الفكر الإبداعي يقود الذكاء الاصطناعي    السعودية وكأس العالم    «الإحصاء»: 12.7% ارتفاع صادرات السعودية غير النفطية    حلاوةُ ولاةِ الأمر    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    حائل.. سلة غذاء بالخيرات    حملة «إغاثة غزة» تتجاوز 703 ملايين ريال    رغم الهدنة.. (إسرائيل) تقصف البقاع    أفغانستان: 46 قتيلاً في قصف باكستاني لمخابئ مسلحين    وطن الأفراح    الحمدان: «الأخضر دايماً راسه مرفوع»    المملكة ترحب بالعالم    رينارد: مواجهة اليمن صعبة وغريبة    "الثقافة" تطلق أربع خدمات جديدة في منصة الابتعاث الثقافي    "الثقافة" و"الأوقاف" توقعان مذكرة تفاهم في المجالات ذات الاهتمام المشترك    أهازيج أهالي العلا تعلن مربعانية الشتاء    شرائح المستقبل واستعادة القدرات المفقودة    منع تسويق 1.9 طن مواد غذائية فاسدة في جدة    نجران: «الإسعاف الجوي» ينقل مصاباً بحادث انقلاب في «سلطانة»    حل الفصائل.. خطوة سورية على الطريق الصحيح    مليشيات حزب الله تتحول إلى قمع الفنانين بعد إخفاقاتها    أمير نجران يواسي أسرة ابن نمشان    الأبعاد التاريخية والثقافية للإبل في معرض «الإبل جواهر حية»    63% من المعتمرين يفضلون التسوق بالمدينة المنورة    ملك البحرين: علاقاتنا بالسعودية أخوية ومميزة    العناكب وسرطان البحر.. تعالج سرطان الجلد    5 علامات خطيرة في الرأس والرقبة.. لا تتجاهلها    لمن لا يحب كرة القدم" كأس العالم 2034″    ما هكذا تورد الإبل يا سعد    واتساب تطلق ميزة مسح المستندات لهواتف آيفون    الزهراني وبن غله يحتفلان بزواج وليد    الدرعان يُتوَّج بجائزة العمل التطوعي    أسرتا ناجي والعمري تحتفلان بزفاف المهندس محمود    فرضية الطائرة وجاهزية المطار !    أمير الشرقية يرعى الاحتفال بترميم 1000 منزل    المأمول من بعثاتنا الدبلوماسية    اطلاع قطاع الأعمال على الفرص المتاحة بمنطقة المدينة    ارتفاع مخزونات المنتجات النفطية في ميناء الفجيرة مع تراجع الصادرات    وزير الطاقة يزور مصانع متخصصة في إنتاج مكونات الطاقة    تدشين "دجِيرَة البركة" للكاتب حلواني    مسابقة المهارات    إطلاق النسخة الثانية من برنامج «جيل الأدب»    نقوش ميدان عام تؤصل لقرية أثرية بالأحساء    وهم الاستقرار الاقتصادي!    أفراحنا إلى أين؟    آل الشيخ يلتقي ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة    %91 غير مصابين بالقلق    «كانسيلو وكيسيه» ينافسان على أفضل هدف في النخبة الآسيوية    في المرحلة ال 18 من الدوري الإنجليزي «بوكسينغ داي».. ليفربول للابتعاد بالصدارة.. وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    اكتشاف سناجب «آكلة للحوم»    دور العلوم والتكنولوجيا في الحد من الضرر    خادم الحرمين وولي العهد يعزّيان رئيس أذربيجان في ضحايا حادث تحطم الطائرة    حرس حدود عسير ينقذ طفلاً مصرياً من الغرق أثناء ممارسة السباحة    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    مفوض الإفتاء بجازان: "التعليم مسؤولية توجيه الأفكار نحو العقيدة الصحيحة وحماية المجتمع من الفكر الدخيل"    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    نائب أمير منطقة مكة يرأس اجتماع اللجنة التنفيذية للجنة الحج المركزية    إطلاق 66 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الحياة" زارت كردستان العراق... وذاكرة زعيم وشعب . مسعود البارزاني : منفذو 11 أيلول مجرمون بحق الاسلام ولا يوجد أي اسرائيلي في مناطقنا وباستطاعتكم التحقق الأخيرة
نشر في الحياة يوم 12 - 11 - 2002

استوقفني وجود السيدة دانيال ميتران، أرملة الرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران، في دار الضيافة في صلاح الدين. فعلاوة على وطأة العمر هناك وطأة الطريق والمسافات وعبور النهر في قارب عتيق. سألتها عن زيارتها فقالت انها مذ جاءت في 1991، من ايران، وشاهدت نزوح الاكراد بفعل ما تعرضوا له باتت تعتبر التضامن معهم واجباً. وأضافت: "في زيارتي الحالية أرى أشياء كثيرة تغيرت وتطورت. ألمس ارادة فعلية في البناء وألمس رغبة الناس في المشاركة في بناء المستقبل". ورأت ان مستقبل العراق يتعلق في جزء منه "بمزاج السيد بوش". وقالت: "لدى العراق ما يثير اهتمام الآخرين: النفط والماء. ومن يسيطر على هذه المسائل يسيطر على مصير الآخرين. هذا يهم الولايات المتحدة جداً. في المدى القصير أرى وضعاً فوضوياً ولكن على المدى البعيد أرى ارادة شعبية في العيش بسلام وعلى نحو مختلف وهذا انعكاس لما يحدث في العالم بأسره".
