يعتبر موضوع ترسيم الحدود اللبنانية - السورية احد مكونات النزاع بين البلدين. ومع انه موضوع قديم فقد جرى طرحه بإلحاح بعد صدور قرار مجلس الأمن الرقم 1559 2004 وما تبعه من تقارير الأمين العام كوفي انان الى المجلس حول مدى تطبيق القرار المذكور. وكان الأمين العام عيّن تيري رود لارسن ممثلاً له لمتابعة تطبيق القرار 1559، لارسن رأى في تقاريره ضرورة ترسيم الحدود بين البلدين وإقامة علاقات ديبلوماسية بينهما تعبيراً عن/ وتأكيداً لاحترام سورية استقلال لبنان وسيادته. هذا الطرح أثار احتجاجاً لدى سورية التي رأت فيه نقضاً للسيادة وخروجاً على ولاية القرار 1559، واتخذت موقفاً سلبياً من لارسن برفض استقباله في سورية. فما هو موقف سورية من موضوع ترسيم الحدود بين البلدين؟ وفي المقابل ما هو موقف الأممالمتحدة في ضوء ما تقدمه سابقة الحدود العراقية - الكويتية في هذا المجال؟ اولاً: سورية ولبنان و"ترسيم"الحدود 1- يقدم موضوع تخطيط او تحديد او ترسيم الحدود بين سورية ولبنان"افضل"نموذج عن اشكالية العلاقات بين البلدين وعن الطريقة السورية في التعامل مع لبنان منذ زمن الانتداب الى اليوم. ومن دون الدخول في تفاصيل عشرات المحاولات والاختصاصيين في الطوبوغرافيا والتحديد والمسح واللجان الفنية والقضائية والإدارية والعامة والتنفيذية والعقارية والمشتركة والهيئة الدائمة، منذ عهد الانتداب حتى نهاية التسعينات، والتي عرضها الدكتور عصام خليفة بالتفصيل في مؤلفه المرجعي حول الموضوع الحدود اللبنانية - السورية، محاولات التحديد والترسيم 1920 - 2000، بيروت 2006، فقد توصل بعد عرضه محاولات حل هذه الإشكاليات على طول الحدود تقريباً الى خلاصات اساسية منها: أ - ان النقاش كان يدور حول تخطيط الحدود وتعيينها وليس ترسيمها. ولذا جرى استعمال مصطلح"الحدود السياسية"بدلاً من مصطلح"ترسيم الحدود الدولية". ب- افتعال مشاكل عقارية من الجانب السوري لعرقلة عمل اللجان. وتجارب اللجان اللبنانية والحكومة اللبنانية مع القرارات المتخذة اكثر من تجاوب اللجان والحكومات السورية. ج- حصول تغيير في رئاسة اللجان اللبنانية بينما هناك ثبات نسبي في رئاسة اللجان السورية. د- إغراق لجنة الحدود مع لجان اخرى بعد العام 1970 على نحو يوحي بتعطيل فاعلية عملها. هذا يعني بصريح العبارة ان سورية في مختلف العهود، لم تكن راغبة في ترسيم الحدود الدولية مع لبنان، أي تثبيت هذه الحدود في شكل نهائي، على الطبيعة خط القمم في شكل عام بين الدولتين. وحالة مثلث شبعا، ومنه مزارع شبعا ليست سوى نموذج عن هذا التعاطي السوري مع موضوع الحدود بين البلدين. 