بكل ّ تأكيد طلّقت المفردات معانيها في بلدنا مذ حلّت"الديموقراطية الجديدة"ضيفاً رخص معناه حدّ المفارقة المضحكة المبكية. ضابط عراقي، مرّت به وسائل الإعلام، الفاعلة والمفعول بها، قبل أشهر بعد أن"هرب"من بطش وزارة الداخلية ذكر أن"أحد المعتقلين في سجن الجادرية - التابع"للشرطة في خدمة الشعب"- صرخ في شكل هستيري موجهاً كلامه لي وللجنرال"هورست"القائد الأميركي: كل المعتقلين أحسن مني!"، ولمّا سألاه: لماذا؟ أجاب:"لأن قوات ..."قامت باغتصاب زوجتي أمامي وأمام إخوتي الأربعة الموجودين معي في المعتقل حالياً! مع العلم أنني شيعي ولا علاقة لي بالإرهاب!". وأوّل ما يصدم المرء في هذه الواقعة، الموثقة أميركياً وعراقياً، أن"قوّات"، عراقية - معظم منتسبيها من المسلمين!، العرب؟! ... قد فارقت بسلوكها، بشقها الديني وشقها الوطني وأرضيتها الإنسانية، كلّ المعنى الأخلاقي لرمز ديني، على واقعة اغتصاب بأربعة شهود - إذا استثنينا الزوج المفجوع بشرفه - وثاني ما يصدم المرء أن العراقيين باتوا يأمنون على أنفسهم إذا ما ألقت القوات الأميركية القبض عليهم أكثر مّما يأمنون القوات التي تحمل لقب"وطنية عراقية"، مع أن الأولى هي قوات إحتلال أجنبية والثانية قوات من أبناء البلد ما زال البعض يأمل أنها لم تتخلّ عن أخلاق المجتمع العراقي. أخيراً استبدلت أسماء"الألوية العراقية"بأسماء تدلّ على المحبّة والسّلام وغير ذلك، وهذا أمر جميل، ولكن هل نجح من استبدل الأسماء - لتطابق المفردات معانيها في عناوين هذه الألوية أو القوّات - هل نجح في استبدال أخلاقيتها لتتطابق مع جنسيتها الأخلاقية؟ تصعب الإجابة على هذا السؤال بوجود ضباط استخبارات ايرانيين، بحسب أميركا وحلفائها وبحسب جهاز الاستخبارات العراقية وبحسب سفير ايران في واشنطن، لأن ضحايا الجادرية وضحايا آخرين في أماكن أخرى خضعوا لتحقيقات ضباط استخبارات دولة الجار الحسن؟! - بحسب حكومة بغداد - كما خضعوا لتحقيقات الضباط من متعددة الجنسيات، في سجن أبو غريب وغيره، التي يعدّها البعض من نجوم السياسة العراقية: قوات تحرير، ممّا يذكّرنا بالمرأة المغناج التي تتظاهر بأنها لا تميّز بين زوجها وجارها. أقرّ، كما يقر كل عراقي، أن جهات محلّية، وجهات من دول الجوار، الحسن وغير الحسن، تسعى لهذه الفوضى الاخلاقية لخلع المفردات التي ألفناها عن معانيها الأصيلة وقيمها المعروفة، لكننّي أقر لنفسي قبل غيرها أن أخطر هذه الجهات هي التي تستظل لقب"عراقية"لتدمير العراق بالصور التي نراها على"جثث موثوقة الأيدي معصوبة الأعين بطلقات قاتلة على الرأس"، وعلى خرق يومي للأخلاق العامة على كل مستوى، إذ ما عرف العراقيون معاني مثل"محاصصة"وپ"روافض"وپ"نواصب"لولا عراقيين فارقوا بشريتهم قبل مفارقة الأخلاق الحميدة الجامعة لكل البشر. جاسم الرصيف - بريد الكتروني