تصاعدت وتيرة الاشتباكات أمس في أفغانستان لتكون الأعنف منذ غزو قوات التحالف بقيادة الولاياتالمتحدة في أواخر2001 وقتل جنديان فرنسيان وجرح ثالث فيما يُحاصر مقاتلون من حركة"طالبان"نحو 50 جندياً أفغانياً اثر كمين نصبوه لهم. ووردت تقارير عن اعتقال عضو مجلس قيادة الحركة الملا داد الله، إلا أن المسؤولين الأفغان لم يؤكدوا هويته. وقيل انه مصاب بجروح خطرة. وصرّح رجل ادعى انه داد الله لوكالة الأنباء الباكستانية انه حي ويقود التمرد بدعم 12 ألف رجل و1200 انتحاري. لكن متحدثاً باسم"طالبان"، هو قاري محمد يوسف، قال إن الحركة خسرت خمسة من مقاتليها وان عشرات الجنود الأفغان قتلوا وآخرين أسروا، إلا أن قوات التحالف لم تؤكد سوى مقتل أربعة جنود أفغان في مواجهات هلمند جنوب، فضلاً عن مقتل جندي أميركي وجرح ستة آخرين أمس. راجع ص8 وعزا محللون باكستانيون العودة البارزة ل"طالبان"أخيراً وتصاعد عملياتها المسلحة ضد القوات الأميركية والأفغانية في عدد من الولايات إلى حالة التذمر الشعبي المتفاقمة في أفغانستان جراء الفشل الذريع الذي منيت به حكومة الرئيس حميد كارزاي محلياً، وإلى عدم وفاء المجتمع الدولي بوعوده للشعب الأفغاني في التحرر والاستقلال والأمن والاستقرار والرخاء الاقتصادي. وتوقع رئيس مركز الدراسات الإقليمية في جامعة بيشاور الدكتور عظمت حيات، الاختصاصي بالوضع الأفغاني، أن تزيد"طالبان"وتيرة عملياتها المسلحة في الأسابيع المقبلة، وقال:"إن السبب الأساس في تزايد التذمر والنقمة ضد القوات الأميركية رفض الذل والمهانة أو الاعتداء على الأعراض". واعتدت قوات أميركية على فتيات أفغانيات في عدد من المدن، على غرار ما فعله الروس أثناء فترة احتلالهم. وأضاف حيات في حديثه الى"الحياة"أن أحد الأخطاء الأساسية لحكومة كارزاي والأميركيين إعادة القادة الذين كانوا قبل"طالبان"إلى تولي السلطة،"لأنهم في ذهنية الشعب تسببوا في القتل والدمار الذي حصل قبل مجيء طالبان"التي وضعت حداً له. كما أن الشعب لم يلمس شيئاً ايجابياً من الديموقراطية المزيفة التي يتغنى بها الأميركيون، ما أدى الى عودة التمسك بالإسلام الذي تنادي به"طالبان". وعن العلاقة بين الأحداث في العراقوأفغانستان وإمكان وصول مدربين من"القاعدة"أو مقاتلين عراقيين إلى كابول لتدريب عناصر من"طالبان"على العمليات الانتحارية، قال حيات:"كل شيء يحدث في العراق تتهم"القاعدة"بأنها وراءه، وكل شيء يحدث في أفغانستان تتهم"طالبان"بأنها مسؤولة عنه أو تتبناه، وهذا مخرج مناسب للقوات الأميركية وحكومة كارزاي بدلاً من الاعتراف بفشلهم في أفغانستان". وزاد ان كارزاي وبعد مرور أكثر من أربع سنوات ونصف سنة على توليه السلطة انتقالياً ثم منتخباً لم يتمكن من فرض سيطرته خارج العاصمة أو حدود عدد من المدن الأخرى. واستطلعت"الحياة"في بيشاور آراء عدد من المحللين الباكستانيين فحذروا من خطورة الأوضاع في أفغانستان، ومن تردي العلاقات بين كابول وإسلام آباد. وأشار بهروز خان مدير مكتب صحيفة"نيوز انترناشيونال"والمتابع للقضية الأفغانية منذ سنوات الحرب ضد السوفيات، الى أن"الصيف كان دائماً دامياً في أفغانستان منذ الوجود الشيوعي والسوفياتي فيها، والمقاومة في العراق أفادت"طالبان"كونها أعطتها الفرصة لإعادة تجميع نفسها واستعادة قدرتها على الحركة وتدريب مقاتليها وإيجاد مصادر للدعم المحلي والخارجي لها". وعن الاتهامات الموجهة إلى حكومة إسلام آباد وأجهزة استخباراتها حول مسؤوليتها عن تنامي قدرات"طالبان"، قال بهروز خان إن الحكومة الباكستانية وعلى رغم الجهود التي بذلتها على الحدود وفي منطقة القبائل، تعترف بأنها لم تتمكن من بسط نفوذها هناك. وفي المقابل فإن القوات الأميركية والأفغانية لا تريد أن تغامر بإرسال مزيد من أفرادها إلى الحدود لئلا يكونوا أهدافاً سهلة لمقاتلي القبائل وتنظيم"القاعدة"و"طالبان"،"لذا فإن أسهل طريقة للتعامل مع عجزها تصدير الاتهام الى الخارج، علماً أن حكومة برويز مشرّف عرضت على الجانبين، الأميركي والأفغاني، تسييج الحدود بأسلاك كهربائية إلا أن الأفغان رفضوا ذلك رفضاً باتاً". من جهته، رأى الكاتب الصحافي إسماعيل خان، الخبير في الشأن الأفغاني وأحوال القبائل ومدير مكتب جريدة"دون"، أن بعد مرور أربع سنوات ونيف على سقوط نظام"طالبان"من الطبيعي أن تكون"الحركة"استوعبت الدرس وعملت على إعادة التنظيم والتسلح وتأهيل مقاتليها الذين عاشوا مرحلة الفرار والسعي فقط الى المأوى الآمن. وأضاف درست"طالبان"في هذه الفترة أهداف العدو وخططه وأساليبه، وتعتمد حالياً استراتيجية طويلة الأمد قوامها إنهاك قوات التحالف لإجبارها على الانسحاب من أفغانستان، وساعتئذ ستسقط حكومة كارزاي، مضيفاً أن أخطاء أميركا في أفغانستان هي ذاتها في العراق، فهي لم تتمكن من تجاوز الأزمات النفسية التي تعاني منها في التعامل مع شعوب مسلمة تقدس مسألتي الدين والعِرض. كما أن قوات التحالف والعناصر الحكومية أخطأت في فهم آلية"طالبان"التي جاءت من قندهار وتمددت وانتشرت، فلم ترسل أعداداً كافية منها الى الحزام البشتوني جنوب البلاد وشرقها، ولم تنفذ أي أعمال تنمية وتطوير في هذه المناطق التي شعرت بأن حقها هُضم من التوليفة الحاكمة في كابول.