ليب 2025 وصناعة المستقبل الصحي !    قراءة موضوعيّة للميزانية الفعلية للعام 2024    الجمعية التعاونية متعددة الأغراض بجازان تستضيف فريق صياغة الإستراتيجية بالجامعة لمناقشة أوجه التعاون المشترك    العالم يضبط إيقاعه على توقيت.. الدرعية    أهمية إنهاء القطيعة الأمريكية الروسية !    الأخضر يتجاوز كوريا وينتزع الصدارة    قلم أخضر    جمعية«اتزان» تعقد اجتماعاً تحضيرياً لفعاليات يوم التأسيس بجازان    الهيئة العالمية للتبادل المعرفي تكرم رواد التربية والتعليم    إطلاق النقل الترددي في المدينة    «التخصصي» ينقذ ساقاً من البتر بعد استئصال ورم خبيث    اتصالات دبلوماسية لبنانية لتسريع انسحاب «إسرائيل»    «المركزي المصري» يحسم غداً أسعار الفائدة    الرياض تكرّم الفائزين بجائزة «القلم الذهبي» للأدب الأكثر تأثيراً    لاعب الأخضر "القباني" يتأهل للدور ال16 في بطولة آسيا للسنوكر    ترمب: أوكرانيا مسؤولة عن الغزو الروسي    جائزة صناع المحتوى لنجلاء جان    انطلاق معسكر "مستقبل الإعلام في الذكاء الاصطناعي التوليدي"    استدامة العطاء بصندوق إحسان    محافظ الطائف يطَّلع على برامج وأنشطة يوم التأسيس بالمدارس    لودي يشارك في جزء من تدريبات الهلال ويقترب من الجاهزية    رئيس هيئة الأركان العامة يفتتح عددًا من المشاريع التطويرية للإدارة العامة للأسلحة والمدخرات    هل لا يزال السفر الجوي آمنا.. الأمريكيون يفقدون بعض الثقة    أمير المدينة يلتقي أهالي محافظة وادي الفرع ومديري الإدارات الحكومية    السيسي يطالب المجتمع الدولي بتبني خطة إعادة إعمار غزة    فيلا الحجر تختتم أول برنامج للتبادل الجامعي في مجال الهندسة المعمارية بين المملكة وفرنسا    نيابة عن أمير منطقة الرياض.. نائب أمير المنطقة يرعى حفل الزواج الجماعي لجمعية "كفيف"    نائب وزير البيئة: لدينا بيئة تشريعية واستثمارية يعزز الجاذبية الاقتصادية للقطاع الزراعي بالأحساء    على نفقة الملك.. تفطير أكثر من مليون صائم في 61 دولة    16 مليار ريال مساهمة قطاع الإعلام في الناتج المحلي لعام 2024    عبدالعزيز بن سعود يعقد جلسة مباحثات رسمية مع وزير الداخلية الأردني    محافظ سراة عبيدة يشهد احتفال التعليم بيوم التأسيس    «اربطوا الأحزمة».. «رامز إيلون مصر» يمقلب مرموش وهنيدي وفيفي وزيزو ضيوف    أمانة الطائف تطلق مبادرة "دكاني أجمل" بسوق البلد    السعودية تجدد دعوتها لإصلاح مجلس الأمن ليكون أكثر عدالةً في تمثيل الواقع الحالي    رئيس جامعة أم القرى يستقبل القنصل الأمريكي لبحث التعاون الأكاديمي والبحثي    محافظ صامطة يدشن الحملة الوطنية المحدودة للتطعيم ضد شلل الأطفال    مؤتمر بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية في مكة المكرمة    جامعة أم القرى تطلق برنامجًا تأهيليًا لتهيئة المتطوعين في شهر رمضان    "فلكية جدة": بعد منتصف الليل.. قمر شعبان في تربيعه الأخير    هطول أمطار رعدية وجريان السيول على عدة مناطق    أمير جازان يستقبل الفريق الاستشاري بمعهد الادارة العامة    استعرض معهما العلاقات الثنائية وسبل تعزيزها وتطويرها.. ولي العهد يبحث مع وزيري خارجية روسيا وأمريكا المستجدات