"الفقر هو اكبر مأساة بيئية تواجه الكرة الارضية" ، واقع اكده الملوك ورؤساء الدول عام 2000 في قمة"اوبك"الثانية في كراكاس في فنزويلا. وذكّر المدير العام للصندوق سليمان الحربش بهذا القول ليؤكد مجدداً على هدفي الصندوق الاساسيين: المساعدة في تضييق الفجوة بين الاغنياء والفقراء وحفز عجلة التنمية في الدول الاقل نمواً. واعتبر الحربش في كلمة قدم فيها تقريراً عن نشأة الصندوق وتطوره في الاعوام ال30 الماضية والتحديات وتصوره للمشاريع المستقبلية، ان"العالم كما نعرفه اليوم يختلف، في كثير من جوانبه عن العالم الذي شهد تأسيس الصندوق الخاص ل"اوبك"عام 1976"، لافتاً الى ان"تحولات طرأت على المشهد المكاني، ادت اليها تغيرات في الاوضاع الجغرافية - السياسية، ثم اتاحت العولمة ومنجزات التقدم التكنولوجي امكان استحداث اسلوب حياة لم تكن الاجيال السابقة لتحلم به من قبل". ولكنه رأى ان"أفقر فقراء الارض لم تتغير حالهم الا قليلاً جداً". وانطلق الحربش من عام 2000 ايضاً، الذي شهد قمة الالفية التي عقدتها الاممالمتحدة واطلقت الاهداف الانمائية الثمانية للالفية، اذ اعتبرها تمثل"منعطفاً في تاريخ التنمية، لأنها تشكل مخططاً اتفقت عليه كل الدول الاعضاء في الاممالمتحدة وعددها 191 دولة وكل المؤسسات الانمائية"، لافتاً الى ان الصندوق"أيدها". واوضح ان الاهداف الانمائية للالفية"تسلط الضوء على الجانب البشري من التنمية، وهو المبدأ الاساس الراسخ في صميم ايديولوجية الصندوق منذ ثلاثة عقود". وأعلن اعتزاز الصندوق بان"رجالاً ونساء واطفالاً في نحو 120 بلداً اصبحوا الآن يعيشون حياة افضل كنتيجة مباشرة لاعماله". الموعد النهائي المقرر لبلوغ الاهداف الانمائية للالفية هو عام 2015 ، وتوقع الحربش الا تتحقق كلها في الموعد المحدد بسبب النقص المتوقع في الموارد، لذا اكد ان"صندوق الاوبك"مع شركائه"سيبذلون جهداً اكثر من حصصهم العادلة سعياً الى تحقيق هذه الاهداف". نشأة الصندوق والمبادئ الاساسية طُرحت فكرة صندوق الاوبك للتنمية الدولية للمرة الاولى في اجتماع قمة"اوبك"في الجزائر عام 1975 ، عندما قررت الدول الاعضاء انشاء مرفق مالي متعدد الطرف يصلح استخدامه قناة جماعية لتقديم المعونة الى الدول النامية. وكان في البداية يحمل اسم"صندوق الاوبك الخاص"، وكان واحداً من مؤسسات انمائية ثنائية ومتعددة الطرف أسستها دول"اوبك"والدول العربية، وكانت موارده مكملة للموارد التي كانت خصصتها دول"اوبك"للمساعدة الانمائية الرسمية. وخلافاً للجهات الثنائية والمتعددة الطرف التي تمنح المعونات، كانت المساعدة التي يقدمها الصندوق وما زالت لا تفرض أي اعتبارات اقتصادية او ثقافية او دينية. كما ان للدول المستفيدة الحرية في شراء السلع والخدمات من افضل مصدر ممكن، ولا يشترط عليها ان تشتري من البلدان المانحة وحدها. اما الشرط الرئيس الذي ينص عليه الصندوق فيتمثل بان تكون المشاريع مجدية اقتصادياً ومصممة للمساهمة في تحقيق الاهداف الانمائية العامة للبلد. كما يصغي الصندوق الى آراء الدول الشريكة والهيئات المتلقية، لكي يطلع على اولوياتها ويصمم المعونة على