2- الموقف اللبناني من موضوع ترسيم الحدود عبّر عنه افضل تعبير رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة، بما في ذلك كلمته امام مجلس الأمن 21-4-2006 وتصريحه الأخير قبل سفره الى لندن 8/5/2006: فقد اعتبر السنيورة"ان إقامة علاقات ديبلوماسية بين البلدين وتحديد الحدود بينهما، بما فيها في منطقة مزارع شبعا، دلالة على ان الحكومة السورية بدأت تقبل إمكان إقامة علاقات جيدة بين سورية ولبنان المستقل". وفي رده على كتاب رئيس الوزراء السوري محمد ناجي عطري لبدء ترسيم الحدود من الشمال، رأى السنيورة ان هذا الاقتراح ليس فيه مصلحة لبنانية ولا عربية"وأكد ضرورة ان نبادر الى ترسيم الحدود ليس بالضرورة ان تعيّن لجنة واحدة"، متسائلاً"ألا يوجد خبراء لهذه المهمة إلا شخص واحد؟". وأضاف:"انا مع لجان عدة لترسيم الحدود من الجنوب والشمال والوسط... اين المشكلة في ذلك؟ ودعا الى اتخاذ خطوات عملية للترسيم حتى ولو تطلبت شهراً او اثنين او خمسة او ستة... هذا يبين الجدية ووجود رغبة حقيقية في ألا تبقى الأمور معلقة"، المستقبل 8/5/2006. ورد مندوب سورية في مجلس الأمن ميلاد عطية، على السنيورة قائلاً:"ان سورية لا ترى وجود مشكلة حدودية بين البلدين كما يصورها البعض، اما منطقة مزارع شبعا فهي واقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي ولا يمكن ترسيم الحدود إلا بعد تحريرها من الاحتلال"، جريدة النهار 22/4/2006. في جانب آخر، فإن الرئيس السوري بشار الأسد كان"وجه انتقادات الى القرار الدولي 1559 من انه مخالف لميثاق الأممالمتحدة". الحياة 10/10/2004. وفوق ذلك رأت سورية، بعد تقرير لارسن الثالث الى الأمين العام للأمم المتحدة نيسان 2006"ان التقرير تضمن تجاوزاً لحدود الصلاحيات الموكلة إليه بموجب القرار 1559"، وبالتالي"فإن لارسن تجاوز الولاية في القرار 1559 لدى حديثه عن التبادل الديبلوماسي وتحديد الحدود واعتباره ان الأمرين مرتبطان باحترام سيادة لبنان واستقلاله"، الحياة 2/5/2006. وحذرت سورية في مذكرتها الى مجلس الأمن المؤلفة من تسع نقاط من"ان دفع بعض الأطراف مجلس الأمن لاعتماد قرارات او بيانات جديدة لن يؤدي الى تهدئة الحال في لبنان او المنطقة، بل سيفاقم من حال عدم الاستقرار والتوتر في لبنان والمنطقة". وبمعزل عن اسلوب التهديد المبطن الذي وجه الى مجلس الأمن واعتبر سابقة في المؤسسة الدولية، فإن السؤال المركزي المطروح هو: هل صحيح ما تقوله سورية من ان لارسن تجاوز ولاية القرار 1559 بدعوته الى ترسيم الحدود بين لبنان وسورية وإقامة علاقات ديبلوماسية بينهما، وهما امران من"اختصاص السلطات المحلية لدى البلدين ويمكن الاتفاق عليهما حين تتيح الأجواء السائدة ذلك العلاقات بين البلدين". هذه الأجواء التي تتحدث عنها سورية لم تثمر لا في زمن شهر العسل في لبنان ولا في زمن التأزم بين البلدين،"فاعتبروا بحسب الرئيس السنيورة طلب ترسيم الحدود"غثياناً"وطلب تحديد الحدود ممكناً بعد ان يتم تحرير الأراضي العربية ولا سيما الجولان"، الشرق الأوسط 9/5/2006. الأمر الذي جعل السنيورة يتذكر ساخراً، خطبة الجهاد للإمام علي بن ابي طالب سره حين كان يدعو أنصاره الى قتال المارقين صيفاً فيجيبون:"هذه حمارة القيظ امهلنا يسبّخ عنا الحر"وفي الشتاء يقولون:"هذه صبارة القر أمهلنا يسبّخ عنا البرد"، ويخرج الإمام علي بالنتيجة الحاسمة:"كل هذا فراراً من الحر والقر فأنتم والله من السيف أفرّ". ويعني السنيورة