الإقليمية والدولية    نقل تحيات القيادة الرشيدة للمشاركين في المؤتمر العالمي لسلامة الطرق.. وزير الداخلية: السعودية حريصة على تحسين السلامة المرورية بتدابير متقدمة    بتوجيه من سمو ولي العهد.. استضافة محادثات بين روسيا وأمريكا.. مملكة الأمن والسلام العالمي    الموارد البشرية: بدء سريان تعديلات نظام العمل اليوم    ( 3-1) السعودية محط أنظار العالم    دخول آليات وبيوت المتنقلة عبر رفح.. جولة جديدة لتبادل الأسرى بين الاحتلال وحماس    "فضيلة مفوض الإفتاء بمنطقة حائل": يلقي محاضرة بعنوان"أثر القرآن الكريم في تحقيق الأمن والإيمان"    في ختام الجولة 22 من "يلو" .. نيوم يخشى توهج النجمة.. والطائي يطمع في نقاط أحد    بايرن ميونخ ينجو من فخ سيلتك ويتأهل لثمن نهائي أبطال أوروبا    سماعات الرأس تزيد الاضطرابات العصبية    سعود بن خالد الفيصل كفاءة القيادة وقامة الاخلاق    أمير الرياض يتسلم تقرير جامعة المجمعة.. ويُعزي السليم    طبية الملك سعود تختتم «المؤتمر الدولي السابع للأورام»    محافظ محايل يتفقد مشروع مستشفى الحياة الوطني بالمحافظة    ما أشد أنواع الألم البشري قسوة ؟    لموسمين على التوالي.. جدة تستضيف الأدوار النهائية من دوري أبطال آسيا للنخبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شارع الموسيقى
نشر في الحياة يوم 11 - 12 - 2010

كلما استمعت إلى صوت البيانو، تذكرت رغبتي القديمة في تعلم الموسيقى... تلك التي نشأت ذات يوم حين سمعت البيانو للمرة الأولى. لكن العمر تقدم بي، ولم تتح لي هذه الفرصة حتى اللحظة، وقد كان على الدوام ثمة ما يمنعني من ذلك... النشاط في حزب سري، والعمل في أوقات الدراسة مثل إخوتي الآخرين، والزواج أخيراً، وإنجاب الأطفال.
لكنني ما إن أرى بيانو في مكان ما، حتى أشعر بقوة تجذبني إليه، وكم تمنيت لو أتمكن من الجلوس ولو مرة واحدة أمام تلك المفاتيح، لكي أثبت أنني قادر على العزف من دون تدريب، نظراً لإحساسي القوي بالنغمات، ولثقتي العالية بقدرتي على معرفة المفاتيح الملائمة لها، حتى وأنا مغمض العينين! ثم نسيت الأمر تماماً بعد أن امتلأ المنزل صراخاً وعويلاً، والقلب كمداً على عمر يتطاير مثل دخان السجائر من بين الأصابع.
كان أصغر أبنائي سيحتفل بعيد ميلاده السادس، وكنت مضطراً لإهدائه شيئاً ما. ولأنني مللت الملابس التي أراها الأفضل في المناسبات كلها، نظراً لما يوفره ذلك من استحقاقات يومية - أعتذر عن استخدام استحقاقات التي هي من مخلفات العمل السياسي -، فقد قررت أن أهديه شيئاً لم يخطر بباله من قبل، من دون أن أحدد ذلك الشيء.
كان علي أن أذهب إلى مكتبات الألعاب، وفوجئت بذلك التعدد الذي ترك على لساني مرارة أعرف أسبابها... وأخيراً وقعت عيناي على قطعة صغيرة ملونة، تتداخل فوق سطحها البلاستيكي مفاتيح سود وبيض. اقتربت منها ولمستها بحذر، ثم سألت عنها البائع، وأنا أتوقع الإجابة، لكنه قال: ميلوديكا... سألته كيف تعمل؟ فتناولها، ووضع فمها الصغير بين شفتيه، وحرك أصابعه بعشوائية فخرجت بعض الأصوات العشوائية التي خلت من الغموض السري العريق لنغمة البيانو، لكنني قررت شراءها، وأنا أؤكد أنني أضع ابني الصغير على الطريق الصحيحة!
