قبل عصر "الديجتال"، وقبل بداية القرن الواحد والعشرين، كانت الفضائيات العربية بالكاد تتجاوز 20 قناة على قمر"عربسات". من دون مقدمات، تضخم العدد كما تضخمت أسواق المال العربية، ليصل إلى أكثر من 200 قناة عربية. وصار 10 أضعافه قبل عقد. زمن التضخم لم يستغرق سوى نصف عقد فقط - هل يمكن أن يستمر التضاعف في السنوات المقبلة؟ وبتقسيم القنوات إلى قطاعات مختلفة، يمكن القول إن بداية الطفرة الفضائية والتضخم المخيف كانت مع دخول قنوات الكليبات الغنائية، ليصبح إطلاقها موضة في أواخر القرن الماضي وأوائل الحالي. وكانت بداية القنوات الغنائية مع قناة"اي آر تي"للموسيقى، ثم"نغم"و"ميلودي"و"مزيكا"و"سترايك"و"دريم"... لتنتهي ربما مع باقة"روتانا". وسرعان ما شكلت هذه القنوات تهديداً على محطات المنوعات التي كانت سمة المرحلة الأولى من دخول الفضائيات العربية غير الرسمية. بعد ذلك دخلت القنوات الإخبارية المنافسة توالياً، مزاحمة"الجزيرة"التي لقيت صيتاً، حتى في دول غير عربية، لكونها الوحيدة في الفترة ذاتها فترة قنوات المنوعات. وجاءت"العربية"على رأس المنافسات وقنوات أخرى مثل"الحرة"و"آي أن بي"و"آي أن أن"وسواها. لم تكن القنوات الغنائية وحدها التي غزت الفضائيات العربية فجأة، فهناك أيضاً غزو آخر على النقيض، تمثل بالقنوات ذات الارتباط بالدين، وعلى رأسها"اقرأ"وپ"المنار"وپ"المجد"... وتوالت بعدها"الهدى"وپ"الرسالة"وقنوات أخرى كثيرة، جاءت بتنوع المذاهب والأديان. وفي وقت عد فيه كثيرون غزو الفضائيات الغنائية الأضخم في الفترة الماضية، ربما كان غزو البرامج والقنوات الاقتصادية سمة الفترة الحالية والسنوات المقبلة. ولعل قناة"سي ان بي سي"أبرز القنوات الاقتصادية الحالية، بين قنوات مثل"ستوك"و"مؤشرات"و"الاقتصادية تي في"... فيما تميزت"العربية"في إطلاق البرامج الاقتصادية، خصوصاً تلك المختصة بأسواق المال العربية. لا تتوقف"قطاعات"سوق الفضائيات العربية عند هذا الحد، فلا يمكن تجاهل قنوات الأطفال وعلى رأسها"سبيس تون"، وتخصيص"الجزيرة"قناة للأطفال، أيضاً، أخيراً. وكذلك قنوات الرياضة، وقنوات الإعلانات التجارية في شتى المجالات عقارات والسلع التجارية كأدوات المطبخ والتجميل وسواها. ويضاف إلى كل ذلك أيضاً قنوات الترفيه والرسائل القصيرة - الدردشة، وقنوات الزواج والسياحة والتراث، وقنوات الشعر كفواصل... التي يعد"قطاعها"حديثاً لكنه ربما يشهد دخول قنوات أخرى قريباً. الفضائيات والتجزئة! وعلى رغم أن هذا التضخم على مستوى عدد القنوات وپ"قطاعاتها"- مجالاتها، يؤثر بلا شك في تقليص نسبة المشاهدين لكل قناة على حدة، فإن بعض القنوات أو المجموعات الكبرى لم تمانع في طرح قنوات جديدة تضم إلى قنواتها الأم:"أم بي سي"، دشنت قناة للأفلام الأميركية وأخرى للأطفال ورابعة للمسلسلات والبرامج الأجنبية، إلى جانب"العربية""الإخبارية". و"الجزيرة"أطلقت قناة رياضية وأخرى للأطفال وقريباً قناة باللغة الإنكليزية! وپ"روتانا"تملك أربع قنوات غنائية متنوعة، إضافة إلى قناة للسينما! التجزئة في القنوات لم تقتصر على الخاصة، بل طالت قنوات حكومية أيضاً، فوزارة الثقافة والإعلام السعودية تملك أربع قنوات حكومية الأولى العربية والثانية الإنكليزية والثالثة الرياضية والرابعة الإخبارية. بعيداً من كل هذا، هناك جانبان جديران بالتأمل في هذا السرد أو العرض للقنوات العربية التي تجاوزت الپ200. الجانب الأول هو غياب قنوات تهتم أو تختص بالإنترنت والشباب وقضايا المرأة العربية وحقوقها، كل على حدة. ويمكن هنا استثناء تجربتي قناة"زين"الشبابية وقناة"هي"المختصة بالمرأة، كونهما لم يشكلا منافسة قوية للقنوات المتربعة على رأس الهرم: الإخبارية والكليبات والمنوعات. أما الجانب الثاني، فهو السؤال إلى متى يستمر هذا التضخم في عدد القنوات العربية وقطاعاتها؟ خصوصاً أن زمن الدعم السياسي، لخدمة توجهات بعينها، أوشك على الانتهاء، وبات أكيداً أن القنوات الربحية هي القنوات التي ستستمر. وربما يقود ذلك إلى سؤال آخر: ماذا سيحل بالقنوات الضعيفة وغير المتابعة، والتي خرجت في ظل ثورة فضائية عربية وتضخم لا معقول؟ هل يمكن التنبؤ باندماج بعض القنوات الفضائية؟ على أي حال، إن لم يحصل هذا، يمكن الجزم بأن قنوات ستعلن خروجها من لائحة"ريسيفيرات"المنازل العربية قريباً في ظل غربلة مقبلة لا محالة، تشبه انهيارات أسواق المال العربية بعد تضخم غير منطقي وغير معقول. الأفلام والمباريات الحصرية ميزة للقنوات المشفرة "التلفزيون المدفوع" ... هل يمكن إطلاق هذه العبارة على الباقات المشفرة أو الشاشات التي ينحصر مشاهدوها بالمشتركين؟ وهل تُعد هذه القنوات خاصة بالطبقة المخملية في المجتمعات العربية من دون غيرها؟! على أي حال، ماذا يُميز هذه القنوات؟ وماذا قدمت منذ تدشينها؟ "شوتايم"وپ"أوربت"وپ"اي ار تي"، ثلاث باقات عربية يُمكن تصنيفها بعبارة"التلفزيون المدفوع". اعتمدت في شكل رئيس على تقديم الحصري، أو ما لا تعرضه قنوات التلفزيون المجانية. ربما لا يُمكن اعتبار البرامج التي تُنتجها هذه الباقات حصرية، لكون القنوات غير المدفوعة تُنتج أيضاً برامج خاصة. وبالنظر إلى باقة راديو وتلفزيون العرب اي ار تي، في السنوات الماضية، يظهر اهتمام القيمين على هذه الباقة بصفقات احتكار بطولات كرة القدم العالمية والعربية للمنتخبات، وكذلك البطولات المحلية، خصوصاً الأوروبية. وكان آخر هذه الصفقات كأس العالم 2006 الذي ستقام مبارياته النهائية في ألمانيا. وعانت هذه الباقة تحديداً من"السطو الفضائي"بعد محاولات اختراق مجانية كثيرة، تتزامن مع بعض البطولات التي تعرضها الباقة حصرياً. وتجلت معاناة الباقة في إعلانات تكافح هذه الاختراقات بل وتسميها بالسرقة. فكرة الاحتكار أو العروض الحصرية هي ما يميز الباقتان الأخريان شوتايم وأوربت أيضاً، لكنهما لا تنافسان نظيرتهما - اي ار تي - في الاحتكارات الرياضية، وذلك لا ينفي أنهما تقدمان برامج رياضية مميزة تختلف عنها في القنوات المجانية. تعتمد"شوتايم"وپ"أوربت"في شكل رئيس على الأفلام الحصرية والبرامج والمسلسلات الأميركية التي تعرض حصرياً أيضاً. وإذا كانت قناة"الشاشة"في باقة"شوتايم"تُقدم أفلاماً عربية لا يمكن للقنوات المجانية عرضها إلا بعد شهور من عرضها عبرها، فالقناة"الأولى"أو"1"في باقة أوربت تنافسها في المجال ذاته. وتحجز الأفلام الأميركية والأوروبية أحياناً، المركز الأول من حيز اهتمام القيمين على الباقتين. لتأتي بعدها مباشرة البرامج والمسلسلات الأميركية الكوميدية. كما تخصص كلتاهما قناة تعرض أفلاماً مختارة خرجت للتو من دور العرض العالمية، قبل أن تعرضها الباقتان ذاتهما على قنوات الأفلام الأخرى. اللافت، أن تجربة"التلفزيون المدفوع"في الفضائيات العربية انحصرت في الباقات الثلاث ولم تجد إقبالاً من رجال أعمال عرب آخرين الباقات الثلاث يملكها رجال أعمال سعوديون. بل اقتصرت أيضاً على احتكار المباريات، والأفلام والبرامج والمسلسلات، خصوصاً الأميركية، ولم تطاول جوانب أخرى. ليبقى سؤال يطرح نفسه: هل يمكن السنوات المقبلة إفراز تجارب احتكار أخرى تنضم إلى لائحة"التلفزيون المدفوع"؟ خصوصاً أن استمرارية الباقات الثلاث قد تشير إلى تحقيق أرباح سنوية.