بذلك ان الأخوة السوريين لا يريدون ترسيم الحدود ولا إقامة العلاقات الديبلوماسية لا في زمن العلاقات الممتازة ولا في زمن العلاقات المأزومة بين البلدين! وعلى الجملة، فإن سورية بلسان وزير خارجيتها وليد المعلم تعتبر انها"نفذت ما يتعلق بها في القرار 1559... وأنها غير جاهزة لبحث شؤون اخرى في القرار لأنها شأن لبناني"، السفير 20/4/2006. ولذا فهي اعترضت على موازنة بعثة لارسن في اللجنة المالية للأمم المتحدة وطلبت أجوبة من الأمانة العامة حول علاقة القرار 1559 بترسيم الحدود والعلاقات الديبلوماسية. ثانياً: الأممالمتحدة وترسيم الحدود، من غالي الى انان أي دور للأمم المتحدة في موضوع ترسيم الحدود بين الدول؟ وبالتالي هل يحق لممثل الأمين العام لارسن المطالبة بترسيم الحدود بين لبنان وسورية، باعتبارها جزءاً من عملية تنفيذ قرار مجلس الأمن 1559 ام ان طلبه هذا لسورية بخاصة الذي تبناه الأمين العام وأخذ به مجلس الأمن، يقع خارج ولاية القرار المذكور كما يقول السوريون؟ 1- القرار 1559:"أكد مجلس الأمن دعمه لسلامة لبنان الإقليمية وسيادته واستقلاله السياسي داخل حدوده المعترف بها دولياً". وأكد"دعوته الى الاحترام الكامل لسلطة حكومة لبنان الوحيدة والحصرية على كامل الأراضي اللبنانية". ودعا القرار"كل الأفرقاء المعنيين الى التعاون في شكل كامل وعاجل مع مجلس الأمن للتطبيق الكامل للقرار". هذا النص يطرح مقولة حدود لبنان المعترف بها دولياً بمعنى إبراز، أي ترسيم هذه الحدود ليعلم أين هي فعلياً وقانونياً. فالدولة لا تقوم كسلطة سيدة إلا على شعب معين وأرض محددة. وبالتالي لا بد من إظهار تمامية Intژgritژ وكمالية الأرض اللبنانية التي تقوم فوقها الدولة اللبنانية، وهذا لا يتم إلا بترسيم هذه الحدود، أي تثبيتها جغرافياً ونهائياً على الطبيعة. وهذا الترسيم هو، حكماً، على علاقة بالدولة المجاورة، أي سورية Limitrophe التي هي ملزمة بموجب نص قرار المجلس بالتعاون لتطبيق هذا القرار. 2 - طروحات لارسن حول معنى الترسيم وضرورته أ - في تقريره تشرين الأول/ اكتوبر 2005 كما في تقريره الثاني نيسان/ ابريل 2006 يذهب لارسن الى القول:"لترسيخ العلاقات الرسمية بين البلدين سورية ولبنان وبهدف ضمان سيادة لبنان واستقلاله السياسي ووحدة أراضيه، هناك حاجة لاتفاق رسمي حول الحدود بين سورية ولبنان، وتحديد ترسيم هذه الحدود على الأرض". ويبدو ان هناك إجماعاً على حاجة عامة الى ترسيم الحدود اللبنانية - السورية. ويقع على عاتق الحكومتين اللبنانية والسورية عبء التحرك السريع لإيجاد خلاصة نهائية لاتفاق حدودي. لقد أكد اللبنانيون رغبتهم بهذا الأمر وأتوقع تعاون سورية في هذه المسألة. وفي شكل أوضح، يؤكد لارسن في تقريره الثالث:"ان التمثيل الديبلوماسي في الدول الأخرى ووجود ترسيم واضح للحدود الوطنية مؤشران أساسيان وعنصران جوهريان للسيادة والسلامة الإقليمية والاستقلال السياسي لأي دولة". وبهذا يكون لارسن يقدم التبرير الحقوقي - السياسي لطلب ترسيم الحدود، ليس فقط بين سورية ولبنان، بل بين كل دولتين متجاورتين. 