بلدية محافظة الشماسية تضيء شوارعها ابتهاجاً بالشهر الفضيل    بعد منع إسرائيل دخول المساعدات للقطاع.. ما مصير اتفاق غزة؟    البديوي: وقف الاحتلال دخول المساعدات إلى غزة يخالف المواثيق الدولية    برشلونة يعزز صدارته لليغا ويثأر لصوفيا    سواريز: فخور بأداء اللاعبين    250 زيارة رقابية مشتركة بين الامانه وهيئة الغذاء والدواء على محلات العطارة    حرس الحدود بمنطقة جازان يقبض على (5) مخالفين    رئيس الوزراء البريطاني: أوروبا ستواصل دعم أوكرانيا عسكرياً    الذهب يسجل أسوأ أسبوع في ثلاثة أشهر مع قوة الدولار    المنتدى السعودي للإعلام 4    حافلات المدينة تنقل المصلين إلى المسجد النبوي    نيوم يلاقي الصفا.. والعين أمام الجندل    أمير الرياض يستقبل المفتي العام ومحافظ الخرج ورئيس المحكمة    «سكن» وبنك التنمية يوقّعان اتفاقية لتوفير 5000 وحدة سكنية    53 دولة إسلامية توافق على ميثاق الرياض للذكاء الاصطناعي    «تداول»: 4.3 % ملكية المستثمر الأجنبي من القيمة السوقية للأسهم    أمير تبوك يستقبل المهنئين بشهر رمضان المبارك    مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد يعيد بناء مسجد القبلي على الطراز النجدي    أمير تبوك يستقبل المهنئين بشهر رمضان المبارك    الجهات الحكومية بمكة تبدأ تفعيل خططها لشهر رمضان    سعود بن نايف يطّلع على إنجازات القطاع الشرقي الصحي    أمير القصيم ينوه بدعم القيادة للمنظومة الصحية    أمير الرياض يكرّم غدًا الفائزين بجائزة الملك سلمان لحفظ القرآن الكريم للبنين في دورتها ال 26    للعام الرابع على التوالي.. مستشفى الدكتور سليمان فقيه بجدة أفضل مستشفى خاص بالمملكة    وزير الخارجية يبحث مع نظيره الجزائري آخر التطورات    Mate XT الهاتف الأول القابل للطي الثلاثي    نقل لاعب الزمالك السابق «إبراهيم شيكا» إلى المستشفى بعد تدهور حالته الصحية    جوازات مطار الملك عبدالعزيز تستقبل رحلات ضيوف الرحمن القادمين للعمرة    الرياض: القبض على مقيم لتكسيره زجاج مركبات    استشهاد 4 فلسطينيين في قطاع غزة    «الصناعة»: معالجة 755 طلباً للإعفاء الجمركي في 30 يوماً    فتح التقديم على 10,494 وظيفة تعليمية في جميع إدارات التعليم    أخصائية تغذية تحذّر من تناول المكملات الغذائية في رمضان    النادي السعودي في بيرث يحتفي بيوم التأسيس    حسين الشريف إلى رحمة الله    مصر ترفض تشكيل حكومة سودانية موازية    ببداية الفصل الثالث ..1700 مدرسة بالطائف تستقبل أكثر من ربع مليون طالب وطالبة    أطول وأقصر عدد ساعات الصيام في الدول العربية والعالم    سبقه بوقاش والسومة.. إيفان توني يدخل التاريخ ب"هاتريك" الهلال    الملك سلمان موجهاً كلمة للمواطنين والمقيمين والمسلمين بمناسبة حلول رمضان: خدمة الحرمين وقاصديهما نهج دأب عليه ملوك المملكة    الدور الاقتصادي للمرأة السعودية.. استثمار إستراتيجي في مستقبل الوطن    التعادل السلبي يخيم على لقاء الفيحاء والوحدة    1365 حالة ضبط لممنوعات بالمنافذ خلال أسبوع    ممتاز الطائرة .. الهلال يعزّز صدارته للدوري    سلام: الحكومة اللبنانية ملتزمة بإعادة إعمار القرى الجنوبية المدمرة    «أبرق الرغامة».. صفحة من تاريخ طويل    المعجب يشدّد على تسهيل الإجراءات النظامية للمعتمرين    محمد بن فهد.. أمير التنمية والأعمال الإنسانية    جمعية الدعوة بأجياد تطلق البرامج الرمضانية" بمنطقة الحرم لعام 1446ه    "الثقافة" تنظم فعاليات ثقافية في موسم رمضان    لصيام آمن.. إرشادات لمرضى الربو    الأوكرانيون يرفضون الانتخابات في ظل الحرب والضغوط الخارجية    ثلاثية توني    "جيل الطيبين " ما الذي يغذي المصطلح؟    