"غادر المكان، واترك أكوام النفايات على حالها حفاظاً على حياتك". هذا الشعار"الانذار"قرأه أحمد على لوحة معدنية رميت في أحد أكوام النفايات قرب رصيف المشاة على الطريق الرئيسي في حي الدورة. ويروي احمد، وهو عامل تنظيفات في ربيعه الثاني، تفاصيل الحكاية قائلاً:"لم اجازف، وقررت المغادرة فور عثوري على اللوحة مع مجموعة من زملائي الذين نقلتهم احدى سيارات امانة بغداد الى المكان للقيام بعمليات التنظيف لنسمع في اليوم نفسه انفجار عبوة في المكان نفسه". ويضيف:"قتل الكثير من عمال التنظيفات اثر استهدافهم برصاص مسلحين مجهولين يحاولون منع العمال من رفع اكوام النفايات عن الطرق الرئيسية والخارجية في الأحياء الساخنة وسط بغداد التي تستخدمها الجماعات المسلحة بمثابة مصائد للأرتال الاميركية وقوافل الشرطة والمسؤولين التي تمر عبر هذه المناطق وتقوم بزرع العبوات الناسفة". ويروي عامل تنظيف آخر، رفض كشف اسمه، تفاصيل قتل مسلحين ملثمين ثلاثة من زملائه اثناء قيامهم بعملية رفع اكوام النفايات من الطريق السريع، احد الشوارع الرئيسية في حي الخضراء غرب بغداد ويقول ان"الجماعات المسلحة كتبت عبارات على سياج الطريق السريع تمنع فيها عمال التنظيفات من العمل هناك". "ابو سلمان"عامل التنظيف، الذي بالكاد يعيل عائلته، يتحدث بحرقة عن مقتل نجله الذي كان يعمل معه في المكان نفسه في شارع المنصور قبل شهر:"نحن فقراء، أجبرتنا اللقمة الحلال على هذه المهنة. فماذا يريدون منا حتى نصبح اهدافاً سهلة لهم؟!". ويؤكد عامل آخر امتناع معظم عمال التنظيفات عن الذهاب الى الاحياء الساخنة، مثل الدورة والخضراء والغزالية والعامرية وحي العامل وبعض مناطق الأعظمية، مشيراً الى ان عمليات رفع اكوام النفايات في تلك المناطق تتم بإشراف القوات الاميركية التي قال انها"توفر حماية اكبر لعمال التنظيفات من السلطات المحلية". ويؤكد محافظ بغداد حسين الطحان عزوف عشرات عمال التنظيفات عن الذهاب الى المناطق الساخنة، ويضيف ان"امانة بغداد لا تستطيع توفير الحماية الى كل عمال التنظيفات، خصوصاً أن استهدافهم من جانب المسلحين ناتج عن الحالة الامنية المتردية التي تعيشها البلاد حالياً والتي جعلت من كل العاملين في مؤسسات الدولة اهدافاً للجماعات المسلحة لأسباب مختلفة"، لافتاً الى"الاستعانة بالقوات الاميركية في تنظيف بعض المناطق الساخنة في العاصمة حيث تقوم بعض الارتال العسكرية الاميركية بمرافقة عمال التنظيفات وحمايتهم اثناء قيامهم برفع اكوام النفايات في تلك المناطق". ويلفت المحافظ الى ان"عمال التنظيف ليسوا وحدهم المستهدفين، فالجماعات المسلحة غالباً ما تفجر عبوات ناسفة بسيارات النفايات المتوقفة في بعض المناطق فيما تتعرض سيارات اخرى الى اطلاق نار كثيف عند توقفها لرفع النفايات". ويشير الى ان"الكثير من سيارات النفايات سرق لاستخدامه في عمليات ارهابية"، ويؤكد ان"القوات الاميركية والعراقية كشفت استراتيجية الجماعات المسلحة في استخدام النفايات مكاناً لزرع العبوات الناسفة، لكن معالجة هذه القضية تحتاج الى وقت طويل، خصوصاً في المناطق الساخنة من بغداد". ويذكر ان"ظاهرة استهداف عمال التنظيفات تسببت في تراكم النفايات في الاحياء الساخنة البعيدة عن مركز المدينة مثل الغزالية والدورة". وعلى رغم عدم وجود احصاءات رسمية عن عدد العمال الذين قتلوا في المناطق الساخنة الا ان جمعية العمال العراقيين تؤكد مقتل 45 شخصاً من عمال التنظيفات اثناء تنظيفهم الشوارع في حوادث متفرقة،"بعضها جاء صدفة عبر تعاملهم مع العبوات، خصوصاً وانهم يخرجون الى الشوارع في ساعات مبكرة من الصباح، وبعضهم يتصادف وجوده مع زرع العبوة في الساعة نفسها، واخرى ناتجة عن اطلاق نار فوري من جانب مسلحين مجهولين".