بعد 30 عاماً على تأسيس حركة «حماس» و11 عاماً على وصولها إلى الحكم في السلطة الفلسطينية، أصدرت الحركة وثيقة سياسية جديدة تضمنت، للمرة الأولى، قبولاً بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران (يونيو) عام 1967، في ما بدا شكلاً من أشكال «الواقعية السياسية»، علماً أن الوثيقة الجديدة لا تعترف بإسرائيل، لكنها تعترف ضمناً بوجودها على أرض الواقع. وكانت «الحياة» أول من كشف عن أن الحركة تعكف على صوغ وثيقة سياسية جديدة (للمزيد). واعتبر مسؤولون في منظمة التحرير الوثيقة محاولة للحصول على اعتراف الغرب والإقليم ب «حماس». وقال عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة أحمد مجدلاني ل «الحياة»، إن «حماس تحاول أن تتأقلم مع التغيرات الدولية والإقليمية»، موضحاً أن «بعض النقاط في الوثيقة غامض وملتبس، ويحتمل اكثر من تفسير، لكن عموماً اقتربت كثيراً من برنامج منظمة التحرير في ما يتعلق بالدولة المستقلة على حدود عام 1967، واستخدام أساليب النضال المختلفة». من جانبها، اعتبرت إسرائيل أن «حماس تحاول خداع العالم، لكنها لن تنجح». وقال الناطق باسم رئيس الوزراء دافيد كيز: «يبنون أنفاقاً للإرهاب وأطلقوا آلاف الصواريخ على مدنيين إسرائيليين. هذه هي حماس الحقيقية». وتأتي الوثيقة، التي أقرها مجلس الشورى العام في 28 كانون الأول (ديسمبر) الماضي تزامناً مع مغادرة خالد مشعل رئاسة المكتب السياسي للحركة، والذي ظل على رأسه 20 عاماً، وقبل أيام قليلة من إعلان رئيس المكتب السياسي المنتخب موسى أبو مرزوق. ولم تأتِ الوثيقة المؤلفة من 42 بنداً وبدأ صوغها عام 2012، على ذكر المفاوضات وسيلةً لإيجاد حل للصراع الممتد منذ 70 عاماً مع إسرائيل، لكنها «اقتطفت» بعض بنود وثيقة الوفاق الوطني (وثيقة الأسرى) التي وقعتها الفصائل كافة، وتنص على أن أي اتفاق للسلام مع الدولة العبرية يجب أن يُعرض على استفتاء شعبي أو المجلس الوطني الفلسطيني الجديد. ولأن الحركة الإسلامية، التي تسيطر على القطاع منفردة منذ الانقسام عام 2007، تخشى أن تتهم بأنها تنكرت لميثاقها الذي وضعته عام 1988، وتخلت عنه كما تخلت حركة «فتح» عن بعض بنود ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية المتعلقة بتدمير إسرائيل، فإنها آثرت وضع هذه الوثيقة وعدم إدخال أي تعديلات على الميثاق. وتعتبر الوثيقة، التي تعكس تطوراً ما على فكر الحركة وأدائها السياسي خلال أكثر من ربع قرن من العمل المقاوم والحكْم، منظمة التحرير الفلسطينية «بيت الفلسطينيين الجامع» الذي يجب الحفاظ عليه وإعادة بنائه وتطويره وتفعيله. وكي تنأى بنفسها عن جماعة «الإخوان المسلمين» الأم المحظورة في مصر، فإن الحركة عمدت إلى تعريف نفسها في الوثيقة بأنها «حركة وطنية فلسطينية بمرجعية إسلامية هدفها تحرير فلسطين» بكل أشكال المقاومة وأدواتها، بما فيها الكفاح المسلح. وانتقلت الحركة، التي تعتبر نفسها «وسطية» وتنفي عنها تهمة التطرف، من وصف اليهود ب «أبناء القردة والخنازير» إبان الانتفاضة الشعبية الأولى (1987- 1993)، إلى تأكيد أن الصراع ليس مع اليهود لأنهم يهود، بل مع الاحتلال الإسرائيلي. ولإبعاد شبهة سعي الحركة إلى حلول أو مشاريع تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، رفضت الحركة في وثيقتها مشاريع التوطين أو الوطن البديل، واعتبرت أن المشروع الوطني هو مشروع كل الفلسطينيين، وتهدف الحركة إلى أن تكون الدولة كاملة السيادة «ثمرة» التحرير، لا كما ذهبت «فتح» إلى عملية معكوسة تتمثل في إقامة بُنى الدولة قبل التحرير. ومع أن الحركة فازت بغالبية مقاعد المجلس التشريعي عام 2006، وتعمل في إطار السلطة الفلسطينية تحت سقف اتفاق أوسلو، إلا أنها رفضت الاتفاق وكل الحلول التي يمكن أن تنتقص من حقوق الشعب الفلسطيني وثوابته. وتسعى الحركة من خلال الوثيقة، التي تعكس «براغماتية» سياسية، إلى أن تحصل على «الشرعية» العربية والدولية، ودخول نادي الأحزاب الكبرى المؤثرة. لكن مراقبين يرون أنه من دون اعتراف الحركة الصريح بالدولة العبرية، وبالاتفاقات الموقعة معها و «نبذ العنف» لن تتمكن من الحصول على الاعتراف المطلوب. وفي القاهرة رأت مصادر مطّلعة، في نأي «حماس» بنفسها عن جماعة «الإخوان»، خطوة مفيدة للحركة وللمنطقة. وقالت المصادر ل»الحياة» إن الارتباط العضوي بين الحركة والجماعة أضر بالعلاقات بين القاهرة والحركة طوال السنوات الماضية، على رغم حفاظ السلطات المصرية على خطوط اتصال لضمان أمن الحدود والتسهيل على الفلسطينيين في قطاع عزة. وأكدت المصادر ضرورة أن ترتبط الأقوال بالأفعال لتكون حماس قادرة على التحرك من جديد في وسطيها العربي والإسلامي, وبما يُمكّن عواصم عدة من العودة لدعم مطالبها وخطها السياسي. وعزّت المصادر التحرك الجديد ل»حماس» والذي تجتهد الحركة في تحديد مساراته طوال الأشهر الستة الماضية إلى «تغييرات محتملة» في فكر «حماس»، تسعى بها إلى ملاحقة التطورات الدولية وفي المنطقة، والابتعاد قدر الإمكان عن ضغوط إسرائيلية وأميركية لتصنيف الحركة إرهابية في الفترة المقبلة، خصوصاً في عهد الإدارة الأميركية الجديدة. وأعربت المصادر عن اعتقادها بأن «حماس» تشاورت مع جهات عدة قبل الإقدام على إعلان وثيقتها السياسية الجديدة, وأشارت إلى أن القاهرة كانت إحدى الجهات التي استشارتها الحركة.