بدء استقبال طلبات الاعتكاف بالحرمين الشريفين.. الأربعاء    الحاجة إلى تصفيد بعض الإنس    أمير منطقة مكة يهنئ القيادة الرشيدة بمناسبة شهر رمضان المبارك.    "البريك":رفع التهنئة للقيادة بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مفارقات عدم اعتراف "حماس" بمنظمة التحرير
نشر في الحياة يوم 11 - 12 - 2010

في خضم النزاع بين حركتي"فتح"و"حماس"الذي انتقل أخيراً إلى شوارع غزة من المستوى السياسي إلى المستوى العسكري، ضاعت حقيقة لا ينتبه إليها كثر من المراقبين، هي أن حركة"حماس"ما زالت لا تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني، وذلك على رغم أن دول العالم كله، بمن فيها إسرائيل، قد محضت الشعب الفلسطيني مثل هذا الاعتراف.
ولا شك أن ضياع هذه الحقيقة وسط تخبط حركة"حماس"مع الحكم، يشير إلى عمق الأزمة التي بدأ يعانيها الشعب الفلسطيني منذ وصول الحركة الإسلامية إلى السلطة وتشكيلها الحكومة، فهي أزمة لا تعاني منها"حماس"فقط، بل إنها تلقي بظلها أيضا على مجمل العمل الفلسطيني بتنظيماته وأحزابه التي تبدو كما لو أنها قد نحيت عن المشهد السياسي وانزوت في ركن على المسرح تاركة ل"حماس"التبجح بانتصارها في الانتخابات ول"فتح"المشاغبة عليها.
وفاقم ذلك كله أن نشاط وزراء"حماس"والمسؤولين فيها يكاد يقتصر على التحذير من إفشال تجربة الحكم والتوعد بأن ذلك سينعكس سلباً على الشعب الفلسطيني، والتشديد على أن الحركة أتت إلى الحكم لتبقى وتنجح، وذلك من دون أن تفعل شيئا لحل المشكلة الاقتصادية المستعصية أو لحلحلة الأوضاع السياسية التي وصلت درجة الجمود.
إن عدم اعتراف"حماس"بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني، وإصرارها على إعادة هيكلتها، إنما يعنيان شيئاً واحداً فقط هو: الإجهاز عمليا على منظمة التحرير وبناء منظمة جديدة بميثاق بديل سوف يكون كما هو متوقع، قريبا من ميثاق"حماس"، أي برنامج يقوم على تحرير فلسطين"من البحر إلى النهر"، وينص كما هو متوقع أيضا على أن فلسطين"وقف إسلامي لا يجوز لأحد التفريط فيه"كما يقول ميثاق"حماس"السياسي.
إن هذا يعني عملياً إعادة صوغ النضال الفلسطيني على أسس جديدة قديمة، جديدة لأنها تتناسب والمنطلقات الفكرية لحركة"حماس"الواصلة الى السلطة حديثا، وقديمة لأنها منطلقات تنتمي إلى حقبة قديمة تجاوزها نضال الشعب الفلسطيني منذ ثلاثين عاما على الأقل، وهو ما يعني العودة إلى نقطة قريبة من خطوة البدء في المسيرة الفلسطينية التي انطلقت قبل أكثر من أربعين عاماً، وحققت كثيراً من الإنجازات خلال الأعوام الخمسة عشر الأخيرة بما في ذلك إنجاز تشكيل السلطة الوطنية الفلسطينية على الأرض الفلسطينية للمرة الأولى في تاريخ الشعب الفلسطيني الحديث وعودة القيادة الفلسطينية إلى الأرض الفلسطينية لتقود نضال شعبها مباشرة وليس من وراء الحدود كما كان الأمر منذ بداية ثورة 1936، وعودة مئات آلاف الفلسطينيين إلى الأرض الفلسطينية في هجرة معاكسة لكل ما اعتاده الفلسطينيون من عمليات إبعاد جماعية وفردية عن الأرض الفلسطينية طوال 39 عاماً من الاحتلال الإسرائيلي.
