الأمل بأن يحصل يهود الدول العربية على تعويضات عن ممتلكاتهم التي تركوها خلفهم منذ الخمسينات والستينات يتجدد لدى القاطنين منهم في إسرائيل يوماً بعد يوم. ولم يعد الموضوع مقتصراً على يهود ليبيا، بل بات يشمل جميع اليهود الآتين من الدول العربية. واذا كان يهود مصر والمغرب والجزائر وسورية ينتظرون، بأمل كبير، ساعة السلام في الشرق الأوسط، فان يهود العراق يرون ان تحقيق هذا الأمل اقرب من اي وقت مضى. وفي خطوة لم يسبقهم عليها أي من يهود الدول العربية، يخوض اليهود العراقيون هذه الأيام معركة قضائية مع الحكومة الإسرائيلية يحاولون من خلالها الزامها بإجراء مفاوضات مع الحكومة العراقية الجديدة حول هذه التعويضات. أما قيمة التعويضات التي ينوون المطالبة بها فهي تفوق بأضعاف التقديرات الرسمية المسجلة في الوثائق الرسمية. فالعراقيون يتحدثون في الالتماس الذي قدمته باسمهم جمعية اليهود العراقيين"شيمش - شالوم فشيلوميم"تعني بالعربية شمس - سلام وتعويضات الى المحكمة، عن تعويضات تتراوح بين 10 وپ20 بليون دولار، فيما تتحدث الأوساط الرسمية التي تطرقت اكثر من مرة الى موضوع ممتلكات يهود الدول العربية عن قيمة هذه الممتلكات لحوالي 900 ألف يهودي عن اقل من 10 بلايين دولار بكثير. ينتظرون بفارغ الصبر معركة العراقيين تبدأ جولتها الأولى في السابع والعشرين من الشهر الجاري في المحكمة الاسرائيلية العليا في القدس، التي ستنظر في الالتماس الذي قدمه المحامي اليهودي العراقي، ديفيد ناوي، باسم جمعية"شيمش - شالوم فشيلوميم"، وتشمل مئات العائلات العراقية التي تطالب بالحصول على تعويضات وفي مقدمهم ناوي نفسه، الذي يطالب بتعويضات عن ممتلكات جده. وبالنسبة لناوي والجمعية فان"الأمل بقبول الالتماس كبير بعد تشكيل الحكومة العراقية الجديدة والتي تتمتع بديموقراطية حقيقية"، بحسب ما يشيرون اليه. ويبنون أملهم أيضاً على تصريحات بعض الشخصيات العراقية التي لها مكانة بارزة في الحكومة، المؤيدة منح تعويضات لليهود الذين تركوا العراق. ويبدو ان هذه القضية ستكون مثيرة للغاية. فهي الأولى من نوعها منذ قيام إسرائيل، والملتمسون مستعدون كل الاستعداد لخوضها وكسبها. ويتعاملون معها بحذر شديد ويمتنعون عن المقابلات الصحافية ويفرض المسؤولون في الجمعية جواً من الكتمان والحذر بين أعضائها، وبخاصة الموقعين على الالتماس. كثيرون منهم تراجعوا عن الحديث عما يفكرون به."لا نريد النشر عن هذه المحكمة. ان الوضع حساس والموضوع في غاية الأهمية، الأمل بات قريباً للحصول على تعويضاتنا"، يقولون وينتظرون بفارغ من الصبر موعد الجلسة. الترهيب ازداد اهتمام يهود الدول العربية بالحصول على تعويضاتهم مع تأكيد الحكومة الإسرائيلية السابقة، والحالية ايضاً، على رغبتها في توثيق العلاقة مع عدد من الدول العربية إضافة الى توثيق العلاقة التي تراجعت مع اندلاع انتفاضة الأقصى، مع بعض الدول التي سبق ان قامت علاقات بينها وبين إسرائيل. والى جانب ذلك تتواصل الجهود لاقناع اليهود الموجودين في الدول العربية للمجيء الى إسرائيل. وبحسب المعطيات الإسرائيلية الرسمية، لا يزال في العراق 29 يهودياً، والوكالة اليهودية تعمل، منذ الحرب على العراق، على نقلهم الى إسرائيل. وكما يقول مدير عام قسم الهجرة في الوكالة، مايك روزنبرغ، فان الوكالة تبذل جهوداً مشتركة مع الأميركيين لنقل أرشيف الجالية اليهودية في بغداد والذي تم العثور عليه بعد سقوط صدام حسين. معطيات الوكالة تشير الى ان في سورية 80 يهودياً، معظمهم من التجار، وفي لبنان هناك 70 يهودياً وهم ايضاً تجار. وفي تونس الإحصاءات الإسرائيلية تقول ان هناك 1500 يهودي، وفي المغرب يتواجد حتى الآن 3500 يهودي، معظمهم في الدار البيضاء. وفي الجزائر يوجد 50 يهودياً، معظمهم من المسنين، وفي مصر هناك 10 يهود. وفي اليمن 250، وفي البحرين 50 وفي ايران 25 ألف يهودي، وقد وصل الى إسرائيل في السنوات الأخيرة بضع مئات منهم. بالنسبة للعراق، وفي ظل الظروف التي عصفت به منذ الحرب، تبذل الوكالة اليهودية