مساء اليوم يختتم مهرجان"كان"السينمائي دورته التاسعة والخمسين، الدورة التي اعتبرها كثر من النقاد، واحدة من أضعف دورات الأعوام الأخيرة، من دون أن يعني ذلك خلوها من الأفلام الكبيرة أو المفاجآت. هي دورة ضعيفة خاصة بالمقارنة مع ما بدأ يعد به المهرجان المنافس، مهرجان البندقية، ثم بسبب ضعف التبادلات التجارية في سوق الفيلم، الى درجة اضطرت معها مجلة"سكرين"التي اعتادت اصدار عدد يومي خلال أيام المهرجان، الى الاحتجاب في اليومين الأخيرين، فيما قلصت منافستها الرئيسية"فارايتي"عدد صفحاتها وصدرت من دون غلاف - إعلان في الأيام الثلاثة الأخيرة. الصفقات الأميركية الكبيرة لم تكن حاضرة. وكاد المهرجان يبدو فرنسياً - فرنسياً. طبعاً هذه الأمور لا علاقة لها بالأفلام المتسابقة نفسها، حتى وإن كان من الصعب الحديث عن أفلام ضخمة، لأسماء كبيرة كما كانت الحال في العام السابق. يبدو واضحاً أن البندقية سبق"كان"فحصل على معظم ما هو كبير في عالم السينما هذه السنة. مع هذا كانت هناك أفلام مميزة، والتنافس اليوم يبدو على أشده. وقد تحمل الحفلة الختامية مفاجآت ليست في الحسبان، والرهانات بين النقاد، كل النقاد صاخبة: كل يؤكد أن فيلمه المفضل سيفوز لا محالة. ومجلة"الفيلم الفرنسي"المهنية، حددت منذ الآن"لائحة فائزيها"المفضلين. في اللائحة اسماء كثيرة تعكس تقارباً في المستوى والتقبل بين أفلام وآراء عدة. في خضم هذا تبرز أمور عدة، معظمها يطاول العقلية الفرنسية مباشرة: ففي حين يقف الأوروبيون الآخرون والأميركيون بقوة مع فيلم"الفرنسيون الافارقة"يتعامل معه الفرنسيون بشيء من اللامبالاة. منذ الآن لا يريحهم فيلم يذكرهم بمن حررهم في الحرب العالمية الثانية. قد يكتفون بتسمية أحد ممثلي الفيلم الرائع سامي بوعجيلة لجائزة أفضل ممثل. في المقابل، لم يحب الأميركيون كثيراً فيلم"ماري انطوانيت". لم يرشحها اياً منهم لأية جائزة. الفرنسيون أحبوه ويقولون إنه يستحق السعفة. أليس هناك اجماع إذاً؟ منذ الآن ثمة اجماع حول"بولير"بدرو المودوفار، كما حول"بابل"لالكسندر اينيراتو، الفيلم المكسيكي - العالمي الرائع الناطق جزئياً بالعربية، والمصور جزئياً في المغرب. وفي المقابل ثمة انقسام، صحي، حاد من حول"فلاندر"للفرنسي برونو دومون. وفي اليوم الأخير للمهرجان، أمس السبت، برز فيلم مكسيكي مفاجئ آخر هو"متاهة بان"الذي يدين الفاشية بعنف من خلال حكاية خرافية للبالغين. فيلم رائع عرض في اليوم الأخير، ويقول البعض إنه قد يقلب الحسابات، كما يقول البعض الآخر إن من سيقلب الحسابات قد يكون الفنلندي كوريسماكي في"أضواء الحي". أما الأكثرية فقالت بعدما رأت"طائرة يونايتد"عن الطائرة التي سقطت من دون هدفها خلال عمليات ايلول سبتمبر 2001 الإرهابية، انه لو كان في المسابقة لكان فاز من دون مواربة. الفيلم عمل تقني كبير حاول ألا يغوص في الرمال المتحركة للسياسة، فقدم، على خلفية سياسية، لحظات انسانية حقيقية قوية.