ولكن الإنجاز المفارقة هو إجراء الانتخابات الفلسطينية البلدية والاشتراعية خلال الأعوام الماضية، والتي مكنت"حماس"من السيطرة على بلديات كبرى في فلسطين قبل أن تأتي بممثليها إلى السلطة وتشكل حكومتها التي تدير شؤون البلاد اليوم.
إن إعادة هيكلة منظمة التحرير الفلسطينية والعودة إلى المربع الأول من النضال الفلسطيني يعني تدمير سمة مهمة من سمات نضال الشعب الفلسطيني، فمن المعروف أن منظمة التحرير الفلسطينية أقيمت عام 1964 على ما كان تأسس من نضال الشعب الفلسطيني وهو بعد على أرضه قبل العام 1948، وأنها لذلك جاءت ممثلة لكل التيارات السياسية الفلسطينية التي كان كثير منها قد ضعف أو تحول أو تغير شكل نضاله خلال الأعوام الستة عشر التي فصلت بين نكبة الشعب الفلسطيني وتأسيس المنظمة، بما في ذلك القوى التي سلكت طريق العمل الفدائي وذلك على رغم تحفظ هذه القوى على تركيبة منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك، وخاصة على"بيروقراطيتها"التي تبدت من خلال المكاتب التي كانت تشغلها في عدد من العواصم العربية، وهي مكاتب بدت وثيرة لا تليق بنضالات الفدائيين الذين كانوا قد بدأوا للتو عملياتهم العسكرية في الأرض الفلسطينية التي احتلت عام 1948.
ولكن هذه القوى رغم ذلك لم ترفض جوهر منظمة التحرير الفلسطينية التي انبثقت عن مؤتمر القمة العربي الأول لتكون الكيان السياسي الفلسطيني الموقت"حتى تحرير فلسطين"، بل رأت فيها لبنة يمكن البناء عليها، وهو ما حدث حين سيطرت المنظمات الفدائية، وعلى رأسها منظمة"فتح"، على منظمة التحرير الفلسطينية عام 1968، وحينذاك لم تبادر الفصائل الفدائية إلى إلغاء المنظمة ولم تطالب بإعادة هيكلتها لتتناسب وشعارات العمل الفدائي التي كانت تنطلق من أن"الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين"، بل رأت في صيغة منظمة التحرير الفلسطينية بما لها من مكاتب تمثيلية في البلدان العربية إنجازا يمكن الاستفادة منه والبناء عليه بدلاً من هدمه والبدء من جديد.
ولقد مكن ذلك القيادة الجديدة للمنظمة من أن تمكن منظمة التحرير الفلسطينية من لعب دوري الثورة والدولة في الوقت نفسه، وهي صيغة قامت عليها كل إنجازات المنظمة منذ ذلك التاريخ بما في ذلك دخولها الأمم المتحدة وهيئاتها التمثيلية وإقامة علاقات ديبلوماسية مع الغالبية العظمى من دول العالم وغير ذلك من إنجازات، في الوقت الذي حافظت فيه على نفسها كثورة مسلحة خاضت معارك ضارية ضد إسرائيل حتى اجتياح لبنان عام 1982.
وربما كان من المفارقات أن حركة"حماس"بفوزها في الانتخابات الأخيرة وتشكيلها الحكومة إنما كانت تبني على هذا الجانب تحديدا من منظمة التحرير الفلسطينية وهو جانب الدولة وليس على جانب الثورة الذي تنسب نفسها إليه.
