلقون الى مواقف اكثر تشدداً قولاً وفعلاً استناداً الى الموقف السعودي الذي لم يعتد الاعلان عن مواقفه السياسية عبر وسائل الاعلام، ويحرص دوماً على أستخدام القنوات السياسية والديبلوماسية للتعبير عن توجهاته. ولهذا يمكن القول ان الاميركان ومن خلفهم الدول الاوربية قد خسروا"تضحية السعودية"، فلو ان واشنطن استثمرت البيان السعودي الاول، وتدخلت فوراً لوقف العدوان على اللبنانيين لاستطاعت ان تدعم الاعتدال الذي تدعي انها تبحث عنه وتقف الى جانبه، ولربما استطاعت الرياض ان تلعب تالياً دوراً مهماً في نقل طاولة الحوار اللبنانية من السجال والتأجيل الى التوافق، لكن بات من الواضح ان الاعتدال لا يعني واشنطن اذا كان لا يصب في مصلحة اسرائيل، ويخدم همجيتها. البيان السعودي لم يكتف بمعالجة الشق السياسي في الازمة، بل تضمن دعماً سخياً لاعمار لبنان وفلسطين بمقدار نصف بليون دولار للبنان وربع بليون لفلسطين، بالاضافة الى وديعة بليون دولار في البنك المركزي اللبناني. وحرص السعودية على الاعلان عن حصتها في اعمار لبنان اشارة الى ان خيبة املها في جهود المجتمع الدولي السياسية، لا تعني انها سترفع يدها عن لبنان، فضلاً عن انها لا تريد ان تفتح مجالاً للمزايدة في هذه القضية، فهي صاحبة ريادة في اعمار لبنان بعد الحرب الاهلية وستبقى كذلك بعد هذه الحرب، ولعل ضخامة الدعم المالي موشر الى ان الرياض لن تسمح للآخرين بالتحكم بلبنان تحت شعار الاعمار، ولهذا أعلنت عن ارقام يصعب على الاخرين مجاراتها، وهذه الارقام ليست نهائية، فهناك التبرعات الشعبية التي ستبدأ اليوم، ما يعني ان السعودية ستكون اكبر متعهد لاعمار لبنان، وصاحبة النفوذ الاكبر في هذا الملف.