سعت الثورة"السوريالية"، في منتصف عشرينات القرن الماضي، في تجاوز الآداب والفنون، ونقض المنطق البورجوازي، وبلوغ عالم مثالي وسعادة كونية. وعلى رغم انتهاجهم الفوضى العامية، بدا السورياليون أقرب الى مريدي معتقد"ديني"منهم الى الفوضويين. فأرادوا اتخاذ اللاوعي سندهم، وتحريره من قيود الوعي. فارتجلوا نصوصاً، ورسموا رسوماً فورية و"تلقائية". وعقدوا مجالس طبعوها بطابع طقوس تحضير الأرواح. وظهرت مع الأيام هشاشة"العقيدة"السوريالية. فانفرط عقد جماعتها ومريديها في الخمسينات. ولكن أثر السوريالية في الفنون البصرية جلي الى يومنا. فمن الأخوين تشابمان الى فرانشيسكو كليمنتي، ومن كريستو الى ساره لوكاس، يستوحي الفنانون المعاصرون أساليب السوريالية من دون الانتساب اليها. والحق أن بابلو بيكاسو لم يتبن السوريالية، بل بادرت هي الى تبنيه. فهو كان رفيق السوريالية السوريالي، وشق طريقه الفنية خارج عالمها. ولا يزال الغموض يكتنف صلات بيكاسو بالسوريالية. ففي 1925، عرضت أعمال بيكاسو في أول معرض سوريالي بباريس. وتحل لوحات بيكاسو ضيف شرف في صالات عرض السوريالية. وپ"أقحم"الشاعر أندريه بروتون،"صاحب"السوريالية، رسوم بيكاسو التكعيبية في حركته، ونسبها اليها. وسعى معارضو بروتون في الحركة السوريالية، من أمثال الكاتب والفيلسوف وشاعر الايروسية، جورج باتاي، الى ضم بيكاسو الى حزبهم. ولا شك في ان السوريالية"جنّدت"من اعتبره بروتون ملهماً ثورياً. وعلى رغم ضعف إلمامه بالأعمال التكعيبية، أحب بروتون رسوم بيكاسو. ففي 1923، كسر رائد السوريالية ذراع ممثل في مسرحية"دادائية"فوضوية وعبثية ثأراً للرسام المجرد. فقرر الرسام"اختبار"السوريالية. ولكنه رفض الانتساب الى جماعة بروتون، واعتنق"سيادة"فنه. ولا يظهر تأييد بيكاسو السوريالية في تصريحاته أو كلامه عليها. فهو صاحب عبارة"ليست السوريالية سوى شبه عميق بما ورائيات أشكال التجربة الحسية الفورية وألوانها". ولعل المزج بين تقطيع الأجسام المادية العنيف، وبين تجزئتها وتشويهها في أعمال بيكاسو بعد 1925، هو الإيذان بالخلاف بين السورياليين. ولم يكن بيكاسو، بحسب جورج باتاي، شعاعاً ينير جنّة الجمال السوريالي، على قول بروتون، بل فناناً هارباً من سجن العقل، ومحرر القبح، وجزاراً يقتل الثيران. عن روبين بلايك ، "فاينانشيل تايمز" البريطانية . 12/5/2006