الجهود لجلب من تبقى من يهود هناك. وشرعت بحملة أطلقت عليها"مساعدة من صهيون". لكن نجاح هذه المحاولات غير مضمون. وتشير الوكالة الى ان معظم هؤلاء متزوجون من مسلمات لكنهم يجتمعون تحت سقف واحد. وهؤلاء، بحسب الوكالة، يتمتعون بأوضاع اقتصادية جيدة ولهم كنس وحوانيت ومصالح عدة ويهتمون بالمسنين من بينهم وبضمان الحاجات الأساسية لهم. ويهود العراق ينتشرون في مختلف أنحاء العالم ويقدر عددهم بپ300 ألف بينهم 250 ألفاً يسكنون في إسرائيل. وخلافاً ليهود الدول العربية الذي وصلوا الى إسرائيل، لم يكن معظم اليهود العراقيين يرغب في الهجرة. وقد نجحت إسرائيل آنذاك في ترهيب اكثر من مئة ألف يهودي ما دفعهم الى ترك بيوتهم واملاكهم والهجرة الى إسرائيل. وكشف أخيراً أحد كبار العراقيين الذي وصل الى إسرائيل، ويدعى يهودا تاغر، انه كان واحداً من العملاء الناشطين في العراق وقد اعتقل مع آخرين بتهمة وضع عبوة ناسفة في كانون الثاني يناير من العام 1951 في ساحة كنيس في بغداد كان يتجمع فيها يهود العراق الذين قرروا الهجرة الى إسرائيل. ففي ذلك اليوم، كما يقول، تجمع مئات من العراقيين اليهود وأدى انفجار العبوة الى قتل أربعة واصيب اكثر من عشرين بجروح. وقد اعتقلت السلطات العراقية عشرة يهود أدين من بينهم اثنان ثبتت عليهما التهمة وقيل في القرار ان العملية نفذت لخدمة أهداف الحركة الصهيونية لترحيل يهود العراق. وفي حينه اعدم الاثنان فيما سجن الثمانية لفترات متفاوتة. وقد رفضت الوكالة يومها ما جاء في القرار ونفى الموساد ان تكون له اية علاقة بالعملية بل اتهم تنظيم"الاخوان المسلمين"في ذلك. واليوم وبعد 55 عاماً جاء تاغر في محاولة للدفاع عن جهاز الاستخبارات الاسرائيلية موساد والإصرار على ان العملية ليست من تخطيطه لكنه في سياق حديثه كشف عن جرائم أخرى ارتكبها الموساد، آنذاك. وقال بكل صراحة انه عند اعتقال المتهمين بوضع العبوة الناسفة قرر الموساد إبعاد التهمة عنهم فخطط لتنفيذ عمليات تفجير أخرى في المواقع نفسها، في محاولة لاثبات ان التفجيرات ليست من صنعه وليس لليهود المتهمين اية علاقة بها. وتبين في شكل واضح من حديث تاغر، ان الموساد نفذ عمليات لترهيب اليهود وساهم في تسريع هجرة اليهود العراقيين. وترك اكثر من مئة ألف يهودي عراقي بيوتهم واملاكهم وهاجروا الى اسرائيل. وهؤلاء تميزوا بثقافة عالية. وهذا الوضع ساعدهم كثيراً عندما استقروا في إسرائيل على رغم التمييز الذي تعرضوا له، لكونهم قادمين من دولة عربية ولأن عدداً ليس قليلاً منهم كان من الشيوعيين، الذين رفضوا الظروف التي عاشوها منذ وصولهم في ما أطلق عليها المعبرات. ويؤكد الباحثون من بينهم ان إسرائيل لم توفر لهم الحد الأدنى من الحياة الانسانية وقد استغلت الاموال التي حملوها معهم. فقد اضطروا الى تبديل الجنية بالليرة، ولاستغلال ذلك خفضت إسرائيل قيمة الجنية بحوالي خمسين في المئة ما أدى الى تدهور أوضاعهم إضافة الى أنها رفضت الاعتراف بشهاداتهم. وقد ولدت هذه السياسة معارضة واسعة لها قادها الشيوعيون ما دفع إسرائيل الى البحث عن طرق لابعاد الشيوعيين عن المعبرات فسمحت لهم بالسكن في مدن وبلدات يهودية اخرى، وهكذا بدأ العراقيون يتوزعون في مختلف البلدات ثم عادوا ليندمجوا بالحياة اليومية وحققوا نجاحات في المجالات الثقافية والاقتصادية وبرزوا أيضاً في الحياة السياسية. عودة الى العراق على مدار اكثر من خمسين سنة عاش اليهود العراقيون حنين العودة الى العراق، ومع خلع صدام حسين جددوا نشاطهم في محاولة للحصول على تعويضات لممتلكاتهم. وعند الإعلان عن الانتخابات في العراق وصل بعضهم الى الأردن للإدلاء بصوته وهذا ما ولد لديهم الشعور بالانتماء للعراق. وزادت لحمتهم عند انخراط المئات منهم في طلب واحد ستبحثه المحكمة الإسرائيلية أواخر هذا الشهر. ولعل الطلب مقدمة ليس فقط للحصول على تعويضات انما لعلاقة إسرائيلية رسمية مع العراق، قد تسهل العمل التجاري السري الذي تنفذه اليوم شخصيات رسمية وشركات واصحاب رؤوس أموال في العراق.