مشكلات عديدة ما زال يعاني منها الطفل والمرأة في منطقتنا العربية آخرها وفاة أكثر من 500 ألف امرأة سنوياً بسبب مضاعفات الحمل والولادة، وفق ما جاء في المؤتمر العالمي للشبكة النسائية العالمية بيلاجو الثاني، الذي عقد الأسبوع الماضي في الأردن. وليست حال الطفل بأفضل. إذ يدخل هذا الأخير وقبل أوانه معترك الحياة في ظلّ ظروف اقتصادية واجتماعية وأمنية قاهرة، فيهجر مقاعد الدراسة ليدخل سوق العمل ويقع في ومطبات خطيرة منها الإدمان والاستغلال وغياب الأفق الكفيل بإخراجه من هذه الدوامة. من سورية والعراق وعمان نماذج عن المشكلات التي تعاني منها المرأة والطفل والأسرة العربية بشكل عام. المؤتمر العالمي للشبكة النسائية العالمية بيلاجو الثاني، الذي عقد الأسبوع الماضي على شاطئ البحر الميت، ذهب أساساً إلى محاولة تقليص العدد الكبير الذي تشير إليه دراسات بخصوص وفاة أكثر من 500 ألف امرأة سنوياً بسبب مضاعفات الحمل والولادة. والمؤتمر الذي عقد في"قصر المؤتمرات"الذي استضاف مؤتمر دافوس ? البحر الميت في أكثر من مناسبة، برعاية الملكة رانيا، جاء تحت شعار"حشد الجهود من أجل التغيير"، وشاركت فيه أكثر من 150 سيدة من رؤساء دول وحكومات، إضافة إلى نساء من مختلف أنحاء العالم ينتمين إلى قطاعات الإعلام والأعمال وحائزات جائزة نوبل للسلام ومتخصصات في مجال التعليم والصحة. وكانت الممثلة الأميركية رينيه زيلويغير من المشاركات، لكنها امتنعت عن الإدلاء بتصريحات صحافية، مكتفية بدورها كمشاركة. وينظم المؤتمر بالتعاون مع المجلس الوطني الأردني لشؤون الأسرة وصندوق دعم الطفولة في الولاياتالمتحدة. وأشارت أرقام عرضها المؤتمر إلى أنّ الدول النامية تفقد 60 مليون أم سنوياً لعدم توافر الرعاية المتخصصة اللازمة من مرافق متخصص، إذ تحدث حالات الولادة بمساعدة القابلة التقليدية أو أحد أفراد العائلة وقد لا يتواجد مرافق على الإطلاق. لكن الأهم من هذا هو أنه في الإمكان تفادي ثلاثة أرباع تلك الوفيات. وأعلن ضمن نشاطات المؤتمر، الذي استمر ثلاثة أيام، عن إطلاق"الشبكة النسائية العالمية للطفولة"، وهي مجموعة عالمية جديدة من النساء القياديات من كل أنحاء العالم تكرس جهودها لتحديد دعم البرامج لمساعدة النساء والفتيات والأطفال. وعلى رغم أن المؤتمر لم يخرج بنتائج إيجابية مباشرة ولم يحقق من غاياته الكثير، وهذا طبيعي، فإنه نجح في تسليط الضوء على قضية معاناة المرأة في الدول النامية بالتحديد. وهذه القضية لا بد من أنها مهمة لو دقق الجميع، لا للمرأة فقط، بأرقام نشرها خلال المؤتمر صندوق دعم الطفولة التابع للأمم المتحدة. اعاقات دائمة وتشير أرقام رسمية إلى أن السبب الرئيسي لوفاة النساء في الفئة العمرية من 15 و 19 سنة في الدول النامية هو مضاعفات الحمل، علماً أن سيدة واحدة فقط من بين خمس سيدات تلد بمساعدة مرافق مختص. وهذه الأرقام تعني بصورة أخرى أن نحو 20 مليون امرأة يتعرضن سنوياً إلى إعاقات دائمة مثل آلام الحوض والإجهاض غير الآمن والعقم وفقر الدم، حتى في الدول المتقدمة. لكن الحالات تزداد في دول العالم النامي لارتفاع معدلات الخصوبة، وهو ما يجعل احتمالات وفاة المرأة في دول العالم النامي خلال الحمل والولادة على مر حياتها أكثر 400 مرة عنها في الدول المتقدمة. ولم يخرج المؤتمر عن قاعدة الإعلان عن أهداف يبحث عن تطبيقها في نهاية فاعلياته. إذ أعلن المؤتمر على لسان رئيسة صندوق الدفاع عن الأطفال في الولاياتالمتحدة ماريان إيدلمان البدء بإنشاء موقع إلكتروني تفاعلي للشبكة النسائية العالمية للطفولة على الإنترنت يهدف إلى توفير أحدث المعلومات حول أفضل الممارسات والبحوث الحالية ذات الصلة، بالإضافة إلى جدول بالمناسبات والمؤتمرات العالمية والوطنية المهمة ونشاطات الشبكة مع نهاية شهر أيلول سبتمبر المقبل. وقد يكون الإعلان عن إنشاء موقع إلكتروني يعنى بقضية تخص نساء دول العالم الثالث، ظاهرياً، متناقضاً: فهن أبعد ما يكن عن عالم التكنولوجيا والكومبيوتر، الذي يعد شأناً كمالياً لا علاقة لهن به. لكنه في المقابل الوسيلة الوحيدة التي قد تضمن انتشاراً واسعاً للتعريف بقضايا هؤلاء النساء، وما يحتجن إليه. وهذا يضمن إطلاق حملة توعية دائمة لتسليط الضوء على قضايا وفيات الأمهات والأطفال في كل أنحاء العالم، وبخاصة في جنوب الصحراء الأفريقية وجنوب آسيا، أي تفعيل أهداف المؤتمر. وستنشأ صندوق لحشد رأس المال البشري والموارد العينية وإشراك صناع القرار والمستثمرين سعياً لتحقيق أهداف الشبكة. على أن المؤتمر الذي حقق نجاحاً ما في حشد اهتمام رسمي لمناقشة القضية، لم يستطع فعل حركة على مستوى نساء لا يمثلن جمعيات رسمية. هذا كله على رغم الاهتمام الرسمي الأردني، الممثل برعاية الملكة رانيا، والاهتمام الرسمي من مؤسسات محلياً ودولياً، الممثل بالمجلس الوطني الأردني لشؤون الأسرة وصندوق دعم الطفولة في الولاياتالمتحدة، وكذلك على رغم حضور شخصيات معروفة مثل السيدات الأوائل للبحرين ومصر وموريتانيا وأوكرانيا ورواندا وزامبيا، إضافة إلى الحائزات جائزة نوبل بيتي ويليامز وجودي ويليامز وشيرين عبادي، ووزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت ورئيسة ايرلندا السابقة ميري روبنسون. وفي قول عام، لم يخرج المؤتمر عن نطاق"الرسميات"، وإن كان هذا لم يمنعه من تحقيق نجاح لم يظهر بعد مداه واضحاً: فالأمر يحتاج إلى بعض الوقت حتى يتغير الوضع.