مساعد وزير الداخلية لشؤون التقنية يشهد حفل ملتقى "أبشر" العاشر للتحول الرقمي    التشويش وطائر المشتبهان في تحطم طائرة أذربيجانية    حملة سناب شات "المملكة بالواقع المعزّز" تستقطب 10 ملايين شخص    فشل كل المحاولات لوقف النار في غزة    روسيا وأوكرانيا.. تصعيد حرب البنى التحتية ومحطات النفط    الأحمر أول المتأهلين    خادم الحرمين وولي العهد يعزّيان رئيس أذربيجان في ضحايا حادث تحطم الطائرة    حرس حدود عسير ينقذ طفلاً مصرياً من الغرق أثناء ممارسة السباحة    صدور الموافقة السامية على تشكيل مجلس إدارة الهيئة السعودية للملكية الفكرية    الأخضر السعودي يتغلّب على اليمن بثلاثية في كأس خليجي 26    وزراء خارجية الخليج يناقشون تطورات سورية ولبنان غداً    افتتاح فرع هيئة الصحفيين في جدة والساعد مديرًا له    هيئة المسرح والفنون الأدائية تطرح رخصها على منصة "أبدع"    الاتحاد السعودي للهجن يكشف تفاصيل البرنامج الزمني لمهرجان خادم الخرمين الشريفين 2025    عبر منصّة «أبشر».. «الداخلية» تعلن تجاوز الهويات الرقمية 28 مليوناً    الراجحي يشارك اجتماع وزراء التنمية الاجتماعية العرب    اللهيبي: النظام يوحّد ويجوّد منظومة الدعم الفني    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    ملك البحرين يستقبل الأمير تركي بن محمد بن فهد    الأمر بالمعروف في جازان تفعِّل المعرض التوعوي "ولاء" بالدفاع المدني    أمير الشرقية : الدكتور عبداللّه الربيش قدم جهوداً مميزة ومقدره    بالمسيرات والمدفعية.. مواجهات دامية بين قوات الجيش والدعم السريع    تركي آل الشيخ يتصدر أكثر الشخصيات تأثيراً في عالم الملاكمة لعام 2024    مفوض الإفتاء بجازان: "التعليم مسؤولية توجيه الأفكار نحو العقيدة الصحيحة وحماية المجتمع من الفكر الدخيل"    تنفيذ حكم القتل قصاصاً بإحدى الجانيات في منطقة الرياض    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    "السويلم" يدعم مستشفى البكيرية العام لتأمين عددًا من الأجهزة الطبية    وزير الطاقة يزور عدة مصانع متخصصة في إنتاج مكونات الطاقة في المدينة الصناعة بالرياض    «تقييم الحوادث»: قوات التحالف لم تستهدف «مستشفى باقم» ولا «اليتمة» ولا مدنيين    وزير التعليم يُدشِّن أول مدرسة حكومية متخصصة في التقنية للموهوبين    صحيفة الرأي الالكترونية توقّع شراكة مع جمعية يُسر بمكة لدعم العمل التنموي    بأكثر من 12.6 مليار ريال.. أمير جازان يُدشِّن ويضع حجر الأساس ل 552 مشروعًا    أمير الشرقية يرعى الاحتفال بترميم 1000 منزل في المنطقة    الإسعاف الجوي بنجران ينقل مصابا في حادث انقلاب    السعودية وقطر تعقدان الاجتماع الثاني للجنة التنسيق الأمنية والعسكرية    الأمير عبد العزيز بن سعود يكرم مجموعة stc الممكن الرقمي لمعرض الصقور والصيد السعودي الدولي ومهرجان الملك عبدالعزيز للصقور    استشهاد فلسطيني متأثراً بإصابته في قصف إسرائيلي شمال الضفة الغربية    وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية تواصل رفع الوعي بتعديلات مواد نظام العمل    "التخصصي" يتوج بجائزة التميز العالمي في إدارة المشاريع في مجال التقنية    "سعود الطبية" تعقد ورشة عمل تدريبية عن التدريب الواعي    الإحصاء: ارتفاع مساحة المحميات البرية والبحرية في المملكة لعام 2023    اتركوا النقد وادعموا المنتخب    تقنية الواقع الافتراضي تجذب زوار جناح الإمارة في معرض وزارة الداخلية    لغتنا الجميلة وتحديات