المؤشر أحمر. مذيعة متهندمة تقف أمام شاشة التداول. تتفنن في توزيع الابتسامات وبعضها ينم عن رضى، غير آبهة بأحوال المشاهدين النفسية. جُل هؤلاء المشاهدين هم من المتداولين في سوق الأسهم. هل تسخر المذيعة منهم أم أنها فلسفة الظهور التلفزيوني؟ تلتفت المذيعة الى الشخص الجالس إلى طاولتها وتبدأ رحلة الأسئلة التي لا تنتهي. تأخذ مداخلات أخرى عبر الهاتف. مراسلون من صالات الأسهم ينقلون صورة حية لملامح المتداولين في السوق. أحدهم يزعق بصوته"أنقذونا"وآخر يطالب بالتصدي للممارسات القذرة. أربع ساعات متواصلة من البث تضع المشاهد أمام تلفزيون من الواقع. قنوات الأخبار الاقتصادية تستحوذ على أعلى نسبة مشاهدة في العالم العربي. حتى وقت قريب كانت المسلسلات الرمضانية تحصر هذه النسب، ولكن برامج الواقع الفنية والاجتماعية التي أخذت مكانها على جدول المشاهد باتت منافساً قوياً ونداً جباراً. اليوم حضر"المؤشر"ليقول كلمته في زمن المادة وثورة الاستثمار المالي. تشير دراسة نشرت في آذار مارس الماضي الى أن قناة"العربية"هي المصدر الأول للأخبار اليومية لأكثر من 28 في المئة من المشاهدين الذين شملتهم الدراسة، وسجلت الفترة التي تبث فيها القناة نقلاً حياً لحركة الأسواق والبورصات العربية وقت الذروة للنسبة الأعلى للمشاهدة. كل هذا حرك نهم مستثمري الاعلام التلفزيوني لدخول اللعبة:"تلفزيون الاقتصاد". سرت الأخبار من هنا وهناك عن توجه مجموعة من المستثمرين السعوديين تحديداً وهم الذين يديرون نحو 50 قناة فضائية لوضع المشاهد أمام المزيد من الشاشات المتخصصة. قناة تلفزيونية جديدة تعنى بأسواق الأسهم سترى النور قريباً. وهناك احتمالات تشير الى زرع أكثر من قناة اقتصادية في الفضاء. يختلف مشاهد قنوات الأسهم والاقتصاد عن غيره من المشاهدين. هو مضطر لمتابعة كل شاردة وواردة تدور في التقارير والحوارات. قد لا يكون مستمتعاً بالقدر الذي يشعر به مشاهد آخر"تفنجلت"عيناه أمام مغنية شابة تشق طريقها الفني عبر برنامج"ستار اكاديمي". مشاهد قنوات الأسهم يعي أنه في قلب المعادلة. هو لا يدفع فاتورة هاتف للتصويت ولكنه يدفع من أعصابه الشيء الكثير وقد تسمر أمام الشاشة بأمل أن تستقر السوق أو أن يخرج منها ويقطع عهداً على نفسه بالكف عن مراقبة السوق وبالتالي تفقد الشاشة أحد مشاهديها.