شدد نائب رئيس البنك الدولي لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كريستيان بورتمان، على المهمة الحيوية الملقاة على عاتق قطاعات المال العربية في إدارة طفرة إيرادات النفط وضخ مواردها في قنوات منتجة تعزز النمو الاقتصادي. لكن دراسة تحليلية أعدها اقتصاديو وخبراء البنك حذّرت من ما سمته"انقطاع الصلة"بين المصارف التي تهيمن على قطاعات المال العربية من جهة، وبين شركات القطاع الخاص ومؤسساته التي تعتبر الاقتصاد الحقيقي، من جهة أخرى. وأشار بورتمان إلى أن الدراسة التي حملت عنوان"قطاعات المال العربية في عصر جديد للنفط"، تسلط الضوء على النظم المالية العربية ومدى جهوزيتها للمساهمة في تحقيق الأهداف الانمائية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقال إن"ايرادات صادرات النفط القياسية والنمو الاقتصادي القوي يضعان النظم المالية للمنطقة أمام تحدي ضخ هذه السيولة في الاقتصاد الحقيقي للدفع باتجاه تحقيق نمو قوي مستدام ومنصف". وأبرزت الاقتصادية جينيفر كيلر المسؤولة عن إعداد الدراسة تباين أوضاع قطاعات المال العربية، مشيرة على سبيل المثال إلى أن النظم المالية في مجلس التعاون الخليجي أصبحت تتعامل بقدر أكبر من الكفاءة في نقل الموارد المالية إلى الاقتصاد الحقيقي، حيث ارتفع حجم الاقراض للقطاع الخاص وتعاظم دور أسواق المال والسندات، وتزايد ارتباط الأسواق المالية الوطنية بالنظام المالي العالمي، إضافة إلى سعي بعض دول المجلس الى التحول إلى مراكز مالية إقليمية. لكنها لفتت في المقابل إلى أن كثيراً من قطاعات المال العربية مازال، وعلى رغم تزايد نشاط الاقراض للقطاع الخاص أخيراً، يعاني من مشاكل هيكلية خطيرة مثل ارتفاع كلفة عملياته المصرفية وضعف نظم إدارة المخاطر وتدني جودة الأصول. ونبهت من أن هذه المعوقات حدت من قدرة قطاعات المال على أداء دورها في تعزيز النمو في المرحلة الراهنة ويمكن أن تتحول إلى مخاطر في حال تباطأت وتيرة النمو في المستقبل. طفرة الادخار والائتمان ولاحظ خبراء البنك أن الطفرة النفطية الحالية التي بدأت في مطلع عام 2003"غذّت"تزايداً سريعاً في كل من الودائع المصرفية والطلب على الاقتراض من قبل القطاع الخاص، إذ ارتفع حجم الودائع لدى المصارف العربية بمعدل 15 في المئة سنوياً في الفترة من 2002 إلى 2005. وسجلت ودائع المصارف الخليجية أكبر زيادة، مرتفعة أكثر من 30 بليون دولار سنوياً، أي ثلاثة أضعاف معدل نموها في السنوات الأربع السابقة. لكن حجم الودائع التي تلقتها مصارف الدول النفطية الأخرى ذات الكثافة السكانية الكبيرة، وهي العراق وسورية واليمن إضافة إلى إيران، تزايدت بوتيرة أسرع من المصارف الخليجية على رغم أن حجم الزيادة المسجل في الأعوام الثلاثة الماضية بلغ 45 بليون دولار. وفي الدول العربية الباقية، وغالبيتها غير نفطية، ارتفع حجم الودائع المصرفية في الفترة نفسها بمعدل 11 بليون دولار سنوياً، متراجعاً بدرجة طفيفة جداً مقارنة بالفترة من 1998 إلى 2001. وكان البنك الدولي أصدر السبت تقريراً أشار في أحد أبرز نتائجه إلى أن الطفرة النفطية عززت متوسط نمو النواتج المحلية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى 6 في المئة في 2005، ما ساهم في رفع متوسط الأعوام الثلاثة الأخيرة إلى 6.2 في المئة. وبالمقارنة بلغ متوسط النمو السنوي في أواخر التسعينات، حين هوت أسعار النفط الخام إلى أسوأ مستوياتها، 3.2 في المئة. وثمّن التقرير"الانضباط المالي للدول المصدرة للنفط وسعيها إلى تحويل الثروة النفطية الناضبة إلى مصادر دخل طويلة الأجل." ربحية المصارف وأفادت الدراسة التحليلية أن طفرة الودائع المصرفية المنخفضة الكلفة، وكذلك زيادة الإقراض لقطاعي الاستهلاك والعقار وانخفاض معدلات القروض المعدومة، ساهمت في ارتفاع ربحية المصارف، لا سيما في البلدان الخليجية. وطبقا لتقديرات البنك ارتفعت أرباح أكبر مئة مصرف عربي بمقياس الحجم بمقدار 36 في المئة لتصل إلى 12 بليون دولار قبل احتساب الضرائب في عام 2004. وانفردت المصارف الخليجية، خصوصاً السعودية والإماراتية بنحو 80 في المئة من هذه الأرباح. انقطاع الصلة وأشارت الدراسة في عرض نتائجها الأولية الى أن معظم دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مع استثناءات قليلة، تتمتع بمستوى عالٍ من الوساطة المالية وقاعدة متينة من الأصول المصرفية، وحركة نشطة في الاقراض المستقبلي للقطاع الخاص. وخلصت إلى أن العلاقات الملاحظة بين المال والتنمية تشير إلى أن الدول العربية تملك مناخاً داعماً للاستثمارات الجديدة والنمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل على مستوى الشركات. لكن البنك الدولي نبّه من أن التحليلات والتقويمات التي أجراها على المناخات الاستثمارية في دول المنطقة، أعطت"مؤشرات قوية"على أن التمويل المصرفي ليس متاحاً إلا لنسبة قليلة فقط من شركات القطاع الخاص، لافتاً إلى أن كثيراً من هذه الشركات والأعمال، خصوصاً الصغيرة منها، صرح بأن توافر مصادر التمويل المصرفي وكلفته يشكلان أحد أكبر التحديات التي تعوّق نمو نشاطه. وأوضح في دراسته الجديدة التي يمكن الاطلاع على نتائجها على موقعه، أن محدودية التغطية التي توفرها المصارف في تمويل القطاع الخاص تعتبر ظاهرة عامة في المنطقة حيث تضطر الشركات الى الاعتماد على الأرباح المستبقاة لتغطية 75 في المئة من احتياجاتها التمويلية، بينما لا توفر المصارف سوى 12 في المئة. لكنه شدّد على أن لائمة"انقطاع الصلة بين المصارف والاقتصاد الحقيقي"تقع على المصارف والشركات في آن.