أصبحت آسيا الوسطى، وهي كانت محور صراع بين الإمبراطورية البريطانية وروسيا القيصرية في القرن التاسع عشر، ميدان معركة بين روسيا المنتشية بالنفط، والصين، القوة الصاعدة، والولاياتالمتحدة. ومنذ ختام الحرب الباردة في 1990، بدأ نفوذ الولاياتالمتحدة بالمنطقة بالانحسار والتراجع. وسعى ديك تشيني في تعزيز التعاون بين بلاده وكازاخستان في مجال الطاقة. فأبرم اتفاقاً مع نور سلطان نزارباييف على مد أنبوب نفط في بحر قزوين. ومن شأن هذا الانبوب إضعاف قبضة موسكو الحديدية على صادرات بلدان آسيا الوسطى من الغاز الى أوروبا. والحق أن اميركا المشغولة بالعراق لا تسعى الى الفوز في هذه المعركة، بل الى تجنب تهميش الصينوروسيا لها. وليس تقرب الولاياتالمتحدة من نزارباييف وإلهام علييف رئيس أذربيجان سوى قرينة على بعث السياسة الواقعية عوض سياسة الديموقراطية التبشيرية التي أبعدت عدداً من زعماء آسيا الوسطى عن اميركا. وفي حين درج نزارباييف على قمع معارضيه، وإثراء عائلته وأقربائه، نجح في تحويل بلده من مكب النفايات النووية السوفياتية، ومركز معسكرات الاعتقال السوفياتي الى بلد مزدهر اقتصادياً بلغ متوسط النمو سنوياً عشرة في المئة، في الاعوام الخمسة الماضية، وفي موازنة النفوذ الروسي، وإبرام صفقات طاقة مع الصين والغرب. ولا يسع اميركا المغامرة بخسارة مصالحها في آسيا الوسطى وفاءً للمبادئ والديموقراطية. فمكانة الصينوروسيا تعززت في الاشهر الماضية. فهما نجحتا في طمأنة زعماء آسيا الوسطى، وتعهدتا مساندتهما في صد عدوى الثورات الملونة. وأميركا أمام مفترق طرق، فإما التخلي عن هذه المنطقة، أو المغامرة بمساندة أنظمة سلطوية. وقد يؤدي هذا الى تكرار اضطرابات الشرق الاوسط. وتفضل اميركا الخيار الثاني. فالتخلي عن آسيا الوسطى يعني دوام غياب الاحزاب الديموقراطية وانتهاك حقوق الانسان. ففي مؤتمر منظمة شانغهاي وهذه تضم روسياوالصين وكازاخستان وأذربيجان وقرقيزيا وطاجيكستان وتستبعد أميركا في تموز يوليو 2005، طُلب من اسلام كاريموف تفكيك القاعدة العسكرية الاميركية في قرغيزيا. وأسهم غضب كاريموف من مساندة الولاياتالمتحدة في إجراء تحقيق دولي لتحديد مسؤولية الحكومة في عمليات القمع، بأنديجان وأوزبكستان في أيار مايو 2005. ولا شك في أن روسيا تدرك أن آسيا الوسطى هي شرط من شروط تحولها الى قوة طاقة عظمى. فشركة"غاز بروم"عاجزة عن تزويد أوروبا بالطاقة في الاعوام المقبلة، من غير اللجوء الى آبار آسيا الوسطى. ومرد تقرب الصين من آسيا الوسطى، هو سعيها الى التزود بالطاقة، والرد على حصار القوات الاميركية لها. ويرى بعض قادة هذه المنطقة أن النموذج الصيني جذاب. فهو يجمع بين النجاح الاقتصادي والحكم السلطوي. وفي هذه المعركة غير المتكافئة، يعِد الاميركيون زعماء هذه المنطقة بعلاقات وثيقة بالغرب، تخولهم ولوج الاسواق الاوروبية والاميركية، وتحصيل خبرات تكنولوجية ومالية. ومن شأن الانضمام الى"الناتو"قوات حلف شمال الاطلسي موازنة تعاظم النفوذ الروسي والصيني، بحسب رؤساء آسيا الوسطى. عن فريديرك كامب،"وول ستريت جورنال"الاميركية 16/5/2006