صعبة كردستان العراق. وعلى رغم انشغال زائرها بهموم الحاضر لا يملك الفرار من التساؤل عن قسوة التاريخ وظلم الجغرافيا اللذين يتهمهما مسعود البارزاني زعيم الحزب الديموقراطي الكردستاني بأنهما "ظلما الكرد وبالدرجة الرئيسية التاريخ، وتأتي النزاعات الكردية الداخلية لتزيد الطين بلة. ولكن معظم هذه النزاعات الداخلية يأتي كافرازات ونتائج لظلم التاريخ وصعوبات الجغرافيا". عدت الى مسعود البارزاني وهنا نص الحلقة الرابعة والأخيرة:
من التقيت من الزعماء العرب؟
- التقيت الرئيس الراحل حافظ الأسد.
كيف كان اللقاء؟
- كان اللقاء الأول لي معه في نيسان ابريل 1981، ومن اللقاء الأول قامت علاقة حميمة وتطورت واستمرت حتى غيابه. التقيته أكثر من عشر مرات.
ماذا كان رأيه في الموضوع الكردي؟
- كان يحترم الشعب الكردي ويؤيد حقوقه ويرى فيه سنداً للشعب العربي. سألته مرة عن الحكم الذاتي فقال أي شيء يقره العراقيون نؤيده.
هل حصلتم على مساعدات من سورية؟
- حصلت على كل ما طلبته من الرئيس حافظ الاسد.
مساعدات عسكرية؟
- نعم عسكرية وغير عسكرية.
... والتقيت الرئيس بشار الاسد؟
- نعم التقيته بعد وفاة والده ثم زرته مرات عدة لاحقاً. موقفه جيد وممتاز واتفقنا معه على مواصلة النهج نفسه الذي قام بيننا وبين والده.
من التقيت ايضاً؟
- الاخ معمر القذافي، التقيته مرات عدة. كان متفهماً جداً ومواقفه من الموضوع الكردي مفهومة. والتقيت الملك فهد بن عبدالعزيز. لم التق العاهل الأردني الراحل الملك حسين لكن تحدثنا هاتفياً. احيانا ظروف الانتقال تكون صعبة.
الملك حسين لعب دوراً في العلاقة الكردية - الايرانية؟
- لعب بالتأكيد دوراً في العلاقة الكردية - الأميركية.
من وقت الى آخر يعاد طرح الموضوع الاسرائيلي في شمال العراق؟
- لا يوجد أي شخص اسرائيلي في هذه المنطقة. أتحدى كل من يدعي ذلك. لاحظتم ان المنطقة مفتوحة تماماً ولا عوائق فيها. من يرغب في التأكد باستطاعته المجيء. ثم لا أعرف لماذا الاصرار على هذا الموضوع. اسرائيل موجودة في عدد من الدول العربية ويرفرف علمها هناك ولها علاقات غير معلنة في أماكن أخرى. أنا لا اعتبر الأمر جريمة لكن الموضوع غير موجود.
أليست لديكم علاقات مصر؟
- هناك علاقات.
ومع الكويت؟
- لا.