المستقبل    أترك مسافة كافية بينك وبين البشر    مع الشاعر الأديب د. عبدالله باشراحيل في أعماله الكاملة    أمير الرياض ونائبه يعزيان في وفاة الحماد    أمير الرياض يستقبل سفير فرنسا    نائب أمير منطقة مكة يرأس اجتماع اللجنة التنفيذية للجنة الحج المركزية    زوجان من البوسنة يُبشَّران بزيارة الحرمين    إطلاق 66 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    إعلان استضافة السعودية «خليجي 27».. غداً    القهوة والشاي يقللان خطر الإصابة بسرطان الرأس والعنق    القراءة للجنين    5 علامات تشير إلى «ارتباط قلق» لدى طفلك    الدوري قاهرهم    «عزوة» الحي !    استعراض خطط رفع الجاهزية والخطط التشغيلية لحج 1446    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العراقية الأولى تعترف في حديثها الصحافي الأول بأنها مقصرة حيال بغداد . هيرو طالباني : الظروف لن تسمح لزوجي بالتغيير ... ولهذا كنت ضد ترشحه لرئاسة العراق
نشر في الحياة يوم 28 - 12 - 2010

لا تفارق الشجاعة صوتها المجروح ببحّة شجيّة، ولا الحزن الدفين ابتسامتها المتفائلة. هيرو ابرهيم أحمد، عقيلة الرئيس العراقي جلال طالباني، كشفت لنا، في حديث هو الأول لها في الصحافة العربية، مشاهد كثيرة من حياتها النضالية الطويلة، منذ طفولتها في مدينة السليمانية، وحتى اليوم، مروراً بسنوات المنفى والمقاومة في جبال العراق، في صور تمر كشريط حيّ أمام عيوننا، وهي العالمة بشؤون التصوير وأسراره. سيدة العراق الأولى، امرأة استثنائية في نضالها وفي الحياة الصعبة وغير المستقرّة التي عاشتها. جرّبَت كلّ أنواع الحياة..."جربتُ الجوع والبرد والحرّ والحرمان والوجع والنقص في الأدوية، والحياة في الخيم أو في بيوت من طين أو حجر"... قدر بعض الشعوب، ومنها الشعب الكردي، ان يعيش مأساة اغريقية يتوارثها جيلاً بعد جيل. إلا ان هذه السيدة الكردية أصرّت على أن تورث ولديها الوحيدين، بافل شلال وقوباد، الحبّ والتسامح، وحرية اختيار الحياة التي يريدان.
في جناحها الخاص في الفندق اللندني حيث تنزل، باقات ورد وزّعت هنا وهناك. السيدة هيرو تعشق الورود... عشق تتقاسمه مع دانييل فرنسوا ميتران، أمّ الأكراد، التي التقتها أكثر من مرة. ومع رائحة الورود الممتزجة برائحة سيجارة السيدة هيرو، ينطلق الحديث.
لماذا هذا الغياب عن الإعلام، حتى الإطلالة الأولى في المؤتمر العالمي لسيدات الأعمال في لندن؟
- لا أحبّ المقابلات الصحافية. فقد عملتُ في مجال الإعلام والتصوير التوثيقي فترة طويلة وما زلت حتى الساعة، ومن الصعب عليّ أن أرى نفسي على الجهة الأخرى من الكاميرا، ولطالما كنتُ خلف العدسة وليس أمامها. وأنتِ تطلبين منّي الآن أن ألعب الدور المعاكس... صدّقيني هذا صعب. إضافة الى ان كلامي لا يعجب العديد من الصحافيين لأنني لا أجامل ولا أتجمّل بل أقول اقتناعاتي كما هي، وبالفم الملآن.
ولكنّ الكل يريد أن يتعرّف أكثر الى سيدة العراق الأولى، من هي هيرو ابرهيم أحمد؟
- إنه سؤال صعب لأن المرء لا يمكنه أن يبصر نفسه بعين مجردة، كي يعرف حقاً من هو... أنا أنا لم أتغيّر، منذ كنتُ مقاومة في جبال العراق إلى المقاومة من المنفى إلى الرئاسة الأولى للعراق، لم أتغيّر ولم تتغيّر اقتناعاتي قيد أنملة. أنا امرأة كردية عشت طفولة سياسية غير مستقرة، متنقّلة بين لبنان وسورية ومصر وإيران، وبقيت على هذه الحال حتى بعد أن تزوّجت وأنجبت ولديّ. ظروف حياتي كانت دوماً صعبة وغير طبيعية ولم أعرف يوماً الراحة ولا الاستقرار.