اساسها. ويؤمن الصندوق بالشراكة بين المانح والمتلقي، بدلاً من النهج الفوقي بتحديد جدول الاعمال. ويركز الصندوق نشاطاته على أفقر الدول النامية، وعلى التنمية البشرية فيها للافراد الاكثر حاجة والاكثر قابلية للضرر. الدول الشريكة يقدم الصندوق الحصة الاكبر من مساعداته الى الدول الاقل نمواً، أي الدول النامية التي حددتها الاممالمتحدة، وتمثل المعونة الانمائية الرسمية لهذه الدول الشكل الرئيس من المساعدات الخارجية. وفي العام 2005 ، كان هناك 50 بلداً مصنفاً في فئة الدول الاقل نمواً، ساعد الصندوق 47 منها. تشمل وسائل التمويل التي يقدمها الصندوق قروضاً للقطاع العام الخاصة بالمشاريع والبرامج الانمائية، ودعم موازين المدفوعات، والتخفيف من الديون في اطار المبادرة الخاصة بالدول الفقيرة المثقلة بالديون، وقروض القطاع الخاص، وقروض المساعدات التقنية، والمعونة الغذائية، ومنح الابحاث، واعمال الاغاثة، والمساهمة في موارد المنظمات الانمائية. وتتجاوز اهداف الصندوق تقديم المعونات، اذ ان احد هذه الاهداف الرئيسة يتمثل في تعزيز التضامن بين دول الجنوب، والدفاع عن قضايا العالم النامي في الساحة الدولية. وفي هذا المجال، يرتبط الصندوق في شكل وثيق مع مؤسستين متعددتي الطرف هما: الصندوق الدولي للتنمية الزراعية ايفاد والصندوق المشترك للسلع الاساسية. ونيط ب"ايفاد"الذي تأسس عام 1977 ، وكان لصندوق الاوبك دور في ذلك، مساعدة الفقراء في الارياف في الدول النامية. وقدمت الدول الاعضاء حتى الآن 1.3 بليون دولار. فيما يتولى الصندوق المشترك للسلع الذي تأسس في العام 1989 السعي الى تحقيق الاستقرار والعدالة في التجارة العالمية في السلع الاساسية. وخصص"صندوق الاوبك"مبلغ 83.6 مليون دولار للصندوق المشترك لتغطية رسوم اشتراك عشرات الدول النامية وللمساعدة في تمويل المشاريع. وفي نهاية العام 2005 ، بلغ مجموع المعونة الانمائية التي قدمها الصندوق 4 بلايين دولار، كما كان قطع شوطاً في برنامجه الاقراضي ال16، والذي كان مقرراً ان تكون مدته ثلاث سنوات بدأت في كانون الثاني يناير 2005 ، وخصص لهذا البرنامج الجديد 1.5 بليون دولار، فيما يبلغ عدد الدول المؤهلة لتلقي المساعدة في اطاره نحو 80 . يمول"صندوق الاوبك"الآن مشاريع القطاع العام في 110 دول، والعدد يزداد عاماً بعد عام، مع تكوين الصندوق شراكات جديدة، وتوسيع نطاق الاهلية ليشمل المزيد من الدول المتوسطة الدخل. وعندما بدأ الصندوق في عملياته كانت القروض التي يقدمها الى القطاع العام تميل الى التركيز على دعم موازين المدفوعات. ومع مرور الزمن، قدمت نسبة اكبر من قروض البرامج والمشاريع، وتشكل الآن اكبر نسبة من نشاطات الصندوق. وشهدت التسعينات تحولاً من المشاريع الكبيرة الخاصة بالبنى التحتية في ميادين الطاقة والصناعة الى المشاريع التي تستهدف تلبية الحاجات الاجتماعية وتحقيق التنمية البشرية. وفي السنوات الاخيرة، نالت مشاريع النقل اولوية، لأن سوء حال الطرق ووصلات النقل الاخرى في عدد من الدول النامية، بات عاملاً يؤدي الى استمرار عزلة ملايين الناس واستفحال فقرهم. ووافق