أتذكر فتاة لبنانية جمعني بها عملي الإعلامي، وعلمت بحبي وحب عدد من أبناء الخليج للفنان الكبير محمد عبده، والذي نطلق عليه لقب "فنان العرب" . قالت لي تلك الفتاة بصراحة متناهيه:"في لبنان لا نسمع لمحمد عبده". وعلى رغم انكسار خاطري من كلمات تلك الفتاة، إلا أنها تحدثت من منطلق عمرها الغض الذي يميل إلى أغاني مطربات جيلها. وخفف من انكسار خاطري قناعتي أنها على ما أظن لا تستمع إلى وديع الصافي أو نصري شمس الدين. ولا تعلم أن محمد عبده قدم إلى اللبنانيين فن الجزيرة العربية، قبل 30 عاماً من عمره الفني. تذكرتها عندما كنت أرى محمد عبده وهو يغني رائعته"الأماكن"، ويتلاعب بحنجرته العذبة"الأماكن كلها مشتاقة لك". ومن دون شك، فإن الزخم الإعلامي الذي صاحب ظهور أغنية"الأماكن"لمحمد عبده كان له أثره الإيجابي جداً على نجاح الأغنية وانتشارها لدى الغالبية الكبرى من أهل الخليج، الذين يشكلون العنصر الأكبر من محبي الفنان الراسخ في عروق الفن. تعدّ"الأماكن"من الأغاني"المكبلهة"ذات النفس الطويل في الغناء وتتراوح مدتها بين 20 دقيقة، حسب مزاج محمد عبده في الغناء على المسرح. ومن وجهة نظر خاصة، أحرجت هذه الأغنية الكثير من المطربين وأوقعتهم في شرك الحيرة ووضعتهم في زاوية ضيقة أمام شريحة كبيرة ممن استمتعوا بها . وتكمن أهمية الأغنية في أنها خاطبت جيلاً جديداً تعوّد وتشرّب وتورط في سماع أغان، أقل ما يقال عنها إنها لا ترتقي بالذائقة العامة. لكن عندما جاءت"الأماكن"تعلّق بها الجيل الجديد الذي استوعبها كلاماً ولحناً وأداءً ورقياً وتعاطى معها، وانتشرت في الهواتف النقالة وغرف المحادثة الإلكترونية.. تستحق الأغنية كل التقدير، نظراً إلى شاعريتها وجملها الموسيقية الأنيقة. للأغنية فضل كبير على تغيّر المفاهيم والقيم الفنية لدى الجيل الجديد. كما إنها جددت الثقة في أذن جيل الشباب بل وجددت كذلك ثقتنا نحن فيهم وفي ذوقهم. يعود الفضل لها أيضاً أنها جعلت عدداً من المطربين الخليجيين يتراجعون في قرارة أنفسهم عن قرار الابتعاد من نوعية أغانٍ شبيهة. ولا شك في أن عبد المجيد عبدالله وراشد الماجد ونوال واحلام وأصيل ابو بكر بدأوا يراجعون حساباتهم. كان العذر لبعض الفنانين أن سوق الكاسيت تفرض نوعية معينة من الأغاني. وكان بعضهم يقدّم أغنية طويلة لكنه لا يصورها. وبعضهم غناها وسرّبها ولم يطرحها في ألبومه. وبعضهم خطا خطوة ونجح فيها، ولم يعد الكرة. اليوم، في ظل تدهور سوق الكاسيت وازدياد الإقبال على أغاني المسسرح لتعبئة هواء الفضائيات، وفي ظل النجاح الباهر الذي حققه محمد عبده في"الأماكن"، فإن مرحلة جديدة يجب ان يدخل اليها مطربو الخليج.