مَنْ كان يتصور أن ذلك الفتى القصير، الذي ولد في حي باب الشعرية، أحد أقدم أحياء القاهرة، في 28 كانون الأول ديسمبر 1921 وهو الحي الذي ولد فيه نجيب الريحاني ومحمد عبدالوهاب، سيصبح عبدالمنعم مدبولي أحد أهم علامات الكوميديا العربية وصاحب تيار"المدبوليزم"الذي غيّبه الموت أمس عن 85 عاماً. رشحه نجيب الريحاني للالتحاق بمعهد الفنون المسرحية وهو في الثامنة والعشرين من عمره، بعد أن تخرج في مدرسة الصناعات الزخرفية، وعمل في فرقة جورج أبيض وفي فرقة فاطمة رشدي، الى جانب عمله في ورشة كلية الفنون التطبيقية. لم ينكر مدبولي في حواراته الصحافية والتلفزيونية انه عاش طفولة صعبة، وعمل في مهن متعددة في صباه كي يكسب قوت يومه، إذ عمل سباكاً وخياطاً. وبعد تخرجه في معهد الفنون المسرحية طوّر حضوره المسرحي والإذاعي. ورفض التفرغ في فرقة المسرح المصري الحديث مع الرائد زكي طليمات، مكتفياً بمشاركته في بعض عروضها. شارك العام 1956 في تكوين فرقة"المسرح الحر"وأخرج خمس مسرحيات هي"الأرض الثائرة"و"حسبة برما"، و"خايف اتجوز"، و"مراتي نمرة 11"، و"الرضا السامي". وفي الخمسينات ايضاً شارك، إعداداً وتمثيلاً، في البرنامج الإذاعي الفكاهي"ساعة لقلبك". وقدم نوعين من الهزليات تحاكي ما كان يقدمه الريحاني في العشرينات، وكانت هزلياته قائمة على لفظة"هايجننوني"التي نجحت اذاعياً وتحولت الى فيلم بالعنوان نفسه للمخرج فطين عبدالوهاب، وصاغ مدبولي السيناريو والحوار للفيلم الذي قام ببطولته اسماعيل ياسين. وظل مدبولي شخصية ثانية في الأفلام التي مثلها، خصوصاً مع فؤاد المهندس ومحمد عوض، اذ لم يكن صاحب حظ في السينما، الا انه حقق نجاحاً كبيراً في المسرح الهزلي، ومن مسرحياته"جوزين وفرد"،"مطار الحب"،"حالة حب". كما أخرج مسرحيات"جلفدان هانم"،"السكرتير الفني"،"أنا وهو وهي"، و"حلمك يا شيخ علام"و"ريا وسكينة". ومن أمتع ما قدم مدبولي في التمثيل ذلك القائم على فن الاراجوز وفن الكوميديا الشعبية عموماً، خصوصاً في دور فنان المسرح الجوال، المتشرد، المفلس في مسرحية"هاللو شلبي". شارك في تمصير مسرحيات عالمية، ووظّف فيها جيل الإضحاك الهزلي والكوميديا الشعبية، معتمداً على ما أطلق عليه"المدبوليزم"، وهو النهج الذي قدمه في مسرحية"الضفادع"لأريستوفان ومسرحية"الزوج الحائر"لموليير. و"المدبوليزم"تقوم على تكرار الكلمات بنغمات وأطوال مختلفة، فيأتي الضحك من تحول الانسان الى اراجوز، وينبع الضحك من سوء التفاهم والتلاعب بطبقات الصوت المتغيرة. على رغم نجاحاته المسرحية الا انه دخل عالم السينما على استحياء وهو في السابعة والثلاثين من عمره في فيلم"أيامي السعيدة"لأحمد ضياء الدين، العام 1958، و"مطاردة غرامية"لنجدي حافظ 1968، و"الحفيد"لعاطف سالم 1974. وقدم مجموعة من الأفلام الغنائية منها"أهلاً يا كابتن"لمحمد عبدالعزيز 1978، و"مولد يا دنيا"لحسين كمال 1974، و"المرأة والساطور"لسعيد مرزوق. لكن حضوره اللافت كان في فيلم"إحنا بتوع الأوتوبيس"لحسين كمال أيضاً الذي ركز على فترة تشدد الأجهزة الأمنية في المرحلة الناصرية. وكان له حضور على الشاشة الصغيرة في مسلسلات أبرزها"ابنائي الأعزاء شكراً"الذي قدم فيه شخصية"بابا عبده". وبرحيل عبدالمنعم مدبولي المؤلف والمعد والمخرج المسرحي والممثل، أغلقت مدرسة"المدبوليزم"أبوابها بعد ان قدمت مجموعة من نجوم الكوميديا أبرزهم عادل إمام وفؤاد المهندس ومحمد عوض.