الصندوق على مبلغ 6.2 مليون دولار لتمويل عمليات القطاع العام. يقع نصف عدد الدول الشريكة للصندوق في افريقيا، وربعها في اميركا اللاتينية والكاريبي وآسيا وعدد قليل منها في اوروبا. ويعتبر هذا التوزع مناسباً، لأن اكثر من 30 دولة من ال50 المصنفة ضمن اقل البلدان نمواً تقع في افريقيا جنوب الصحراء. ويتم اختيار المشاريع وصوغها بتعاون وثيق مع البلد المتلقي، لذا لا يفرض الصندوق المشاريع والبرامج على الدول، بل يطلع على احتياجاتها ويراعي اولوياتها. القطاع الخاص محرك النمو والتنمية يعتبر الصندوق ان تقديم المساعدة الى القطاع الخاص في الدول النامية يمكن ان يعود بفوائد كثيرة، والسبب في ذلك الى ان هذا القطاع في العالم النامي يوفر 9 فرص عمل جديدة من اصل 10. وفي ضوء ما تعانيه الدول النامية من بطالة مزمنة ولا يتوافر فيها سوى القليل من الضمان الاجتماعي، فإن الحصول على وظيفة يعني لكثر اتاحة الفرصة للتخلص من الفقر. كما تمثل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة مصدراً مهماً لتحقيق الثروة في هذه الدول. غير ان القطاع الخاص يعاني من تحديات مضنية، ليس اقلها الحصول على التمويل الكافي وينطبق ذلك على اصحاب المشاريع المرتقبين الذين يحاولون اقامة مؤسسات. فالعديد منهم ليس مؤهلاً للحصول على المساعدة من المصارف التجارية، التي غالباً ما تكون غير موجهة نحو التعامل مع المؤسسات الصغيرة. واستجابة لهذه الحاجة، أنشأ الصندوق عام 1998"مرفق تسهيلات القطاع الخاص"لتمكين الصندوق من تقديم الموارد مباشرة الى هذا القطاع. فشكل نافذة اضافية يقصد منها ان تعمل في شكل متوافق مع اساليب الصندوق التقليدية في التمويل، كما كان مرصوداً له التمويل الخاص. وعلى الصندوق قبل ان يطلع على مشروع من مشاريع مرفق القطاع الخاص، ان يوقع مع البلد المضيف على اتفاق لتشجيع الاستثمار وحمايته، ما يكفل ان ينال الامتيازات والحماية التي تنالها المؤسسات الانمائية الدولية التي يكون البلد المضيف عضواً فيها. ويقدم المرفق تسهيلات ائتمانية الى وسطاء ماليين والقروض المباشرة للمشاريع والاستثمارات في رأس المال المساهم والاستثمارات المشابهة والضمانات والايجار الشرائي. ووافق المرفق في نهاية العام الماضي على تمويل بقيمة 417.9 مليون دولار موزعة على اكثر من 83 مشروعاً في 35 بلداً. وصُدق على 16 مشروعاً منها في نهاية العام الماضي. وينشط المرفق في مجال القطاع الخاص في اميركا اللاتينية والكاريبي وافريقيا وآسيا الوسطى والشرق الاوسط ومنطقة آسيا والمحيط الهادي. منح المعونة ويقدم الصندوق ثلاثة انواع من المنح للمساعدات التقنية ومنح الاغاثة في حالات الطوارئ وتمويل الابحاث والنشاطات المماثلة. كما ان لديه ثلاثة حسابات خاصة في اطار برنامح المنح وهي حساب المنح الخاص بفلسطين وحساب المنح الخاص بمكافحة الايدز وحساب المنح الخاص بالمعونة الغذائية. وبلغ اجمالي ما قدمه الصندوق لحساب فلسطين في نهاية العام الماضي 40 مليون دولار، فيما استهل الحساب الخاص بمكافحة الايدز منذ تأسيسه عام 2001 بموارد اولية قدرت ب15 مليون دولار، ثم زيدت ثلاث