متى التقيت الإمام الخميني؟
- في 1979 في قم.
كيف كان اللقاء؟
- كان اللقاء جيداً. الرجل صاحب كاريزما ويتمتع بهيبة. حياته متواضعة ومتقشفة. دخلنا الى غرفة وجلسنا على بطانية نصف محروقة. علينا ألا ننسى كيف حرك الجماهير.
شرحت له وضع الأكراد وما يعيشونه. قال نحن اخوة في الاسلام ويجب أن نتعاون وأن لا نسمح للقوى الأجنبية بالتسلل الى صفوفنا كي لا يدفعوا كل طرف في اتجاه وتكون احتكاكات وخلافات. نحن لن نقصر في دعمكم وهذا بلدكم ولستم ضيوفاً فيه. بعدها حدد مجموعة من المسؤولين لنلتقي بهم وكان بينهم المرشد الحالي علي خامنئي الذي كان ممثلاً للإمام في وزارة الدفاع.
وحصلتم على مساعدات عسكرية من ايران الثورة؟
- نعم حصلنا على مساعدات عسكرية وغير عسكرية.
حصلت الثورة الكردية خلال مراحل على مساعدات من ايران والاتحاد السوفياتي وسورية، فما هي مصادر الدعم الأخرى؟
- الولايات المتحدة ساعدتنا من 1972 الى 1974.
ماذا تقدم اميركا اليوم؟
- حتى اليوم لم تقدم شيئاً. لكن اذا كانت اميركا جادة في اشاعة الديموقراطية في المنطقة فإن ذلك سيكون أكبر هدية للاكراد ولكل شعوب المنطقة.
لديك حذر من الأميركيين؟
- أعرف تماماً ان الوضع الآن مختلف عما كان عليه في 1975. وأعرف انه مختلف عن الوضع الذي كان قائماً في 1991 وكذلك عما كان عليه قبل 11 أيلول. في السابق كانت أميركا تدافع عن مصالحها في الكويت أو مناطق أخرى. الآن تعتبر انها في صدد الدفاع عن أمنها القومي. وعلى رغم ذلك أنا أرى ضرورة وجود الشفافية في العلاقة، ومن المهم جداً ان يكون هناك اتفاق مسبق على الأمور.
كم كانت فترة غياب والدك عنك بعد سقوط جمهورية مهاباد؟
- أقل من 12 عاماً بشهور قليلة.
وغبت عن الاقامة الدائمة في كردستان من 1975 الى 1991؟
- نعم.
هل تعتبر نفسك سيئ الحظ، بمعنى أنه لو نجح اتفاق 11 آذار مارس 1970 لكنت عشت بأسلوب آخر؟
- الحظ السيئ لم يصب فرداً بعينه، اصاب شعباً بكامله. هكذا تصبح المأساة الشخصية جزءاً من مأساة عامة. لك ان تتخيل معنى تدمير خمسة آلاف قرية وسقوط 180 ألف شخص بينهم كثير ممن تعرفهم وعايشتهم. وليس بسيطاً أن يموت الناس بالغاز. كل هذه المسائل أثرت في حياتي. لكنني لا اعتبر نفسي سيئ الحظ لأنني قمت بواجبي في خدمة شعبي.
عدم التسامح
هل تعتقد بأن هذه المنطقة تعيش أزمة عدم تسامح وتعاني من مشكلة عدم قبول الآخر؟
- انها مشكلة فعلية نعاني منها. الشعب الكردي شعب متسامح. المسلمون والمسيحيون عاشوا في وئام في كردستان. الشعب الكردي دخل الاسلام مختاراً وليس بالقوة. الطوائف الأخرى تمتعت، لا أقول بمطلق الحرية، بل بنسبة أكبر من الحرية مما تمتعت به في أماكن أخرى. طبعاً الأنظمة لم تتسم بالتسامح. وفي كثير من الأحيان شابه موقف الأحزاب السياسية مواقف الأنظمة. وفي الفترة الأخيرة برزت هذه التيارات التي تدعي انها اسلامية وتتبنى سياسة العنف والتطرف وهذا موضوع خطير.