3 - موقف بطرس غالي:سابقة للمستقبل أ - انطلق الأمين العام للأمم المتحدة السابق بطرس بطرس غالي من تداعيات النزاع العراقي - الكويتي 1990. ورأى انه"عندما تحاول دولة عضو في الأممالمتحدة إخضاع أو الهيمنة على/ أو اجتياز أو ضم دولة أخرى تجاورها وهي عضو في الأممالمتحدة، فإن المتطلبات الفريدة التي انطوت عليها هذه الحالة، اقتضت اتخاذ تدابير مبتكرة أضفت تعبيراً عملياً جديداً على ما تضمنه ميثاق الأممالمتحدة من مفاهيم لكيفية صون السلام والأمن الدوليين". الأممالمتحدة والنزاع بين العراقوالكويت 90 - 96، منشورات الأممالمتحدة 1996. ويعترف غالي بأن القرار الرقم 687 3/4/1991 أنشأ مجموعة من أكثر مجموعات القرارات التي اتخذها المجلس شمولاً على الإطلاق بما في ذلك وضع تحديدات جديدة لصلاحيات المجلس. فقد قامت لجنة الأممالمتحدة لتخطيط الحدود بين العراقوالكويت بعملها. وكانت هذه المرة الأولى التي تنهض فيها الأممالمتحدة بمثل هذه المهمة بالنسبة الى دولتين من الدول الأعضاء وهو ما أنشأ سابقة تتطلع اليها أمم أخرى لإمكان تطبيقها على ظروفها الخاصة. وعلاوة على ذلك قرر مجلس الأمن بقراره الرقم 687 1991 ان يضمن حرمة الحدود بين العراقوالكويت. أجل، لقد أوجد مجلس الأمن"سوابق للمستقبل"وهي سوابق ستستفيد منها دول أخرى في المستقبل لمعالجة مشكلاتها الحدودية. وهذه هي حال لبنان. ويمكن اختصار هذه السوابق باثنتين رئيستين: الأولى: قرار المجلس بترسيم الحدود بين العراقوالكويت. الثانية: بأن يضمن المجلس حرمة الحدود الدولية المذكورة. وفي مناقشات المجلس أورد مندوب كوبا الذي عارض القرار ومندوبا اليمن والاكوادور اللذان امتنعا عن التصويت، الحجج التقليدية التي تقول بها سورية الآن بالنسبة الى حدودها مع لبنان وهي"ان الميثاق لا يمنح مجلس الأمن سلطة لتأدية دور ينبغي ان يمارسه قانوناً الطرفان نفساهما"، ويتلاقى ذلك مع طرح العراق الذي يرى"ان مجلس الأمن فرض وصفاً محدداً للحدود العراقية - الكويتية، في حين أن المعروف قانونياً وعلمياً في التعامل الدولي أن تترك مسائل الحدود لاتفاق الدول، وهو قرار جائر يشكل سابقة خطيرة لم تشهد المنظمة الدولية مثيلاً لها. وتنقص هذه السابقة من سيادة الدولة". رسالة وزير خارجية العراق أحمد حسين الى رئيس مجلس الأمن 6/4/1991. وباختصار يرى العراق"ان مجلس الأمن يفتقر الى الاختصاص القانوني الولاية للبت في مسائل الحدود". 4 - السابقة وتوضيحات مجلس الأمن في رده على التساؤلات حول حقه القانوني ولايته في ترسيم الحدود بين دولتين، أكد مجلس الأمن وأوضح في بيان رئيسه 27/6/1992 وفي قراره الرقم 833 27/5/1993 الآتي: أ - إن المجلس هو السلطة الدولية العليا التي تهدف إلى إحلال السلام والأمن الدوليين في المنطقة، ومن حقها ومن واجبها ان تتخذ كل الإجراءات الضرورية لتحقيق هذا الهدف. ب - انه إذا كان في القرار 687 فقرة 3 سابقة اجتهادية لترسيم الحدود بين دولتين، فهي رد على سابقة قيام دولة عضو في الأممالمتحدةالعراق