طغى الوضع العراقي على محادثات الرئيس جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير في البيت الأبيض ليل أول من أمس. وفي انتقاد ذاتي غير معهود اعترف الزعيمان خلال مؤتمر صحافي بعد اللقاء الذي دام ساعتين بارتكاب أخطاء واتخاذ أحكام غير صائبة في العراق، بينها الطريقة التي اتبعت لاجتثاث حزب البعث وفضائح التعذيب في سجن أبو غريب وسياسة التشدد والتحدي، ورفضا الالتزام بخفض عديد القوات الاميركية والبريطانية في هذا البلد أو وضع جدول زمني لسحب قواتهما من العراق. وفي ثامن لقاء لهما منذ اعتداءات 11 أيلول سبتمبر 2001 أبدى الحليفان تفاؤلاً بالحكومة العراقية الجديدة برئاسة نوري المالكي وتعهداتها ببسط سلطة القوات العراقية وتعزيز قدراتها. واعتبر بلير، الذي زار العراق مطلع الأسبوع، أن اقتراح المالكي بتولي القوات العراقية المسؤولية الأمنية في كل المحافظات مع انتهاء العام المقبل"اقتراح معقول"ويتطلب"حكومة قوية وتحركا صارما ضد أي طرف يمارس العنف"، فيما دعا بوش المالكي الى الاسراع في اختيار وزير للدفاع للمباشرة في تسلم مهامه. وعلى رغم اعتراف الرجلين، في ما قد يكون آخر لقاء رسمي لهما في حال مغادرة بلير للمنصب الصيف المقبل، بسلسلة أخطاء قاما بها في العراق، دافعا عن قرار خوض الحرب واسقاط نظام صدام حسين، ولم يشككا بصحة قرار اجتياح العراق في 2003 على رغم عدم العثور على أسلحة دمار شامل في العراق، الحجة الأساسية التي استخدمها الزعيمان لتبرير الحرب. وقال بوش:"قرار الاطاحة بصدام حسين كان صائبا. ولكن لم تسر كل الامور منذ التحرير كما توقعنا أو أملنا. وقد تعلمنا من اخطائنا"وتابع:"قرار طرد صدام حسين من الحكم اثار جدلا. لم نعثر على اسلحة الدمار الشامل التي كنا على ثقة جميعا بأننا سنجدها، ما دفع الناس الى التساؤل عما اذا كانت التضحية التي قمنا بها في العراق تستحق ان نقوم بها". فيما اعتبر بلير ان"قرارنا الاطاحة بصدام حسين كان مهما جدا للمجتمع الدولي. ولا جدوى من اعادة الحديث في هذه المسألة مجددا". وأقر بوش بارتكاب"هفوات لغوية"واستخدام لغة غير ديبلوماسية أسيء فهمها في"بعض أجزاء العالم"، بينها عبارة"نريده حياً أو ميتا"عندما قال ان الولاياتالمتحدة ستقبض على اسامة بن لادن، أو عبارات أخرى تتحدى المسلحين العراقيين رددها الرئيس الجنوبي ولاية تكساس. وقال:"تعلمت بعض الدروس بينها اختيار طريقة في التعبير أكثر تنميقاً". لكنه شدد على ان"الخطأ الاكبر"الذي ارتكبه الاميركيون هو اساءة معاملة المعتقلين العراقيين في سجن ابو غريب. وقال:"اننا ندفع ثمن ذلك حتى الآن". وجدد بوش التأكيد على ان خفض القوات الاميركية سيقرره القادة العسكريون وفقاً للظروف على الارض وتحسن اداء قوات الامن العراقية. واكد ان"القوات ستبقى الوقت الضروري لتحقيق النصر". وأضاف"اريد سحب قواتنا. لا تفهموني خطأ. انني ادرك معنى ان تكون لديك قوات في طريق الخطر. لكنني ادرك أيضاً انه من المهم ان نقوم بالمهمة وان نكملها". وعبر بلير عن اعتقاده بأنه"من الممكن لقوات الامن العراقية ان تتولى السيطرة بشكل تدريجي ... ولكن عندما يتحدث رئيس الوزراء العراقي عن جدول زمني موضوعي فهو يعني جدولا زمنيا تحكمه الظروف على الارض". وأضاف"من الحتمي بمرور الوقت ان ننقل المسؤولية"الى العراقيين. واعتبر بلير انه"من الممكن"ان تتولى قوى الامن العراقية الامن في كل انحاء البلاد بنهاية 2007 كما توقع رئيس الوزراء العراقي الجديد نوري المالكي، واضاف"لكن في الوقت الراهن فان هذه الحكومة العراقية المنتخبة مباشرة قالت انها تريد ان نبقى الى ان يتم انجاز المهمة". واقر بلير، الذي تراجعت شعبيته كثيراً الى 26 في المئة مثل بوش 31 في المئة بسبب الحرب على العراق، بأخطاء لها طابع سياسي، معتبراً ان الاستراتيجية التي نفذت فيها عملية اجتثاث حزب البعث من السلطة بعد سقوط النظام كانت الخطأ الاكبر، فضلاً عن عدم تقدير"التحالف"مخاطر التمرد بشكل كاف. واضاف"من السهل تكرار الحديث عن الاخطاء التي ربما وقعنا فيها. لكن أكبر سبب يشرح الصعوبات في العراق هو تصميم خصومنا على هزيمتنا". واقر بلير بان اعمال العنف لن تتوقف وتوقع ان تتفاقم فيما تحاول الحكومة الجديدة بسط نفوذ قوات الامن العراقية على مزيد من الاراضي. فيما شدد بوش على ان بغداد تحتاج الى مزيد من قوات الشرطة التي تتسم بالفاعلية،"فمن المهم حقا ان تصبح العاصمة أكثر أمناً". الى ذلك ناقش بوش وبلير ازمة الملف النووي الايراني. وقال بوش ان على الايرانيين ان يبدأوا بتعليق نشاطاتهم الحساسة جدا في مجال تخصيب اليورانيوم قبل ان يتمنكوا من الحصول على تعاون اكبر من المجتمع الدولي. ولفت الى ان"الايرانيين هجروا طاولة المفاوضات والكرة في ملعبهم"مؤكدا عزمه على حل الازمة عبر السبل الديبلوماسية مؤكدا في الوقت ذاته"ان كل الخيارات مفتوحة"، فيما قال بلير"يجب ان يفهم الايرانيون ان كلمة المجتمع الدولي واضحة واكيدة، وانه يجب عليهم التقيد بالتزاماتهم". وفي نهاية المؤتمر الصحافي أشاد بوش ببلير، وناشده الاستمرار في منصبه رئيساً للوزراء:"أعرف فيه رجلا يتحلى بالعزم والرؤية والشجاعة ... واريده ان يكون موجودا طالما انا في الرئاسة". وأضاف:"الرائع في التعامل مع رئيس الوزراء بلير انه لم يقل لي اطلاقا ولا مرة واحدة على الهاتف"اعتقد ان علينا ان نغير اساليبنا بسبب استطلاعات الرأي السياسية"".