تروج قوى لبنانية حليفة لسورية فكرة تغيير الحكومة اللبنانية بذريعة ان لا مكان لرئيس الوزراء الحالي فؤاد السنيورة في دمشق وأن انعدام الثقة بينه وبين اطراف اساسيين في الحكومة، في اشارة مباشرة الى"حزب الله"، بات يستدعي البحث عن بديل يترأس الحكومة العتيدة وأن لا مانع من تكليف رئيس كتلة"المستقبل"النيابية سعد الحريري رئاسة هذه الحكومة. وبحسب المصادر المقربة من هذه القوى، باتت الظروف مواتية لمجيء الحريري الى سدة الرئاسة الثالثة، خصوصاً انه كان اعلن مراراً وتكراراً عن رغبته في فصل التحقيق في جريمة اغتيال والده الرئيس رفيق الحريري عن ملف العلاقات الثنائية اللبنانية - السورية وأنه لم يعد في مقدور السنيورة النهوض بالوضع الحكومي بعدما تحولت الحكومة الى هيئة رسمية لتصريف الأعمال وإدارة الأزمة. وتضيف هذه المصادر ان الحريري هو الأقدر الآن على ترؤس الحكومة الجديدة، لا سيما ان اطرافاً محليين يبدون كل استعداد لتسهيل مهمته، بعدما فقدوا الأمل في إمكان التعاون مع السنيورة، وبالتالي باتوا راغبين في تقديم ما يطلبه من المساعدة بدلاً من توفيرها بالنيابة عنه للسنيورة. وتحاول هذه القوى كما تقول مصادرها، الإفادة من الدعوة التي أطلقها أخيراً الأمين العام لپ"حزب الله"السيد حسن نصر الله، لجهة مطالبته بحكومة من هذا النوع عندما قال"اننا ندعو الى تشكيل هذه الحكومة ولا داعي لأن نسقط الحكومة. لنعمل حكومة وحدة وطنية بالتي هي أحسن، تتشكّل من القوى المشاركة حالياً في الحكومة زائد قوى موجودة خارج الحكومة سواء كانت ممثلة في البرلمان او خارجه". واللافت على هذا الصعيد ان الحديث عن مشروع تشكيل حكومة جديدة تنامى اخيراً الى مسامع الحريري الذي لم يأخذه على محمل الجد وتعاطى معه كفكرة ملغومة هدفها تأزيم الوضع الداخلي وتهديد الاستقرار العام في البلاد، اضافة الى ان مصادر مقربة من"حزب الله"نفت ان تكون في وارد تسويق مثل هذا المشروع مستغربة إقحامها في لعبة التغيير الوزاري على رغم مآخذها على السنيورة. كما ان رئيس المجلس النيابي نبيه بري العائد من زيارة خاصة لسويسرا التي انتقل إليها من القاهرة بعد مقابلته الرئيس المصري حسني مبارك وكبار المسؤولين المصريين ليس على علم بهذه الفكرة. وتنقل عنه أوساطه انه لن يكون وحتى إشعار آخر طرفاً في لعبة سياسية تستهدف الوضع الحكومي وجر البلاد الى أزمة سياسية جديدة تنضم الى أزمة الحكم المقصود بها رئيس الجمهورية اميل لحود والتي لم ينجح مؤتمر الحوار الوطني في إيجاد الحل لها. وتؤكد الأوساط نفسها ان بري الذي يقيم تحالفاً مع الحريري ليس في وارد الدخول في بازار سياسي غير محسوب الأهداف والنتائج وقد يراد منه فقط استهداف الحريري شخصياً من خلال تسويق فكرة ما زالت غير ناضجة، خصوصاً انه يرى ان البديل غير موجود على الأقل في المدى المنظور ما لم تحصل تطورات يمكن ان تدفع باتجاه الرهان على حكومة جديدة برئاسة الحريري. وترى الأوساط المقربة من بري ان لجوء بعض القوى الى ترويج فكرة الحكومة الجديدة ما هو إلا مشروع سياسي يخطط من يدعمه لضرب العلاقة بين حركة"أمل"وپ"تيار المستقبل"وتؤكد ان رئيس المجلس يربأ بنفسه ان يكون جزءاً من هذه الحسابات الخاطئة. وبالنسبة الى"حزب الله"، تؤكد مصادره انه وإن كان يدعم المجيء بحكومة وحدة وطنية، فإنه في المقابل لن ينجر الى لعبة قد تجر البلد الى الفوضى السياسية، مشيرة الى أن مطالبة نصر الله بمثل هذه الحكومة تأتي في إطار المشروع الاستراتيجي للحزب ومراعاة لحليفه"التيار الوطني الحر"بزعامة العماد ميشال عون. وتضيف هذه المصادر ان الحزب ليس ضد الفكرة وهو يحاول انضاجها لكنه لن يذهب في مغامرة سياسية كرمى لعيون هذا الطرف أو ذاك، مقدرة في الوقت ذاته دور العماد عون في الدفاع عن موقف الحزب في وجه الحملة السياسية التي تناولته على خلفية رعايته لردود الفعل المترتبة على الحلقة التلفزيونية التي تناولت امينه العام. وتعتقد المصادر ايضاً ان ردود الفعل على الحلقة التلفزيونية وإن جاءت عفوية، فإن هناك من حاول