ليت الفلسطينيين يبتعدون كلياً، اليوم وكل يوم، عن الاقتتال الداخلي والتهديدات، وليتهم يتمسكون بوعودهم بعضهم لبعض لئلا تمتهن قيمة الوعود والالتزامات. ان الوضع الفلسطيني الداخلي خطير جداً واذا انفجر بسبب تهور من جانب عناصر في"فتح"او اخرى في"حماس"او من جانب قوى مسلحة اخرى، فإن الميدان سيخلو امام الاسرائيليين ليفعلوا ما يريدون ان يفعلوا. لا احد ينكر صعوبة الوضع الناجم عن الحصار المالي الاوروبي - الاميركي - الاسرائيلي للشعب الفلسطيني وما يثيره هذا من توتر ولوم متبادل بين"فتح"و"حماس". ولكن هذا الوضع الصعب يتطلب بالدرجة الاولى الصبر وهدوء الاعصاب والبحث عن حلول خلاقة لظرف لا يمكن ان يستمر لأجل طويل. المهم ان يكون كلام الرئيس محمود عباس وكلام رئيس الوزراء اسماعيل هنية عن كون دم الفلسطيني محرماً على اخيه الفلسطيني كلاماً له حرمته. وينبغي ان يكون الفلسطينيون على بينة من انهم اذا اقتتلوا في ما بينهم، فان المستفيد من ذلك، على حسابهم، سيكون اسرائيل التي فشل رئيس حكومتها ايهود اولمرت في زيارتيه لبريطانيا وفرنسا قبل ايام في اقناع حكومتي البلدين بجدوى خطته الاحادية الجانب لترسيم حدود اسرائيل على حساب الفلسطينيين واراضيهم وحقوقهم. وقد قوبل موقف اولمرت وسلوك حكومته باستهجان في وسائل الاعلام البريطانية والفرنسية التي ابرزت بشاعة مجزرة شاطئ بيت لاهيا التي قتل فيها سبعة افراد من عائلة واحدة، مثلما شددت على ان الحدود الوحيدة التي يمكن الاعتراف بها هي تلك التي يتفق عليها عن طريق التفاوض. ولكن اذا ساد الانقسام صفوف الفلسطينيين وتفرقت كلمتهم، فسيسهل على اولمرت ان يقول للمجتمع الدولي انه بالفعل لا يجد شريكاً فلسطينياً ذا صدقية وصاحب سلطة يستطيع التفاوض معه، وانه بالتالي سينفذ خطته الاحادية. يعلم الفلسطينيون ان الاوروبيين باتوا، في ما يتعلق بالمساعدات المالية لهم، منقادين للسياسة الاميركية المنحازة لاسرائيل وان غاية الاتحاد الاوروبي واميركا من وراء ذلك اسقاط حكومة انتخبت شرعياً وديموقراطياً وفي حضور مراقبين اوروبيين واميركيين شهدوا بنزاهة الانتخابات. واذا ارادت"حماس"التي انتخبت لتكون حكومة اصلاحية البقاء في الحكم، فليس هناك ما يضيرها اذا سعت الى تلبية الشروط الدولية من اجل استئناف المساعدات للشعب الفلسطيني وارغام اسرائيل على العودة الى طاولة المفاوضات. ان العمل السياسي يتطلب ذلك. ولكن لا ينبغي ان يعتاد الفلسطينيون على تصدير المسؤولية عن اوضاعم الداخلية الى جهات خارجية او ان يسمحوا لجهات خارجية بالتسبب في انقسام صفوفهم. ولا بد هنا من وضع النقاط على الحروف. فمثلاً، ما الذي يمنع حركة"حماس"وحكومتها من القبول بالمبادرة العربية التي تعد اسرائيل - وعداً مشروطاً - بالاعتراف بها اذا هي نفذت قرارات الاممالمتحدة القاضية بالانسحاب من الاراضي العربية التي احتلتها في حرب حزيران يونيو 1967؟ ان من يرفض هذه المبادرة انما يساوي نفسه باسرائيل الرافضة لها وبالتالي يقسم الموقف العربي خصوصاً بعد ان صارت"حماس"حكومة عربية. ثم لماذا ترفض حكومة"حماس"الحريصة على ادامة الهدنة مع اسرائيل في كل مكان، كما اعلن الناطق باسمها غازي حمد للاذاعة الاسرائيلية امس، ضم قوة الامن التي شكلتها برمتها من عناصرها الملتحية الى قوات الشرطة الفلسطينية كأفراد وليس ككتلة، كما تريد؟ هل القصد من ذلك جعل تلك القوة حصان طروادة يخترق الشرطة، ام ان اطرافاً خارجية لها الرأي الأخير في هذا الموضوع؟ ان هذه الاسئلة الموجهة الى"حماس"وحكومتها تقابلها اسئلة لا بد من توجيهها الى حركة"فتح"التي بدا من كلام بعض عناصرها لفضائيات تلفزيونية عربية انهم يقللون من خطورة اقدام جهات ما على احراق مقر رئاسة الحكومة والاعتداء على مقر المجلس التشريعي في رام الله، وهما رمزان مهمان للديموقراطية الفلسطينية. ان الديموقراطية تداول سلمي للسلطة ولا ينبغي تغيير حكومة او غالبية برلمانية الا عن طريق صناديق الاقتراع.