لماذا لا تحملين اسم زوجك الرئيس جلال طالباني، وتصرّين على حمل اسم والدك ابرهيم أحمد؟
- انه من الظلم في رأيي، أن تتخلى المرأة عن اسم والدها وعائلتها فور زواجها لتحمل اسم زوجها. وهنا أسأل: ما الخطأ في اسم عائلتها؟ لقد ولدت تحمل هذا الإسم وقد رافقها سنوات طويلة، وهي معروفة به فلماذا تتخلى عنه فجأة لتحمل اسم عائلة أخرى؟ إن في ذلك تنكّراً لوالدها وعائلتها وهويتها. ولا أريد أن يُفهم موقفي هذا محبّة أو احتراماً أقلّ لزوجي.
كيف تلقيت خبر انتخاب زوجك جلال طالباني رئيساً للعراق؟
- لم أكن في الأصل أحبّذ ترشيحه للرئاسة ولم أهلّل لفوزه. وربما كنت الوحيدة التي كانت تدعو الى الله ألا ينتخب رئيساً. كنتُ وما زلت معارضة لانتخابه رئيساً. وهو يعرف موقفي هذا تمام المعرفة.
وهل خوفك على حياته وراء معارضتكِ انتخابه رئيساً؟
- أبداً فأنا امرأة مؤمنة وأعرف تماماً انه لا يمكنني أن أختبئ من الموت ولا أن أخبئ أحبائي منه. أسلّم أمرنا لله وأهلاً بالموت متى ما جاء.
لماذا عارضتِ إذن ترشيحه وانتخابه رئيساً؟
- عارضت ترشيحه لأنني عشتُ الى جانبه نضالاً طويلاً مضنياً، وأعرف جيداً أفكار جلال طالباني واقتناعاته النضالية وتطلعاته السياسية التي في رأيي ستصطدم بجدار الواقع الصعب. وظروف العراق كما الظروف الدولية والإقليمية الراهنة لن تسمح بالتغيير والإنجاز.
هل تعارضين أيضاً انخراط ولديك بافل وقوباد في مجال السياسة؟
- بافل البكر، يعيش وعائلته معي في السليمانية أما قوباد فيعيش في أميركا وقد تسلّم أخيراً رئاسة مكتب حزب الإتحاد الوطني الكردستاني هناك. لم أحاول لحظة واحدة أن أؤثر في قراراتهما أو خياراتهما الحياتية، وفعلتُ معهما ما فعله والدي معي ومع اخوتي عندما ترك لنا كامل الحرية في تقرير مستقبلنا. لقد اختار بافل وقوباد ما اختاراه بكامل إرادتهما واقتناعتهما. وكان انخراطهما في صفوف الحزب مفاجأة لي ولوالدهما على حدّ سواء.
قدر بعض الشعوب ان تعيش مأساة إغريقية تورثها لأبنائها جيلاً بعد جيل، ومنها الشعب الكردي والأرمني والفلسطيني. هل كان من الصعب عليك كأم كردية أن تربي ولديك؟ وأي قضية أورثتهما؟
- لم يكن سهلاً عليّ أن أربي ولديّ في ظلّ ظروف مأساوية صعبة. زرعتُ في ولديّ قوة البقاء والإستمرار كما زرعتُ فيهما المحبة والتسامح، لأن العيش في هاجس الإنتقام جحيم دائم. وي`بقى لهما اختيار مستقبلهما. القضية لا تورث، إنها اختيار شخصي بحت.
كيف تغيّرت حياتك من زوجة مناضل عسكري الى زوجة رئيس؟
- لم ولن تتغيّر. ما زلت أنا أنا وحياتي هي هي. ان لقب السيدة الأولى لا يضيف الى حاملته شيئاً، بل يلقي على عاتقها حملاً كبيراً. فالمنصب يتطلّب عملاً جدّياً بعيداً عن المزايدات الإعلامية والدعائية. لقد قمت وأقوم بنشاطات اجتماعية كثيرة في السليمانية وكردستان العراق، من قبل أن يتولى زوجي رئاسة العراق. وأعترف انني مقصّرة في منطقة بغداد، لافتقادي شبكة الإتصالات اللازمة هناك، خصوصاً انني كنت لفترة طويلة بعيدة عن العراق، فقدت خلالها اتصالي ببغداد وأهلها. إن إطلاق أيّ مشروع إجتماعي يتطلّب إيجاد فريق العمل الملائم لإدارته، وهو ما ينقصني حالياً في بغداد. لكنني أسعى جاهدة إلى إعداد الأرضية الملائمة لمشروع كبير هناك ما زال قيد الدرس. صدقيني ينتابني الخجل عندما أتحدّث عن بغداد ولم أقم بأيّ عمل ميداني فيها بعد. ولن أتحدّث عن بغداد قبل أن أحقق مشروعاً يخدم أهلها.