بمحاولة ابتلاع دولة ثانية جارة لها الكويت وهي أيضاً عضو في الأممالمتحدة وهذه سابقة لم يشهد التاريخ الدولي الحديث مثيلاً لها. ج - ان المجلس لا ينطلق من فراغ أو تصوّر مسبق للحدود بل من حقيقتين تاريخيتين ظاهرتين للعيان وهما: ان العراق تجاوز حدوده مع الكويت واحتل البلد كله بالقوة العسكرية، وان الخلاف المعلن هو خلاف حدودي تحول الى خلاف وجودي أو العكس. د - ان المجلس وهو يدعو الى ترسيم الحدود بين الدولتين فهو ينطلق من مبدأين: الأول هو وجود وثيقة تاريخية يعترف بها العراق باستقلال الكويت بحدودها الحاضرة 4/10/1963، والثاني ان لجنة الأممالمتحدة - وهذا هو أهم ما في الموضوع - إذ تقوم بعملية ترسيم الحدود بين الدولتين، فهي"لا تعيد توزيع أراض بين الكويتوالعراق ولكنها تقوم ببساطة بالعمل الفني اللازم من أجل الترسيم الدقيق لمعالم الحدود بين الكويتوالعراق للمرة الأولى"، بيان رئيس مجلس الأمن 17/6/1992. ولتأكيد ذلك ثانية عاد مجلس الأمن فشدد في قراره الرقم 833 27/5/1993 على الموضوع نفسه، مشيراً في هذا الصدد"الى أن اللجنة الحدودية من خلال عملية ترسيم الحدود، لم تقم بإعادة توزيع الأراضي بين الكويتوالعراق، بل بمجرد إنجاز المهمة التقنية الضرورية للقيام، للمرة الأولى، بوضع ترسيم دقيق لإحداثيات الحدود الواردة في المحضر المتفق عليه بين دولة الكويت وجمهورية العراق في شأن الاعتراف، والموقّع من الطرفين في 4/10/1969". ه - لم يكتف مجلس الأمن بالتوضيح الوارد أعلاه وبالعمل على ترسيم الحدود، بل طلب من السلطات العراقية تأكيد اعترافها بسيادة الكويت وحدودها على نحو لا لبس فيه ولا تراجع عنه من طريق إجراءات دستورية رسمية وكاملة باحترام سيادة الكويت وسلامتها الإقليمية وحدودها وفق ما تطلبه القرارات 687، 833 والقرار الجديد للمجلس الرقم 949 15/10/1994. و - نزولاً عند طلب مجلس الأمن، اتخذت السلطات العراقية: المجلس الوطني العراقي برئاسة سعدي مهدي صالح 10/11/1994 ومجلس قيادة الثورة برئاسة صدام حسين قرار رقم 200 تاريخ 10/11/1994 قراراً نشر في الجريدة الرسمية في التاريخ ذاته وفيه: "أولاً: تعترف جمهورية العراق بسيادة دولة الكويت وسلامتها الاقليمية واستقلالها السياسي. ثانياً: امتثالاً لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الرقم 833 1993 تعترف جمهورية العراق بالحدود الدولية بين جمهورية العراق ودولة الكويت كما رسمتها لجنة الأممالمتحدة لترسيم الحدود بين العراقوالكويت المشكّلة بموجب الفقرة 3 من القرار 687 1991 وتحترم حرمة الحدود المذكورة". ز - تبقى اشارة مهمة لفت اليها الأمين العام بطرس غالي في كلمته أمام لجنة ترسيم الحدود العراقية - الكويتية بعد إكمال مهمتها، وهي إشارته"الى تكنولوجيا الأقمار الاصطناعية التي مكّنت اللجنة عند استكمال الترسيم المادي للجزء البري من الحدود، من تحديد موقع كل معلم من المعالم بهامش خطأ لا يتجاوز 1.5 سنتيمتر". وقال انطلاقاً من ذلك"ان القانون والتكنولوجيا والديبلوماسية والأمن اجتمعت في مسعى فريد من مساعي الأممالمتحدة يمثّل مساهمة قوية في إحلال السلام والاستقرار في المنطقة وفي العالم". 