فرح بها الصغير، وأخبرته ما عليه أن يفعله، لكنني فوجئت به يجد صعوبة في النفخ ولمس الأصابع، فكان عليّ أن أدربه. أمسكت بالقطعة مثل محترف عريق، ووضعت فمها الصغير بين شفتي، وفردت أصابعي فوق المفاتيح، ولكنني لم أحدد المعزوفة بعد. كان صدري يندفع عالياً متسارعاً، وازداد ذلك بعد أن سألتني ابنتي إن كنت أعرف العزف، وقلت لها بما يشبه اليقين: طبعاً، فقالت بفرح: يا بابا... نانسي عجرم، فقلت جاداً: لا أعرف إلا فيروز، فأصبتها بخيبة عابرة.
فجأة خطرت لي السيمفونية الأربعون لموتسارت، واعتبرت ذلك ملائماً تماماً، حيث أصبح مطلع هذه السيمفونية مألوفاً بفضل فيروز.
تهيأت تماماً، وفردت أصابعي، وأخذت نفساً عميقاً، ثم خرج الصوت خجولاً ومرتبكاً. أبعدت الميلوديكا عن فمي ونظرت إلى المفاتيح، ثم أعدتها، وجربت مرة ثانية بجرأة أكبر، لكن كل الأصوات التي خرجت كانت متنافرة ومن دون ضابط أو رابط أو إيقاع.
وضعت الميلوديكا جانباً، وقلت بحزم: طبعاً... هذه ليست بيانو... هذه لعبة...
عندما نام الجميع في تلك الليلة، تسللت خلسة وتناولت الميلوديكا وعدت بها إلى غرفة النوم، وأخذت أجرب محاولاً الحصول على جملة موسيقية واحدة، لكن زوجتي استيقظت، وأبدت دهشتها عندما رأتني. قلت لها: غريب... أنا أرى أصابع العازفين تتحرك بتلقائية، وعيونهم مغمضة... قالت عبر أبخرة النعاس: أين الغرابة؟ قلت: إنني أحاول من دون جدوى، على رغم ثقتي بمقدرتي على العزف. قالت وهي تدير ظهرها: تعلّم. قلت محتجاً: بعد هذا العمر؟ قالت باسترخاء: ألا تحبها؟ قلت: يعني؟ قالت: من أحب شيئاً عليه أن يفعله. قلت بدهشة: أي شيء؟ قالت: طبعاً، تصبح على خير.
أشعلت سيجارة، وفكرت بالأمر... أي شيء؟ يا إلهي! وأخذت أتذكر الأشياء التي أحبها، فلم أنته، وتوقفت مع آذان الفجر، واكتشفت أن هنالك مئات الأشياء التي أحببت القيام بها منذ طفولتي، من دون أن أتمكن من شيء واحد. لكنني قررت قبل النوم أن أتوجه نهاراً إلى أقرب مركز لتعلم الموسيقى، وعلى هذا غفوت!
استيقظت متعباً، وقبل خروجي إلى عملي، سلمتني زوجتي ورقة وهي تقول: لا تنس هذه الأغراض عند عودتك. وعند عودتي، كان عليّ أن أتدخل مع آخرين من أبناء الشارع كي نوقف شجاراً كاد يصبح دامياً، وكان عليّ أن أحتمل ذلك الضجيج اليومي الذي يخرج من محلات الحدادة، قبل أن أجد نفسي في محل الخضار، أتفقد حبات البطاطا بأصابع فائقة الخبرة قبل وضعها في كيس بلاستيكي. وبعد أن خرجت بأكياس عدة، ومشيت نحو البيت، فوجئت بلوحة زرقاء على مدخل الشارع كتب عليها: شارع الموسيقى!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.