في ظل فوضى الغناء اليوم، احتلت الجميلات موقع الصدارة في الساحة الفنية المصرية. وبفضل روبي وبوسي سمير وغيرهما، اختفت أسماء مطربات قدمن فناً أصيلاً في العقود الأخيرة من القرن الماضي. وأبعدت شركات الإنتاج وسياسة الفضائيات هؤلاء عن الأضواء، فقبعن في منازلهن تاركات الساحة خالية أمام الجميلات. "الحياة"زارت أرشيف الأغنية المصرية وفتحت ملفات بعض هؤلاء المطربات. فراغ المسرح الغنائي قد تفاجأ كثيراً اليوم عندما تسمع صدفة على إحدى الإذاعات أغنية"ردوا السلام"،"هوا يا هوا"،"الموانئ"،"طير يا حمام الروح"، وتتذكر صاحبتها الفنانة عفاف راضي. حينما ظهرت راضي توقع لها الأخوان رحباني أن تملأ فراغ المسرح الغنائي، واعتبر عبدالحليم حافظ صوتها"طائراً يحلق بين السماء والأرض". كما راهن بليغ حمدي على تجربتها حتى انه قاد لها الفرقة الموسيقية عندما كانت في بداياتها. أما اليوم، فاعتبرت المطربة التي ملأت الدنيا بجمال صوتها، أيام أم كلثوم وعبدالحليم حافظ وفريد الأطرش، أن موهبتها الحقيقية لم تعد تكفي لساحة تشترط قداً ممشوقاً، فابتعدت عن الأضواء وآثرت البقاء في المنزل. ومن عفاف راضي إلى نادية مصطفى التي ظهرت عام 1983 بأغنيتها المتميزة"مسافات"، وجذبت كبار الموسيقيين مثل محمد سلطان وبليغ حمدي ومحمد الموجي وكمال الطويل وسيد مكاوي، وكبار الشعراء مثل عبدالوهاب محمد وعمر بطيشة وعبدالرحمن الابنودي. لكن مصطفى تتفرّغ لتربية أولادها، ولا تجد وقتاً كافياً للغناء. وتظهر بين الحين والآخر في عمل يحاول محاكاة الموجة الشبابية السائدة... تطلّ مصطفى كثيراً في البرامج التلفزيونية، لكنها لم تعد تكافح من أجل إصدار الألبومات التي تضمن بقاءها واستمرارها في الساحة على رغم أنها احتفظت في فترة ليست قصيرة بلقب مطربة العام، وحصلت على الكثير من الجوائز، لكنها لم تستطع المقاومة كثيراً، فاستسلمت لفيضان المغنيات اللواتي سحبن البساط من تحت أقدامها. عبد الوهاب وعمار الشريعي في الصف نفسه، تقف إيمان الطوخي التي قدمها الموسيقار محمد عبدالوهاب للمرة الأولى في بداية الثمانينات في نشيد"الأرض الطيبة"مع زملائها محمد الحلو ومحمد ثروت وزينب يونس وسوزان عطية. بعدها، احتضن موهبتها الموسيقار عمار الشريعي وقدم لها أغاني"أنا وانت يا قمر"،"يا بت ياللي حمامك طار"،"التانغو"،"يا عيون يا مغرباني". لكن المطربة رائعة الصوت اختفت في ظروف غامضة وتوقفت وسائل الإعلام عن نقل أخبارها. السؤال الوحيد الذي يردده جمهورها: لماذا تبقى إيمان الطوخي في منزلها وتحرمنا من شدوها العذب؟! السؤال نفسه يوجه إلى هدى عمار، المطربة التي تبناها الموسيقي الشهير عمار الشريعي وأعطاها اسمه وراهن على موهبتها في مطلع التسعينات، ونجحت عبر ألحانه مع"قلبي الصغير"وپ"أنا بنت مصرية"وپ"ما اكدبش عليك"وپ"تايهين". لكنها فجأة أصيبت بحال يأس، وقررت الاعتزال،"لأن معايير شركات الإنتاج - بحسب ما أكدت المطربة - حالت دون تحقيق الحلم. وهي اليوم تكتفي بمشاهدة التلفزيون والعزف على آلة الهارب. حضور خجول... ولكن على رغم وجودها الخجول على الساحة الفنية، ما زالت أنوشكا تشكو من سطوة شركات الإنتاج. فهي اليوم تجلس بعيداً من سوق الكاسيت، بعد صدور آخر ألبوماتها"نفسي أكون"الذي قدمته منذ ست سنوات. وباتت إطلالتها موسمية محصورة بحفلات دار الأوبرا. يذكر أن انوشكا لقبت لفترة طويلة بمطربة الجوائز، إذ حصدت الكثير من الجوائز العالمية وقدمت مجموعة من الأغاني المتميزة مثل"اصعب بكا"وپ"اعتراف"وپ"حبيبي فين"وغيرها. وحال أنوشكا تشبه حال سيمون، تلك المطربة التي أصدرت قبل 8 سنوات ألبوم"مش نظرة"الذي حقق نجاحاً كبيراً، لكنها سرعان ما تركت الغناء واتجهت نحو التمثيل. أما المطربة مها البدري التي ظهرت في نهاية التسعينات وتوقع لها الكثيرون أن تعيد الأغنية الكلاسيكية الطربية إلى قواعدها، وعرفت بمطربة المستقبل بعد تقديمها مجموعة من الأغاني مثل"إنت أهم"وپ"صحي الاشواق"وپ"الله عليه". لكنها غيّرت موقفها وانشغلت بحياتها الزوجية وأصبحت إطلالتها محصورة ببعض الأعمال الدرامية في المسرح أو التلفزيون، وها هي الآن تنتظر فرصة للظهور في حفلة من حفلات ليالي التلفزيون لتجدد جسر التواصل الغنائي مع الجماهير بعد أن خاصمتها وسائل الإعلام. ومن سيمون إلى شيرين وجدي. جاءت مشكلة زوجها المنتج ايهاب طلعت وسفره خارج القاهرة، لتلقي بظلالها عليها وتجلسها في منزلها لرعاية بناتها والسفر وراء زوجها للوقوف الى جانبه ومساندته بعد أن ساندها كثيراً وصنع منها نجمة. وتنتظر وجدي هدوء العاصفة لتعود بعدها إلى الساحة الغنائية. أما المطربة غادة رجب، فقد حالت المشاكل التي حدثت بينها وبين شركة"روتانا"، منتجة آخر ألبوماتها، دون ظهورها في وسائل الاعلام، خصوصاً أنها لم تعد تقدم أغاني جديدة، واقتصر برنامجها الغنائي في أي حفلة تحييها على أرشيفها القديم وأغاني الجيل نجاة وعبدالحليم حافظ وفيروز وأم كلثوم. تقي آمال ماهر التي ظهرت منذ سبع سنوات وأطلق بعضهم عليها لقب أم كلثوم الجديدة، واحتضنتها الإذاعة المصرية بعد أن أوصى بها الرئيس محمد حسني مبارك وقدمت مجموعة من الأغاني الوطنية، فتعيش اليوم أيضاً مشاكل إنتاجية. آمال، وبعد خلافاتها مع زوجها الملحن محمد ضياء الدين، أصدرت قبل أيام قليلة ألبومها الأول الذي قد يحقق لها حضوراً في الساحة أو ينقلها إلى صف المعتزلات. لكن النتيجة لم تظهر بعد. الساحة الغنائية المصرية اليوم تعاني نقصاً في الأصوات النسائية، وقلّة هن اللواتي استطعن الصمود مثل أنغام وشيرين.