هل تزايدت قوة الاسلاميين في كردستان؟
- الشعب الكردي شعب مسلم ومؤمن. الحقيقة انني لا أسمح لنفسي بتسمية عناصر الفئات المتطرفة التي تقتل الأبرياء مسلمين. انهم مجموعة من المجرمين والقتلة. أنا لا استطيع ان أفهم ان يقدم مسلم على قتل نساء وأطفال. ليس هناك من معتقد ديني يجيز قتل الأبرياء. لا أرى أي مستقبل للمتطرفين في كردستان. يستطيعون ازعاجنا لكنهم لا يشكلون خطراً داهماً أو كبيراً.
أين كنت في 11 أيلول 2001؟
- كنت في دهوك. و11 أيلول مهم بالنسبة إلينا لأنه موعد اندلاع الثورة في 1961 واسمها "ثورة ايلول". كان لدينا في المناسبة حفل تخرج لطلبة الأكاديمية العسكرية في زاخو. رجعت الى دهوك وكنت اقرأ الصحف واذ بهم يفتحون التلفزيون لأرى نشرة الاخبار. رأيت واحداً من البرجين يندلع فيه حريق هائل. للوهلة الأولى تصورت انهم يعرضون فيلماً قبل الأخبار. ثم جاءت طائرة أخرى وضربت البرج الثاني فاستوقفني المشهد ثم عرفنا انها هجمات.
بماذا شعرت حين اتضح الأمر؟
- أولاً أنا أدين هذا النوع من العمليات ادانة مطلقة لأن قتل الأبرياء غير مبرر مهما سيق من أعذار. ثم ان اميركا لن تسقط اذا دمر برج أو مبنى. والأخطر من ذلك هو الاصرار على تأجيج الخلاف بين الأديان والحضارات وبين المسلمين ودولة عظمى مثل الولايات المتحدة. أي قراءة هادئة لما جرى تظهر ان العمل أضر بالمسلمين وأعطى حجة للمتطرفين في العالم الغربي للاساءة الى الاسلام والمسلمين. أنا اعتبر ان منفذي هجمات 11 أيلول ارتكبوا جريمة بحق الاسلام والمسلمين بقدر ما ارتكبوا بحق أميركا.
اصوليو كردستان
هل تلقيتم تقارير أمنية عن لجوء أشخاص من "القاعدة" الى كردستان؟
- الحقيقة ليس لدينا دليل. هناك انباء عن وصول عدد منهم الى منطقة حلبجة لكنني لا أملك دليلاً أو مستمسكات.
هل حاولتم التحقق؟
- نعم لكن لم نصل الى دليل بعد.
هل يحاول الاميركيون التحقق؟
- بالتأكيد. الأميركيون يحاولون التحقق من أي شبهة تظهر في أي نقطة في العالم.
هل هناك تنسيق أمني مع الاميركيين؟
- في المسائل المتعلقة بالارهاب نحن على استعداد للتنسيق مع أي جهة تطلب ذلك. الارهاب مضر بشعوب المنطقة ودولها ومصالحها وموقفنا واضح. ليس لدينا أي تحفظ عن التنسيق مع أميركا في مكافحة الارهاب.
التمزقات الكردية ليست سراً. هل ورثت علاقتك مع جلال طالباني إرث الخلاف بين والدك والمكتب السياسي؟
- إذا قلت لا لن يكون كلامي دقيقاً. ما آمله هو أن نتخلص من هذا الإرث وأن نفتح صفحة جديدة نستفيد منها من دروس الماضي.
هل خطر العودة الى الاقتتال الكردي - الكردي مستبعد؟
- لا شيء مستحيلاً لكن نحن نسعى الى جعل العودة الى الاقتتال مستحيلة.
هل هناك ضغوط أميركية على الفريقين؟
- ليست هناك ضغوط. الأصدقاء ينصحون بالتعاون ونحن ندرك ان مصلحتنا الفعلية تكمن في طي الصفحة المؤسفة. أهمية ما اقدمنا عليه هي انه جاء بمبادرة منا وادراكاً لمصلحة شعبنا.
الكويت... الكويت
أين كنت حين اجتاحت القوات العراقية الكويت؟
- كنت في ايران.
بماذا شعرت؟
- بعد توقف الحرب العراقية - الايرانية تابعنا المقاومة كي لا يقال اننا أوقفنا القتال بسبب وقف اطلاق النار. وكانت المقاومة بطولية فعلاً. ولولا استخدام السلاح الكيماوي في بقية المناطق لما كان بامكانهم القضاء على المقاومة التي بقيت حتى بعد استخدام هذا السلاح. آنذاك ألقيت كلمة في المقاتلين قلت لهم فيها: لا تيأسوا لأنني أتوقع ان يورط النظام نفسه في مشاكل لن يخرج منها.