ماذا عن لقاءاتك وصداقاتك بسيدات أوليات؟
- قد تكون الإضافة الوحيدة التي طرأت على حياتي هي علاقاتي بسيدات أوليات صاحبات ثقل عالمي كالملكة رانيا العبدالله التي أحببتها وأعجبت كلّ الإعجاب بشخصيتها القوية والآسرة والمثقفة والطموحة، كما أعجبت بنشاطها وديناميكيتها وأناقتها. كذلك التقيت السيدة الأميركية الأولى لورا بوش وزوجة رئيس الوزراء البريطاني شيري بلير، وهما شخصيتان نسائيتان فاعلتان.
التقيتِ أيضاً أيام النضال العسكري دانييل فرنسوا ميتران، المعروفة بأم الأكراد. ماذا تذكرين عن ذلك اللقاء؟
- التقيتها يوم كانت سيدة أولى. استقبلتني ووفداً نسائياً كردياً في مكتبها في باريس. كانت تشبه الفراشة بشخصيتها الناعمة والهادئة والشجاعة في الوقت نفسه. وكان مكتبها عبارة عن غرفة واسعة وضع في ركن صغير منها مكتب خشبي صغير وبعض الكراسي وقد ملأت الورود باقي أرجاء الغرفة، فهي عاشقة كبيرة للورود... كذلك أنا، لذا فإن الورود أكثر ما بقي في ذاكرتي منذ ذلك الوقت. وعدت والتقيتها مرة ثانية أوائل التسعينات يوم قامت بزيارة خاصة لكردستان.
أنا وجلال طالباني
يقول نابوليون بونابارت وراء كلّ رجل عظيم امرأة تدفعه الى الأمام، هل ينطبق هذا على علاقتكما الزوجية؟
- دعيني أقول ان العكس يصحّ أيضاً. فلو لم يكن جلال طالباني رجلاً منفتحاً وديموقراطياً لما حقّقت ما حقّقته من طموحات في حياتي.
وأي دور لعبته إلى جانب زوجك، مذ كان رئيساًَ لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، إلى ان صار رئيساً للعراق؟
- كنتُ دائماً الى جانبه أيام النضال في جبال العراق، يوم كنا عرضة للقذائف والقصف المدفعي. وكنت أيضاًَ الى جانبه أيام الغربة والتهجير والمنفى. كما انا اليوم إلى جانبه في كلّ ما يقوم به.
حدثينا عن تجربتك النضالية الى جانب الرئيس العراقي في جبال كردستان العراق.
- تجربة يمكنني أن أشبهها بتجربة روبنسون كروزو. كنا نعيش حياة بدائية محكومة بالتنقّل المستمرّ، عشنا في الخيم وفي منازل من طين وأخرى من حجر، جرّبنا كلّ أنواع الحياة. جربنا الجوع والبرد والحرّ والحرمان والوجع والنقص في الأدوية. وغالباً ما كانت وجباتنا مرتكزة على التمور والخبز والبطاطا وكان الرز لنا ترفاً لا نحصل عليه إلا نادراً كذلك اللحوم. أما الأصعب فكان ابتعادي القسري عن ولديّ إذ بقيا في السليمانية مع والدتي التي تولّت تربيتهما.
هل تتناقشين والرئيس طالباني في مسائل السياسة ومشاكلها؟
- أتناقش والرئيس في مسائل سياسية كثيرة، أوافقه الرأي حيناً وأعارضه أحياناً. نقاشنا لا يعني أن على أحدنا أن يغيّر الآخر. فلكلّ منا اقتناعاته السياسية التي ترافقه أبداً. وهو دائماً يناديني بجبهة المعارضة وتضحك.
ماذا تخبريننا عن جلال طالباني الزوج والأب؟
- هو زوج ديموقراطي بامتياز في البيت كما خارجه. يكره الظلم ويؤيد ان تعطى المرأة كل حقوقها المدنية. وهو ما أحبّه أكثر فيه.