استغلالها لاستهداف ورقة التفاهم القائمة بين الحزب وپ"التيار الوطني الحر"الذي، بحسب اوساط مراقبة سياسية، لم يعد امامه من خيار سوى التمسك بهذه الورقة. وفي هذا السياق يرى متابعون للأوضاع السياسية ان هناك اختلافاً في وجهات النظر بين الحزب والعماد عون، لكنه سيبقى تحت سقف حماية ورقة التفاهم من محاولات إطاحتها التي تتولاها، بطريقة او بأخرى، قوى أساسية في 14 آذار. ويضيف هؤلاء انه لم يعد في وسع عون الانقلاب على ورقة التفاهم او التفلت منها، ويعزون السبب الى ان خيار"التيار الوطني الحر"في حال قرر الابتعاد عن الحزب سيكون الى جانب قوى 14 آذار التي يمكن ان تأخذ منه من دون ان تعطيه أي شيء في المقابل. ويعتقد هؤلاء المتابعون ان ما يريده عون من قوى 14 آذار يبقى محصوراً بدعم ترشحه لرئاسة الجمهورية، لكن هذه القوى ليست مستعدة للتخلي عن أي مرشح ينتمي إليها لمصلحة"الجنرال"الذي سيكون مضطراً لتدعيم تحالفه مع الحزب الذي يمكن ان يقدم له في وقت من الأوقات ورقة استقالته من الحكومة للإتيان بحكومة جديدة يتمثل فيها"التيار الوطني الحر". وسأل مراقبون عن سر صمود التحالف بين عون والحزب، على رغم الاختلاف في وجهات النظر حيال القرار 1680 الذي يتعامل معه الحزب على انه جزء من القرار 1559 خلافاً لموقف"التيار الوطني الحر"والموقف من اطلاق الصواريخ المجهولة من الجنوب باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة ومن اعتداء بعض الفصائل الفلسطينية على الجيش اللبناني في البقاع الغربي. لكنهم رأوا ان نقاط الاختلاف لن تتطور الى حدود الشروع في إنجاز ورقة الطلاق السياسي بين الطرفين. اما على صعيد موقف"تيار المستقبل"من ترويج فكرة استبدال الحريري بالسنيورة، فأكدت مصادر مقربة منه رفضها مجرد البحث بهذه"الهوية الملغومة"في ظل التأزم الحاصل على صعيد العلاقات اللبنانية - السورية. وأضافت ان مشروع التغيير الحكومي الذي لم تنضج ظروفه في ظل تمسك الحريري ببقاء السنيورة على رأس الحكومة، مرفوض ومردود على أصحابه الذين يتوهمون ان قوى 14 آذار التي خططت لدفع الرئيس اميل لحود للاستقالة ولم تتمكن، ستوافق على ان يكون البديل لإسقاط رئيس الجمهورية التفريط برئيس الحكومة، كما ان هذه المصادر تعتبر ان السنيورة جزء لا يتجزأ من"تيار المستقبل"وأنه على تفاهم مع رئيسه الحريري وأن لا مجال للرهان على التناقضات بينهما، إضافة الى رفضها التعليق على المقولة الرائجة حالياً بأن الحريري، خلافاً للسنيورة، قادر على ان يأخذ ما يريد من سورية وأن قوى أساسية في البلد باتت تفضل ان تعطيه مباشرة من دون حدود بدلاً من ان تدعم بالواسطة حكومة السنيورة. وتؤكد هذه المصادر ان"تيار المستقبل"لن يقدم نفسه ضحية لعبة مكشوفة، ليس هدفها تفعيل الوضع الحكومي وتحريك العجلة الاقتصادية للبلد، بل الحصول على ورقة استقالة الحكومة لإدخال البلد في فراغ دستوري وسياسي قد يكون مطلوباً اكثر من أي وقت مضى وكآخر سلاح يمكن اللجوء إليه لقطع الطريق على المباشرة بآلية تشكيل المحكمة الدولية لمحاكمة المتهمين في جريمة اغتيال الرئيس الحريري. واعتبرت المصادر ان مطلب تشكيل حكومة جديدة يشبه الطلب من النائب الحريري نفسه ان"يثأر"من حكومة تحظى بدعمه لمصلحة حكومة صعبة الولادة، إن لم تكن مستحيلة. وعليه، فإن الحريري كما تقول مصادره ليس في وارد الدخول في"بازار سياسي"مجهول الأهداف على رغم وضوح الهوية السياسية للذين ينبرون لتسويق التغيير الوزاري. وبالتالي فهو وإن كان يدعو باستمرار الى التهدئة على مختلف المستويات، فإنه ماض في توفير كل اشكال الدعم للحكومة لتفعيلها لجهة إطلاق المشاريع والالتفات اكثر الى هموم المواطنين ومشكلاتهم الحياتية والاقتصادية، وهذا ما يفسر الأهمية التي يوليها حالياً لإعادة تنظيم"تيار المستقبل"وتكثيف حضوره في المناطق، لا سيما ان هناك من يعتقد ان الظروف مواتية لدخول البلد في هدنة مديدة يبقى مصيرها معلقاً على ما سيؤول إليه الحوار الأميركي - الإيراني الذي لن تتوضح صورته قبل نهاية الصيف الحالي.