كنا في لندن في 1989 وشاركت في ندوة قلت فيها اننا دفعنا الثمن باهظاً لكن انتبهوا الى حلفائكم في المنطقة وتحديداً الكويت التي سيأتي دورها. كنا كلما نطالبكم بحماية تتهربون. حصل ما حصل معنا. الآن انتبهوا للكويت. شعوري انني تأسفت. كان العمل غادراً ولا مبرر له، ولا تكافؤ في القوى فالكويت لقمة أمام العراق. ثم ان الممارسات التي حصلت من نهب وغيره غير مقبولة. في الوقت نفسه شعرت بأن العملية بفعلها ورد الفعل ستؤدي الى تغييرات واسعة في المنطقة... وها هي تبدو قريبة.
الى أي أغان تستمع؟
- أحب أغاني فريد الاطرش وأم كلثوم وفيروز.
ماذا يعجبك في فيروز؟
- الصوت والكلمات والألحان.
يبدو طبعك ميالاً الى التأمل؟
- تقريباً.
والأغاني الأخرى؟
- الأغاني الكردية اضافة الى ألحان فارسية وتركية.
كنت صديقاً للشاعر محمد مهدي الجواهري؟
- نعم وكنت أزوره كلما ذهبت الى دمشق. علاقته بوالدي قديمة.
مع عبدالكريم قاسم
ما هي قصة زيارتك لعبدالكريم قاسم وأنت تلميذ صغير؟
- يضحك. عندما حدثت ثورة 14 تموز يوليو 1958، كنا قيد الاقامة الجبرية بمعنى انه محظور علينا العودة الى منطقة بارزان. بعد الثورة سمح لنا. كان عمي الشيخ أحمد سجيناً ومحكوماً بالاعدام فأفرج عنه بعد الثورة بأسبوع. وكان والدي في الاتحاد السوفياتي وعاد في 6-10-1958. عاد الى العراق عن طريق القاهرة. البارزانيون الذين كانوا مع الوالد وهم نحو خمسمئة عادوا في ربيع 1959. نقلوا الى البصرة في باخرة روسية. ذهبنا واستقبلناهم في محطة قطار بغداد عندما جاءوا من البصرة. بعد الاستقبال سبقني الآخرون وتخلفت عن اخوتي. فجأة اكتشفت وجود أحد حراس الوالد فركضت في اتجاهه وقلت له سأعود معك. كان والدي يتحدث مع السوفيات الذين رافقوا العائدين فدعاني الى مرافقته. كان عبدالكريم قاسم يقيم استقبالاً في قاعة بغداد فدخلت مع والدي. شاهدني عبدالكريم قاسم فسألني في أي صف أنت فأجبته. وماذا تمارس من رياضة فأجبت. بعدها قال قاسم لوالدي هذا الولد سنأخذه منك. وخاطبني قائلاً: حضر نفسك سنرسلك في بعثة. وقال لي: تعال اليّ في أي وقت تريد فأنت صديقي. كنت في الثالثة عشرة من عمري.
ذات يوم ذهبت الى المدرسة وكنت أحدث رفيقاً لي انني التقيت الزعيم عبدالكريم قاسم وان حواراً دار بيننا وان صورة التقطت لي معه. لم يصدق لا الخبر ولا الصورة. فقلت بلهجة الواثق: اذا شئت نذهب معاً لرؤيته. فرد متهماً إياي بالمزاح. قررت ان نذهب معاً لرؤية قاسم. ذهبنا الى استعلامات وزارة الدفاع. سألني الملازم أول عما أريده فأجبت: "اريد أن أرى الزعيم". فابتسم وقال: "ماذا تريد منه؟". أجبت: "انه صديقي وأريد ان أراه. وهو قال لي باستطاعتك ان تأتي لرؤيتي متى شئت". قال الضابط: "اخرج من هنا". فرفضت وطلبت منه الاتصال بوصفي طاهر رئيس المرافقة وابلاغه ان مسعود بارزاني موجود ويريد مقابلة الزعيم. بعد دقائق حضر عسكري وقال: "أين ابن الملا؟". واصطحبني ورفيقي واذ بنا أمام الزعيم. سألني عن أحوالي فقلت له "ان رفيقي معجب بك وجئنا لنراك". أمضينا بضع دقائق وخرجنا. زرته لاحقاً مرات عدة في المستشفى حين جرح.