كيف تعرّفتِ الى جلال طالباني؟وماذا لفتكِ فيه أول ما لفتكِ؟
- كان يتردّد كثيراً الى منزلنا كونه ووالدي في الحزب نفسه، حزب الاتحاد الوطني الكردستاني. وقد لفتتني طيبته الفائقة وتعامل الأخلاقية العالية مع أفراد أسرتي. والطيبة هي أهمّ صفة في المرء لأنها في رأيي خلاصة صفات حميدة عدة منها الأخلاق العالية والصدق والإنسانية والحنان والديموقراطية الخ... وأعترف بأنني لو كنتُ متزوجة من رجل غير ديموقراطي مثل جلال لما استمر زواجي كلّ هذه السنوات. فأنا امرأة معروفة بعنادي وتمسّكي بمواقفي حتى النهاية... كردية أصيلة وتضحك
إذن هذا هو سرّ دوام زواجكما... هل هناك من وصفة ناجحة أخرى لزواج ناجح مثل زواجكما؟
- الصداقة بين الزوجين هي مفتاح الزواج الناجح. فالديكتاتورية وتفرّد طرف دون آخر في الرأي يقضيان على العلاقة بين الزوجين ويقودانها الى نهايتها.
طفولتي القاسية
ماذا تذكرين عن طفولتك وزياراتك لوالدك في السجن وأنتِ بعد طفلة؟
- كانت والدتي تصطحبني الى السجن المركزي في بغداد لزيارة والدي، وأنا بعد طفلة لا تتجاوز الثالثة من عمرها ولا تعي حقائق الأمور. وكنت أعتقد ان السجن هو المنزل الطبيعي الذي يقيم فيه والدي. وأذكر انه عندما عاد والدي الى البيت بعد سجن طويل، سألته مستغربة: بابا ماذا تفعل في بيتنا؟ لماذا لا تعود الى بيتك وأعني به السجن في بغداد؟ وظلّ والدي يتندّر بهذه الحادثة حتى أيامه الأخيرة.
هل هناك ذكرى أخرى باقية في البال من طفولتك في مدينة السليمانية؟
- في العادة يحتفظ الناس بذكريات حلوة من طفولتهم، لكنّ هذا، مع الأسف، ليس حالي. أذكر حادثة كنت فيها وأخواتي واخوتي مختبئين مع جدتي لأمي في منزل في السليمانية وكان قد حلّ الظلام وقد فرض على المدينة حظر تجوّل، وفجأة سمعنا دويّ رصاص غير منقطع لم يُعرف مصدره... خفنا كثيراً الى درجة اننا ودّعنا بعضنا البعض في حال لم يطلع فجر علينا، ونمنا في حضن جدّتي. وفي اليوم التالي عرفنا ان انقلاباً حصل في العراق، ودويّ الرصاص ذاك لم يكن سوى للاحتفال بالزعيم الفائز .
ولا بدّ لي أن أذكر ان جدّتي كانت راعية العائلة في غياب الوالد. وكانت، رحمها الله، سيدة قديرة وشجاعة، وناشطة سياسية من الدرجة الأولى تساعد في طباعة المنشورات السياسية ونقلها من منطقة الى أخرى في كردستان بهدف توزيعها على الأكراد في أنحاء البلاد المختلفة.
هل يمكن القول انكِ أخذت عن جدتك لأمّك حبّ الإعلام والطباعة والنشر؟
- على الإطلاق... فعائلتي لم تمارس علينا أيّ ضغوط للتأثير في توجهاتنا السياسية أو المهنية أو الحياتية. لقد ترك والدي لي كما لأخواتي الخمس وأخويّ، الحرية الكاملة في اختيار المستقبل الذي نريده. وكنت بعيدة كلّ البعد عن العمل النضالي، لكن الظلم الذي عرفته عائلتي وشعبي جعلني أختار الإعلام رسالة أحمّلها المأساة الكردية. هذا هو الحقل الذي أعيش من خلاله وطنيتي. لكنني يجب أن أعترف بأنني بعيدة كلّ البعد عن العمل السياسي، فأنا لا أتقن السياسة ولا زواريبها.
وكيف جاء انخراطك في عالم الإعلام والتصوير التوثيقي؟
- عندما عدنا من الغربة للإقامة في جبال العراق، حاولت أن أجد لي دوراً نضالياً، فكان ان اقترح بعض المقربين عليّ أن أعمل في مجال التمريض ومساعدة المقاتلين الجرحى، لكنني رفضت لأنني أخاف منظر الدماء. حاولت لكنني لم أقدر... وكان ان انخرطت في مجال التصوير التوثيقي في أوائل الثمانينات، وكان مجالاً جديداً على بيئتي التي لم تكن قد عرفت تصوير الفيديو بعد.