إن عدم اعتراف قيادة"حماس"بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني ومطالبتها بإعادة هيكلتها وتغيير ميثاقها بما يتناسب مع ميثاق حركة"حماس"إنما يعنيان شيئاً واحداً هو إعادة صوغ النضال الفلسطيني على أسس جديدة تماما على النضال الفلسطيني الذي كان منذ بداياته في الثلاثينات من القرن الماضي تعدديا تشارك فيه أحزاب وتنظيمات وهيئات وقوى متعددة تراوح بين أحزاب كان ينضوي في إطارها العرب واليهود، الحزب الشيوعي الفلسطيني مثلاً، وبين الأحزاب السياسية الفلسطينية العلمانية ذات التوجه الوطني أو القومي، وحتى التنظيمات السياسية ذات التوجهات الدينية مثل ثورة الشيخ عز الدين القسام عام 1935 والتي مهدت لثورة 1936 - 1939 وهي أهم ثورة قام بها الشعب الفلسطيني في تاريخه، ومن المعروف أنها كانت بقيادة مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني بما له من وضع ديني معروف.
ولكن أكبر مفارقات عدم اعتراف"حماس"بمنظمة التحرير الفلسطينية هو إفقاد الجانب الفلسطيني الأرضية التي قامت عليها الاتفاقات الفلسطينية - الإسرائيلية منذ اتفاق أوسلو الأول الذي وقعته المنظمة وإسرائيل عام 1993. وقد يبدو هذا الأمر لدى بعض الرافضين لاتفاق أوسلو إنجازا يجب السعي إليه، باعتبار أن الاتفاق المذكور هو أساس المشاكل التي يعاني منها الشعب الفلسطيني اليوم، ولكن قضية اتفاق أوسلو أعقد من ذلك بكثير، فمن المعروف أن تشكيل السلطة الوطنية الفلسطينية وبالتالي حكومة"حماس"هو إحدى ثمار هذا الاتفاق، وأنه بالتالي ثمرة الاعتراف المتبادل بين إسرائيل والمنظمة الذي تم قبيل توقيع اتفاق أوسلو، وهو ما يعني أن عدم اعتراف"حماس"بالمنظمة وباتفاق أوسلو إنما يعني عمليا تدمير الأساس الذي قامت عليه السلطة الفلسطينية وكل ما انبثق عنها من مؤسسات وكل ما تلا تشكيلها من إنجازات بما في ذلك الانتخابات الفلسطينية التي جاءت ب"حماس"إلى الحكم.
وجوهر المفارقة هنا هو أن إلغاء اتفاق أوسلو كان هدفاً إسرائيلياً منذ أن جاء حزب الليكود إلى الحكم بعد اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إسحق رابين عام 1996، وأصبح هدف حزب العمل نفسه منذ مجيء ايهود باراك إلى الحكم بعد ذلك عام 1999، وأن حزب كديما اليوم إنما يطبق أجندة جوهرها التملص من"خريطة الطريق"التي خلفت اتفاق أوسلو أساساً لحل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، وتطبيق خطة الفصل الاحادي الجانب مع الفلسطينيين وترسيم الحدود الإسرائيلية مع البلدان العربية المجاورة بالشكل الذي تريده إسرائيل. وعليه فإن"حماس"بسعيها إلى إلغاء اتفاق أوسلو، وهو ما يعني اليوم إلغاء خريطة الطريق، إنما تكمل الجهود الإسرائيلية التي لا تريد شيئا أكثر من ذلك، ولا يغير في الأمر شيئا إعلان إسرائيل المتكرر أنها ملتزمة بخريطة الطريق، فقد مضى زمن كانت إسرائيل فيه تعلن التزامها باتفاق أوسلو في وقت كانت تسعى جاهدة إلى تدميره، وهو ما فعلته عام 1999 بتغييرها قواعد اللعبة في مؤتمر"كمب ديفيد"في ذلك العام.
واليوم تنظر قوى سياسية إسرائيلية متنفذة إلى اعتراف إسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية بوصفه الخطأ الأم الذي بنيت عليه كل الأخطاء التالية وصولا إلى فوز"حماس"في الانتخابات الفلسطينية وتشكيلها الحكومة، وإن كانت تلك القوى الإسرائيلية تنطلق في رؤيتها إلى المنظمة من ه``ذه النظرة، فماذا عن"حماس"؟
* كاتب فلسطيني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.