مرات، وهو يقدم المساعدات في نحو 90 بلداً في كل المناطق النامية. الاستدامة والمرونة الى مبدأ الاستدامة الذي يشكل احد مبادئ صندوق الاوبك للتنمية الدولية، فهو يؤكد على ان المرونة مبدأ اساس ايضاً. فخلال العقود الثلاثة الماضية، نما الصندوق وتغير في شكل لم يكن احد يحلم به مؤسسوه. وعلى رغم هذه التغيرات، ظل الصندوق ملتزماً مبادئه الرئيسة المتمثلة بالتجاوب والمرونة والقابلية للتكيف. اذ يعتبر ان هذه المرونة ضرورية لمنظمة ناجحة في ميدان المساعدة الانمائية نظراً الى ما تشهده البلدان الشريكة من ظروف سريعة التغير وتطور في الاحتياجات. تقدم من خلال الشراكات يتمايز صندوق الاوبك للتنمية الدولية بتاريخ طويل من التعاون مع المصارف الانمائية وغيرها من الهيئات المتخصصة بالتمويل الانمائي ومع مؤسسات العون العربية والاسلامية والاوبك. وينفذ معظم المشاريع التي يضطلع بها الصندوق بالشراكة سواء كان ذلك للقطاع العام او للقطاع الخاص، واياً كان نوع التمويل. ومن المنظمات الدولية التي يتعاون معها في شكل وثيق البنك الدولي والمصارف الانمائية الاقليمية ووكالات منظومة الاممالمتحدة ومنظمات حكومية. الا ان اكثر الجهات التمويلية الشريكة القريبة من الصندوق، هي المؤسسات الثنائية والمتعددة الطرف التابعة لدوله الاعضاء. وشكلت ثمان من هذه المنظمات ومن بينها صندوق الاوبك هيئة جامعة تسمى"مجموعة التنسيق"المشتركة بين المؤسسات الانمائية العربية الوطنية والاقليمية. وبلغ ما قدمته كل المؤسسات الاعضاء في المجموعة ما يزيد على 81 بليون دولار من التمويل الانمائي. تحدي التغيير يعتبر صندوق الاوبك للتنمية الدولية في مناسبة الاحتفال بمرور 30 عاماً على انشائه انه"لا يكفي النظر الى الوراء لتقويم الاعمال التي حققها على مدى العقود الثلاثة، بل يجب التطلع الى ما قد يأتي مستقبلاً". فمنذ مطلع الالفية، ومع عقد المؤتمرات الدولية المتصلة بالتنمية، وتحديداً مع اعلان الاهداف الانمائية الثمانية للالفية، حازت قضايا التنمية وتخفيف حدة الفقر مكانة ابرز مما كانت عليه سابقاً في جدول الاعمال الدولي. فالمساعدة الانمائية لا تتعلق بنقل الموارد الى الدول الشريكة، اذ تشكل احد السبل لتحقيق هدفي التنمية المستدامة وتخفيف حدة الفقر. لذا لا بد من توافر استراتيجيات اخرى، من بينها انشاء نظام عادل لتخفيف الديون وللتجارة، والمساعدة في بناء اطار مالي مؤات، والاسراع في نقل التكنولوجيا. ودأب الصندوق على وضع هذه القضايا في الاعتبار في اعماله لسنوات عدة، وسيواصل مراعاتها. وخلص الى تأكيد ان التحديات كبيرة، لكنه اعتبر ان هناك امراً واحداً واضحاً هو استمرار الصندوق في التزام مبادئ اساسية ستبقى قائمة ومن دون تغيير. وستبقى اعماله مركزة على اكثر الدول حاجة وعلى اكثر شرائح المجتمع قابلية للضرر. واكد انه لضمان بقاء مساعداته موجهة في شكل سليم وفاعل وفي حينها، سيواصل اعتماد طريق الشراكة وسيزيد من مؤازرته الوثيقة مع الحكومات المتعاونة والمجتمعات المحلية المتلقية والوكالات الانمائية. وسيكون الصندوق مستعداً لما ستأتي به السنوات الثلاثين المقبلة.