والدك ابرهيم أحمد كان رحمه الله كاتباً وشاعراً وترك مذكرات تؤرخ حقبة من تاريخ كردستان العراق، ووالدتك كلاوريج سهيلة روائية كبيرة، كيف أثّرا فيك؟ وهل أخذتِ عنهما مَلكة الكتابة؟
- لا أنكر ان لوالدي التأثير الكبير فيّ، فأنا أشبهه في أمور كثيرة أهمها التمسّك بموقفي والثبات على رأيي حتى النهاية، حتى ان أمي كانت تناديني"ابرهيم أحمد الصغير". أما الكتابة، فأعتقد انها تسري في عروقي وإن كنتُ لم أمتهنها، فأنا أكتب سيناريوهات للأطفال كما أكتب زاوية شهرية في إحدى المجلات التابعة للمجموعة الإعلامية"خاك"أي الأرض التي أملكها والتي تضمّ مجلات وصحيفة باللغة الإنكليزية ومحطة تلفزيونية وإذاعة. لكن التصوير يبقى شغفي الكبير.
كمصوّرة فوتوغرافية وفيديوغرافية، تملكين مجموعة أرشيفية ضخمة من الأفلام الوثائقية التي تصلح لأن تؤرّخ سنوات طويلة من النضال والحروب في كردستان، هل يمكن للصورة أن تغيّر مجرى الأحداث وتصنع مستقبل شعب ما؟
- يمكن للصورة أن تغيّر مجرى أحداث سياسية أو اجتماعية معيّنة إن وصلت الى الإعلام. لقد فرض على الأكراد حصار إعلامي، ولم تكن وسائل الإعلام الأجنبية تنشر أيّ فيلم أو صور عنهم على رغم انني كنت أحرص شخصياً وبطرقي الخاصة على إيصال الشرائط والصور الى المحطات الأجنبية. أملك الكثير من الأفلام القاسية والدموية التي تجسّد وحشية الإنسان ضد أخيه الإنسان. عندي صور غير منشورة لمجزرة وادي"جافايتي"وصورتان عنيفتان لضحايا مجزرة"مرغا"رفضتُ نشرهما لتضمنهما مشاهد عنف قاسية تهزّ الكيان الإنساني.
نظرة الى المستقبل
هل كنتِ لتختارين حياة أخرى غير التي كانت لكِ، لو قدّر لك أن تختاري الحياة التي تريدين؟
- لا أعتقد ان أيّ عراقي كان له الخيار في اختيار الحياة التي يريدها، فظروف العراق والمنطقة هي هي، ولم نعطَ يوماً فرصة الخيار. حياتنا كانت قدراً مكتوباً على جباهنا.
هل أنتِ متفائلة اليوم بمستقبل العراق، في ظلّ مسلسل الموت اليومي وكلّ الدماء التي تهرق؟
- طبعاً متفائلة لأن التفاؤل جزء من إيماننا بالغد. تجربتنا في كردستان تؤكد ان الشعوب قادرة، بإرادتها الصلبة وعزيمتها، على إعادة بناء ما تهدّم وتضميد الجراح من أجل مستقبل أفضل. وكلّي ثقة بأن الشعب العراقي قادر على تحقيق ذلك، إذا توقّف بعض الدول عن تصدير الإرهاب إلينا. لو ان الأموال التي صرفت على الإرهاب والمتفجرات، تصرف على الإنماء، لكان العراق اليوم بألف خير. حيث تزدهر البطالة والفقر ينمي الإرهاب.
يحكى الكثير عن تقسيم العراق، ما رأيك؟
- أعتقد ان التقسيم مسألة غير واردة، على الأقلّ في الوقت الحالي.
وماذا عن الفيدرالية؟
- الفيدرالية طريق طويل وصعب نحقّقه بالإرادة والتصميم.
كلمة أخيرة إلى العراق.
- من حقّ أبناء العراق أن يعيشوا بحبّ وسلام وكرامة وكبرياء، ويختاروا مستقبلهم بحرية تامّة، هم الذين حطّمهم لا بل دمّرهم النظام السابق والحظر الدولي الذي فرض عليهم طويلاً، ولم تبقَ لهم حتى الحرية في خيار وجبة الغذاء التي بات يختارها بالنيابة عنهم رجال النظام وموظفو الأمم المتحدة. آن الأوان كي يختار العراقي حياته الحرّة والكريمة بنفسه، وكفانا، كفانا، كفانا دماء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.