هل كنت معجباً فعلاً بعبدالكريم قاسم؟
- أنا اعتقد بأنه أكثر الحكام نزاهة في العراق حتى يومنا هذا. انه صاحب فضل على الشعب الكردي عموماً وعلى البارزانيين بشكل خاص. اخرج عمي من السجن واتاح لوالدي ورفاقه العودة من الاتحاد السوفياتي. لقد ارتكب اخطاء لكنني اعتقد بأن مساوئه أقل من حساناته. وأقول بأمانة ان الحزب الشيوعي والحزب الديموقراطي الكردستاني يتحملان قدراً من المسؤولية عن انحراف حكم قاسم. يتحملان مسؤولية كبيرة. وحين اطاحه انقلاب شباط فبراير 1963 تألمت كثيراً. نبأ مقتله آلمني الى أبعد حدود. وعلى رغم ان أول قصف على المنطقة الكردية في عهده استهدف خيمة كنا غادرناها قبل لحظات لم أشعر بالكراهية نحوه.
ماذا تقرأ؟
- أحب القراءة في ميادين مختلفة. ما يهمني أكثر هو الكتاب الذي يتناول حدثاً معيناً فيصفه في اطاره ويتناول خلفياته ويأتي بجديد عنه. كتاب عن حرب الخليج مثلاً. أحب الكتب التاريخية. فحين تقرأ التاريخ تخرج باستنتاجات ودروس وعبر. لهذا أحب مذكرات الشخصيات التي أثرت في مسار الأحداث في العالم والمنطقة. فهذه الكتب تكشف لك كيف تعامل هؤلاء الأشخاص مع الظروف التي كانت محيطة ببلدانهم وشعوبهم، وكيف اتخذوا قرارات صعبة غيرت في بعض الأحيان مجرى الأحداث. احياناً يضطر القائد الى اتخاذ قرارات لا يجرؤ الآخرون على اتخاذها بسبب ما تشير اليه المعطيات القائمة على أرض الواقع. وربما يكمن هنا السر في القيادة، أي في فهم الظروف ثم السعي الى استنهاض الطاقات لخلق واقع معين أو التصدي لواقع معين.
كم ولداً لديك؟
- لدي خمسة أولاد وثلاث بنات.
هل تعلموا اطلاق النار؟
- هل تعتقد بأن ثمة كردياً لا يتعلم اطلاق النار يضحك. اهتمامهم الحقيقي الدراسة. بينهم من صار بيشماركة مثلي، وهو منصور، والآخرون يدرسون.
متى اطلقت الرصاصة الأولى مشاركاً في الثورة الكردية؟
- يطرق مفكراً ثم يضحك. انا أصبحت بيشماركة في شهر أيار مايو 1962. اضطررت الى ترك الدراسة بعدما تركنا بغداد وكان خياري ان أحمل السلاح. اذا كنت مصراً على معرفة قصة الرصاصة الاولى أقول لك ان أول رصاصة انطلقت من بندقيتي كانت موجهة ضد طائرة كانت تستهدف المواقع الكردية.
***
كانت الرحلة قصيرة ومفيدة. اتسع صدر من التقيناهم لكل أنواع الاسئلة ولم يتردد بعضهم في تعديل برامجه لتسهيل رحلتنا. وكانت الرحلة صعبة بطبيعتها لكن رفاق الرحلة خففوا من وطأتها. فقد كان فخري كريم دائم الحضور مناقشاً وشارحاً. وضبطته ينظر مبتهجاً الى زميلنا جهاد الخازن يعبر النهر في الاتجاهين "وهو الذي اعتاد على نيويورك ودافوس". اما زميلنا ابراهيم حميدي فقد كان يسابق الوقت لإرضاء الصحيفة والشاشة معاً.
ترجع من كردستان العراق بشعور بالتقصير لأنها الزيارة الأولى، وبرغبة عميقة في نجاة العراق من الغيوم الداكنة التي تتجمع في الأفق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.