5- أنان: السيادة لحماية الناس... لا لحماية جلاديهم اذا كان بطرس غالي قد دافع عن سابقة جديدة لترسيم الحدود وضمانها، فإن خلفه في الأمانة العامة كوفي انان ذهب أبعد من ذلك في تحليله للسيادة وتكلم على مفهومين للسيادة نشرت دراسته في"ايكونوميست"وترجمتها"لوموند"في 22/9/1999. Deux concepts de la souverainete، فمقابل المفاهيم التقليدية للسيادة التي تغل ايدي الاممالمتحدة عن التصرف داخل الدول وبين الدول، تحت شعار السيادة الوطنية، يؤكد كوفي انان الامور الآتية: أ ينبغي تكييف النظام الدولي مع عالم يشهد معطيات جديدة ومسؤوليات جديدة وامكانات جديدة للتقدم والسلام. ب ان سيادة الدول بالمعنى التقليدي تجري إعادة تعريفها بفعل قوى العولمة والتضامن الدولي. فلقد تغير العالم منذ نهاية الحرب الباردة وأخشى ان تكون مفاهيمنا الوطنية لم تتغير معها بالسرعة ذاتها. وبالتالي فإن القرن الجديد المطل القرن 21 يتطلب تعريفاً جديداً اكثر اتساعاً لمصطلح السيادة الوطنية وللتحديات ضد الانسانية بما يجعل المصلحة الشاملة هي المصلحة الوطنية l"interet collectif est devenu l"interet national. ج لا بد اذاً من الجمع بين الشرعة الميثاق وبين حماية الناس والدول. فاذا ما ادركت بعض الدول ان حدودها ليست حواجز دفاع لا تخرق، فإنها تحسب حساباً جدياً لكل نيل من المصلحة العامة وحقوق الانسان في داخلها وحولها. د خلاصة المفهوم الجديد لدى انان حول السيادة هي"ان قراءة متأنية لشرعة الأممالمتحدة تؤكد في العمق ان اهدافها هي في حماية الاشخاص وليس في حماية جلاديهم"، بمعنى آخر هي في حماية الناس والدول وليس في حماية السلطات المستبدة التي تحكمها باسم السيادة الوطنية."فالشرعة تتحدث عن المصلحة المشتركة L"interet Commun، ولكن ما هي المصلحة المشتركة؟ ومن يحددها؟ ومن يدافع عنها وضمن اية سلطة، وبأية وسيلة؟". وبالتالي"ليس في نصوص الشرعة ما يمنع الاعتراف بوجود حقوق عابرة للحدود Droits transfrontaliers يمكن ان تستند اليها المنظمة الدولية"."فاذا لم يقم مجلس الأمن بذلك فسيجد من يقوم مقامه في ذلك."ومرجعية، أو ولاية مجلس الامن هي في الجمع بين الشرعة وبين حماية الانسانية". ثالثاً: في الخلاصات والاستنتاجات ان التأمل في النزاع الحدودي اللبناني - السوري على ضوء النزاع الحدودي الكويتي - العراقي وهما نزاعان متشابهان في كثير من اسبابهما وعناصرهما، وتحليل ما أسفر عنه النزاعان من قرارات دولية لمجلس الأمن لا سيما القراران 687 1991 و1559 2004، يسمحان بالوصول الى بعض الخلاصات والاستنتاجات الاساسية، ومنها: 1- ان طبيعة النزاع هي ذاتها لأن نظرة العراق الى الكويت هي ذاتها نظرة سورية الى لبنان. وان مشكلة الحدود هي التجسيد الأبرز لهذين النزاعين. 2- انه اذا كان لسلطة عادية ان تجتهد في أحكامها انطلاقاً من النص، فإنه يحق لأعلى سلطة دولية أن تجتهد انطلاقاً من الميثاق وهي مجلس الأمن الدولي. 