إلى هذا الحد وصل الأمر؟ لن تبتعد من محطة تبث رسائل قصيرة في شكل متواصل، حتى تعلق بمحطة لا تعرف شيئاً غير الأغنيات والفيديو كليب. تبتعد قليلاً، فترى برنامجاً للتسلية. تخطئ ومن منّا لا يخطئ يا عزيزي؟ فتنقر رقماً ما على الريموت كونترول، فيكون نتاج الخطأ هذا ناساً يدردشون في أمر ما، لا شك أنه مسل أيضاً. تبحث عن حل آخر، فترى مشاركين في برنامج تلفزيون واقع في مواقف طريفة: هم مسلون أيضاً. ترى مقابلة مع فنان على هيئة نجم، أمام كومة هائلة من المعجبين المتلهفين لكل كلمة منه، ما أن ينطق بها حتى يضحكوا مهما كانت كلمته: إنه مسل جداً، وخفيف ظل أيضاً. تنسى أن موعد نشرة الأخبار قد فاتك في غمرة الترفيه والتسلية، فتشاهد الخبر الأخير، وهو طريف بالتأكيد. السؤال الوجيه هنا: ماذا تفعل كل هذه الطرافة والتسلية أمام أشخاص لم يشهدوا حدثاً سعيداً منذ مدة ليست بالقصيرة؟ من منا يستطيع احتمال كل هذه السعادة المتتالية؟ وهل هذا الأمر صحي أصلاً، على اعتبار أن كل أمر زاد على حده، صار يوماً إلى ضده؟ كمية الترفيه التي تعجّ بها الشاشة الصغيرة، التي بدأت تكبر وتطول وتصير أكثر عرضاً، أكثر من يحتملها إنسان خالي الذهن والوفاض، وكثير التعلق بالفرح، وهو في كل الأحوال عملة صعبة ونوع من الآدميين نادر الوجود في منطقتنا التي تعجّ بالسياسة: هل كانت السياسة يوماً أمراً مبهجاً؟ "الغلة"التي يصطادها المشاهد يومياً من الترفيه، عبر الشاشة، أكثر من أن تحتمل. ليس لأن هذا الترفيه كلام فارغ على الغالب، أو لأنه ترفيه موقت يشبه في مفعوله المخدر. وإنما لأنه ترفيه يذكّر فوراً بالجانب الآخر من المعادلة: الحزن على أقل تقدير، لئلا نقول الغضب. فلأن الترفيه يجذب الجمهور، صار الكل، من شاشات، رهن السعادة والانبساط. وكل الشاشات مستعجلة، لا تطبخ ترفيهها جيداً، فنراه أمامنا نيئاً لم ينضج، لأنه لو انتظر قليلاً، لالتقطت فكرته شاشة أخرى وبثته فوراً في خضم ترفيه لا ينتهي.