3- لقد اصبح النص الرديف للشرعة هو عملياً"الإعلان العالمي لحقوق الانسان"، وبالتالي فإن الأممالمتحدة لديها الحق والولاية بالدفاع عن الإنسانية ممثلة بالشعوب والدول، وليس الدفاع عن الحكام المستبدين الذين يحكمون هذه الشعوب والدول والذين يتحصنون خلف متراس السيادة الوطنية"ليظلموا شعوبهم وجيرانهم"، كما يقول انان. 4- ان الضغوطات المتلاحقة على العراق ثلاثة قرارات لمجلس الأمن بموجب الفصل السابع 949- 833 - 687 أجبرت بغداد على الاعتراف بسيادة الكويت واستقلالها وبحدودها الدولية مع العراق، كما رسمتها لجنة الأممالمتحدة المؤلفة من خمسة اشخاص، ثلاثة من الأممالمتحدة ومندوبان عراقي وكويتي. 5- لقد توصل مجلس الأمن الى قناعة بأن"النزاع العراقي - الكويتي لن يتوقف ما لم تصبح الحدود بينهما نهائية"ولكن المجلس اصر على ان"مهمة اللجنة هي مهمة تقنية وليست سياسية"بمعنى"ترسيم الحدود للمرة الاولى وفقاً للإحداثيات الجغرافية الدقيقة لخطوط العرض والطول على النحو المحدود بين البلدين في المحضر المتفق عليه في 4/10/1963 ووضع الترتيبات اللازمة للتعيين المادي للحدود أي الترسيم من خلال نصب العدد والنوع المناسبين من الاعمدة او المعالم الحدودية". اكثر من ذلك تسهيل الوصول الى نقاط الحدود تلك والتأكد من سلامتها واعتبارها داخلة في"ضمانة مجلس الأمن"بموجب القرار 687 1991. 6- اذا كان ترسيم الحدود بين العراقوالكويت تم انطلاقاً من محضر الاتفاق بينهما في 4/10/1963، فانطلاقاً من أي محضر ينبغي ان يتم ترسيم الحدود اللبنانية - السورية في حال تقرر ذلك. وبالتأكيد، فإن الاتفاق المحوري هو الذي تم الاتفاق عليه بين لبنان وسورية وغيرهما من الدول العربية عند صوغ بروتوكول الاسكندرية لإنشاء الجامعة العربية 1944 يومها كان في لبنان قادة كبار، أخلاقياً ووطنياً وفكراً وسلوكاً وبعد نظر، على رأسها الشيخ بشارة الخوري والشهيد رياض الصلح، يعاونهما رجل الديبلوماسية سليم تقلا. فوضع الثلاثة النص الشهير وفيه:"تؤيد الدول العربية الممثلة في اللجنة التحضيرية مجتمعة احترامها لاستقلال لبنان وسيادته بحدوده الحاضرة". بشارة خليل الخوري - حقائق لبنانية - الجزء الثاني، 1960. اذاً: المرجعية هي خريطة لبنان للعام 1944 وهي موجودة لدى لبنان والكثير من المراجع الدولية ولا سيما الفرنسية والانكليزية. هذه هي باختصار مكونات ومرجعيات دور الاممالمتحدة وولايتها بموجب القرار الرقم 1559 لترسيم الحدود بين سورية ولبنان. وهو دور يستمد الكثير من عناصره من رؤية جديدة لهذا الدور عبّر عنها الامينان العامان للأمم المتحدة بطرس غالي وكوفي انان ومن الامثولات التي يقدمها نزاع الحدود بين العراقوالكويت في العقد السابق. فهل سيعطى لبلد الثروة المائية ما اعطي لبلد الثروة النفطية؟ هذا سؤال معلق على لعبة الأمم ومصالح الدول العظمى. ان للأمم المتحدة دوراً، ليس فقط في ترسيم حدود الدول الصغرى، بل وفي تحديد مصيرها التاريخي ايضاً في عالم اليوم. * باحث في الشؤون الاستراتيجية